بدأ الصراع على شكل الحكم ذي المصداقية والذي يمثل جوهر العملية السياسية، مع وصول وفد النظام السوري إلى جنيف، أمس الجمعة، والذي طالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة تضم المعارضة وتبقي رئيس النظام بشار الأسد، فيما تصرّ المعارضة على هيئة حكم انتقالي واسعة الصلاحيات، مستندة إلى تأييد القرارات الدولية بالعمل وفق بيان جنيف.
وسيتحدد أكثر ملامح شكل عملية الانتقال السياسي يوم الاثنين المقبل، موعد اللقاءات المقبلة للمبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، مع وفد النظام أولاً في الساعة الحادية عشرة صباحاً، ثم وفد المعارضة السورية مساء، على أن يكون اليوم وغداً، بمثابة هدوء قبل العاصفة.
ومع تجاوز الحديث عن الملفات الإنسانية من خلال البندين الثاني عشر والثالث عشر من القرار الدولي 2254، واللذين كانا محور المباحثات في الجولتين الماضيتين، فإن الانتقال بات ملحاً لنقاش البند الرابع من القرار الدولي والذي يدعم حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، ويحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، رغم محاولات النظام الهرب من الاستحقاق السياسي.
ويبدو أن النظام بات مجبراً على نقاش البند الرابع في هذه الجولة، وسط إصرار أميركي وتطور في المواقف الروسية، بعد رفضها الاشتراك مع النظام في عملية "تحرير حلب"، لجهة دفع الحل في سورية، وتأكيد دي ميستورا مراراً أن هذه الجولة ستكون حاسمة، وقد أخبر وفد المعارضة السورية أمس الجمعة المبعوث الدولي إصراره على تشكيل هيئة حكم انتقالي.
وبما أن القرار الدولي لم يكن واضحاً في تفسير الحكم ذي المصداقية، فإن النظام السوري يعتمد على ذلك في محاولة كسب الوقت والمناورة قدر الإمكان، ومن هنا جاء طرح رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري، على دي ميستورا أمس تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم المعارضة مع بقاء الأسد، ورفض تفسير المعارضة للانتقال السياسي.
هذه الطروحات لم تلق تجاوبا من المعارضة التي تستند إلى أن القرار 2254 قد أيدّ بيان جنيف، والذي نصّ على هيئة حكم انتقالية واسعة الصلاحيات، ولفهمها استراتيجية النظام السوري في المماطلة، فقد أخبرت دي ميستورا خلال اجتماعاتها أمس، تمسكها بموقفها لجهة أنها لن تناقش أي قضية خلال المحادثات قبل الإقرار بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وليس حكومة وحدة وطنية أو حكومة موسعة كما عرض الجعفري.
وقال كبير المفاوضين في وفد الهيئة محمد علوش، إنه "لن نقبل إلا بهيئة حكم انتقالية خالية من نظام الأسد ورموزه"، في حين عاهد رئيس وفد المعارضة أسعد الزعبي "الثائرين بالمضي في الحل السياسي الذي يصل بنا الى هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة وخالية من كل رموز النظام الحالي".
ومع الإرهاصات التي تدلّ على أن النظام السوري يحاول جاهداً الهروب من الاستحقاق السياسي، بعد إصراره على إجراء الانتخابات التشريعية متجاوزاً القرارات الدولية، وتأخره على جولة جنيف الثالثة، يرى مراقبون أن النظام بات أمام ثلاثة حلول، الأولى قبوله الانتقال السياسي، وهو ما يبدو مستبعداً، والثانية، الدخول بمعركة تحرير حلب، والتصعيد العسكري على الجبهات السورية، بغية إشغال الجميع بالحديث عن الهدنة وخروقاتها، في حين أن الحل الثالث، القديم المتمثل في الاهتمام بالشكل دون المضمون، لكسب الوقت والمناورة والمماطلة، كالحديث عن لحى المعارضة، والخطوط غير المفهومة في أسئلة المبعوث الدولي، وغيرها.