أحياناً يلعبُ الحظ لعبته فيجد كثيرون أنفسهم وقد أصبحوا عاطلين من العمل فجأة، من دون أن تفتح كفاءاتهم بالضرورة أي باب في وجههم. لا تقتصر معاناة العاطل من العمل على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فالمشاكل النفسية قد تكون أكثر صعوبة.
ترك جورج (29 عاماً) خطيبته بعدما أمهلته عائلتها شهرين لإيجاد عمل جديد. كان قد طرد من عمله كمصوّر بحجة الأزمة المالية. خافت العائلة على مستقبل ابنتهم. أما هو، فيقول إن "البطالة لا تجلب لصاحبها مشاكل مادية فقط، بل تؤدي إلى مشاكل نفسية وصحية عدة. مزاجي بات سيئاً على الدوام. كنتُ أبني مستقبلاً جميلاً مع شريكة حياتي وفجأة انهار كل شيء من دون سابق إنذار. أشعر بالعجز بسبب عدم تمكني من إنجاح العلاقة".
يشعر جورج باليأس، ويقضي معظم وقته في البيت. صار يفضل النوم بعدما فقد كل شغف بالحياة. لم يعد يمارس هواياته أو يلعب كرة القدم. يقول: "يمنعنا مجتمعنا من تكوين عائلة والعيش بكرامة والشعور بالسعادة". كان جورج قد استدان من المصرف مبلغاً من المال لشراء سيارة له ولخطيبته. ولتأمين متطلباتها الأخرى، اضطر إلى الاستدانة من أصدقائه وأقاربه أيضاً. تراكمت الديون ولم يتمكن من تسديدها بسبب طرده من عمله. يصفُ وضعه بالمأساوي، قائلاً إن "اللحظات الأصعب هي حين يتّصل شخص ويطالبني بمستحقاته المالية". يضيف ساخراً: "قد أصاب بنوبة قلبية. عندما يفقد المرء عمله، يشعر بالفشل".
قصة مي وفادي مختلفة بعض الشيء. كان الأخير يعملُ مسؤولاً في إحدى الشركات اللبنانية في أفريقيا براتب خمسة آلاف دولار أميركي. لكن أزمة مالية أدت إلى خسارة المشروع وبالتالي خسارته عمله، ما اضطره إلى العودة إلى لبنان والبحث عن عمل جديد. لم يكن يتوقع أن يواجه صعوبات وتحديات كبيرة لتحقيق ما يريد. لم يجد أي عمل حتى اليوم. تراكمت الديون على العائلة، ما دفعه إلى بيع منزله الذي كان قد استدان من المصرف لشرائه من أجل تأمين عيش كريم لطفليه سامر وفرح. تقول مي: "تراكمت الديون علينا. أقساط المنزل والمدرسة والخدمات الاجتماعية. بعنا كل ما نملك من ذهب، بالإضافة إلى البيت، واستأجرنا منزلاً متواضعاً". تضيف: "عانى زوجي من أزمة صحية ونفسية بسبب عدم تمكنه من إيجاد عمل. حاولت الوقوف إلى جانبه قدر المستطاع وبحثت بدوري عن عمل من دون جدوى. لم يكن أمامنا غير الاقتراض من الأهل والأقارب لتأمين متطلبات طفلينا. كل ما أردناه هو إبعاد القلق والخوف عنهما".
كان بمقدور مي إدخالهما إلى مدرسة رسمية لتوفير بعض الأعباء المالية على العائلة، إلا أن تجربتها في هذه المدارس منعتها من الإقدام على الخطوة. تقول إنها تُحاول قدر الإمكان إخفاء وضعهم المالي عن الناس حتى لا يشفقوا عليهم "لا أفتح قلبي سوى لأهلي وصديقتي مايا". تسألُ: "لماذا لا يفرضون علينا الضرائب ويقدمون لنا الخدمات الاجتماعية والصحية، بالإضافة إلى المدارس المجانية كما هو الحال في الدول الأوروبية؟ الوضع صعب جداً ويجب أن نكون أقوياء".
أما أبو مازن (57 عاماً)، فيقول إنه بعدما عمل مدة عشر سنوات، خرج من عمله من دون أي تعويض. كان يأخذ راتباً بحسب ساعات العمل التي يعمل فيها كحارس ليلي لإحدى الشركات، وهي تسعة آلاف ليرة في مقابل ثلاث ساعات عمل. صرف من عمله لأن الشركة أرادت تغيير العاملين بعد الأحداث الأمنية التي زعزعت أمن البلد. يضيف: "بعدها، اكتشفت أنني مصاب بمرض سرطان الرئة. حاولت الحصول على مساعدة مالية من العمل السابق من دون أن أوفق. لم تستقبلني شركات أخرى بسبب تقدمي في السن. لم يكن أمامي غير وزارة الصحة لتأمين تكاليف العلاج".
يسأل أبو مازن: "ماذا تسمى الدولة التي تترك أبناءها من دون ضمان شيخوخة؟ وصلنا إلى مرحلة بتنا نفكر فيها بالادخار لموتنا ودفع تكاليف الجنازة". يقول إن "الاستدانة من الناس صعبة، كما أن المجتمع لا يرحم. علي أن أكون حاضراً دائماً للإجابة عن سؤال: هل وجدت عملاً أم لا؟ بعض الناس يرأفون بوضعي ويعطوني المال، أو يحاولون مساعدتي لإيجاد أي عمل".