جاء الاتفاق الأميركي - الأوروبي في وقتٍ بدأت فيه العديد من الشركات الأميركية تئن تحت وطأة الخسائر التي تتعرض لها من جراء التعرفات الجمركية المتبادلة، حيث أعلنت شركة "يونايتد تكنولوجيز" أن خسائرها في عام 2018 ستصل إلى 50 مليون دولار، مع توقعها أن يتضاعف هذا الرقم في الأعوام التالية.
كما أعلنت "هارلي ديفيدسون" لصناعة الدراجات النارية خسارتها لما يقرب من 45-55 مليون دولار العام الحالي، ومن 90 – 100 مليون دولار في كل عام من الأعوام التالية، كما أعلنت "جنرال إلكتريك" تكبدها خسائر تقدر بحوالي 150–200 مليون دولار بفعل التعرفات الجديدة.
واعتبر بعض المحللين ما تم التوصل إليه يوم الأربعاء، إنجازاً كبيراً في ظل تشدد الزعماء الأوروبيين ورفضهم الدخول في تفاوض مع الولايات المتحدة قبل إلغاء التعرفات الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، في مقابلة مع تلفزيون فرانس-24"، السبت الماضي: "نرفض أن ندخل في مفاوضات والسلاح مصوب إلى رأسنا".
وقبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر، قالت مارييتي شاكي، ممثلة البرلمان الأوروبي: "إذا لم يحصل يونكر على تعهد ملزم من ترامب بإزالة تعرفات الصلب والألمنيوم غير العادلة، فإنه لم يحقق هدفه. لقد وضع الاتحاد الأوروبي عدم التصعيد والمنفعة المتبادلة للعلاقة التجارية الجيدة أولاً، دائمًا، ولكن التنازل اليوم قد يعني سابقة خطيرة".
وبعد إعلان الاتفاق، عبرت شاكي في بيان رسمي، عن خيبة أملها، متهمة يونكر بتقديم تنازلات كبيرة، ومعتبرة أن تلك التنازلات "توحي بأن الضغط يأتي بالنتائج المرجوة". وأعلنت استعدادها للتعاون التجاري مع الولايات المتحدة "فقط في حالة إلغاء التعرفات على الصلب والألمنيوم".
وعلى رغم انتقادات شاكي، فقد رأى مسؤول بالبنك الدولي، فضل عدم ذكر اسمه، أن يونكر قد أدى عملاً جيداً، بعدما أظهر فهماً كبيراً لشخصية ترامب، "حيث صور له الاتفاق على أنه انتصار كبير، بالاتفاق على شراء الاتحاد الأوروبي لفول الصويا والغاز المسال الأميركيين، بينما استفاد الاتحاد الأوروبي بالحصول على وعد بعدم فرض تعرفات جديدة على منتجاته المصدرة إلى الولايات المتحدة".
ومع أن يونكر من الشخصيات الفاعلة في القرارات والسياسات الأوروبية، إلا أن الأمر يستلزم موافقة زعماء الدول الأوروبية على أي اتفاقات يوقعها الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتوقع ألا يكون بسهولة اتفاق يونكر مع ترامب.
بدوره، علّق بيل بالمر، المحلل السياسي، على الاتفاق قائلاً "بدأ دونالد ترامب حرباً تجارية، ورد الاتحاد الأوروبي بالمثل، ففقد ترامب أعصابه، ويحاول الآن إنهاء الحرب التجارية بعدما خسر الكثير ولم يكسب شيئاً بالمرة. لو روت أي جهة إخبارية القصة بشكل مختلف، فهي كاذبة".
لكن جيم كارون، مدير محافظ الدخل الثابت في مورجان ستانلي لإدارة الاستثمار، توقع أن تكون كل تلك الاتفاقات مؤقتة، حيث لا يرى ما يخفف من التوترات التجارية في الأفق، وهو ما يعني من وجهة نظره ضرورة قيام الشركات بإعادة ترتيب أوراقها من أجل ضبط سلاسل التوريد الخاصة بها والتعامل مع الكلفة المتزايدة.
وقال كارون "في نهاية المطاف، لا بد أن يجد أصحاب الشركات مصادر أخرى للمواد التي يستوردونها"، كما رجح أن تزداد عمليات التكامل الرأسي في الفترة القادمة، حيث تهدف الشركات الصناعية "لزيادة سيطرتها على سلاسل الإمداد الخاصة بها".
وفي مؤتمر صحافي غير مخططٍ له، وعقب لقاءٍ جمعهما في البيت الأبيض يوم الأربعاء، اتفق الزعيمان على أن يقوم الاتحاد الأوروبي باستيراد كميات إضافية من فول الصويا والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة بمليارات الدولارات، وأن ينخرط الطرفان في مفاوضات لإلغاء كافة التعرفات الجمركية والحواجز الاقتصادية الأخرى بين البلدين على كل أنواع البضائع باستثناء ما يدخل تحت بند صناعة السيارات.
وبمقتضى ذلك الاتفاق، لن تفرض الولايات المتحدة تعرفات بنسبة 25% على وارداتها من السيارات الأوروبية، الأمر الذي هدد به ترامب في أكثر من مناسبة خلال الأسابيع القليلة الماضية، كما سيمتنع البلدان عن فرض أي تعرفات إضافية في الفترة الحالية، على أن يستمر التفاوض بينهما في ما يخص التعرفات التي فرضها ترامب على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم قبل شهرين تقريباً.
وقبل أيام قليلة، علت أصوات المزارعين الأميركيين المتضررين من سياسات ترامب التجارية، بعدما تسببت في إلغاء طلبات شراء ضخمة من الصينيين من فول الصويا وعصير البرتقال الأميركيَين، وبالتالي انخفاض أسعارهما محلياً، بالاضافة إلى تراكم كميات مهولة من لحم الخنزير في الموانئ الأميركية لرفض الصينيين شرائها، خوفاً من فرض تعرفات جمركية عليها قبل وصولها إلى الموانئ الصينية، الأمر الذي دفع إدارة ترامب للإعلان عن تخصيص مبلغ 12 مليار دولار من موازنة وزارة الزراعة لتعويض المتضررين.
وبعد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، قال ترامب "الاتفاق يفتح الأسواق للمزارعين والعمال، ويزيد الاستثمار، ويؤدي إلى المزيد من الرخاء في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما يجعل التجارة بيننا أكثر عدلاً".