جنود من بلاستيك

18 مايو 2018
ساحة المعركة (ستانيسلاف كراسيلينيكوف/ Getty)
+ الخط -
على الرغم من الغزو الإلكتروني الكبير لسوق ألعاب الأطفال، ما زالت بعض الألعاب اليدوية تجد طريقها إلى الصغار. ليس الأمر مرتبطاً بألعاب تقليدية جماعية يميزها الجهد البدني والتفاعل بين مجموعة من الصغار أو تلك التربوية الموجهة، بل مجرد ألعاب تتطلب جهداً يدوياً أكبر مما هو في الألعاب الإلكترونية مع جهد بدني قليل، لكن مع كثير من الحماس.

منها الكلل (بالكاف الفارسية) المعروفة بالبيل أيضاً؛ تلك الكرات الزجاجية الصغيرة المختلفة الأحجام، ومنها بطاقات أفلام الكرتون، ومنها كذلك الجنود البلاستيك. الأخيرة عبارة عن قطع عسكرية مصغرة وموزعة على آليات عديدة من طائرات وبوارج ودبابات وملالات ومدافع وعتاد مختلف بالإضافة إلى أعداد كبيرة من تماثيل الجنود بأسلحتهم الفردية المتنوعة ووضعياتهم القتالية العديدة، يمثلون جيوشاً مختلفة تتباين ألوانها بحسب طبيعة أراضيها، وبعضها يعود إلى عصر ما قبل الأسلحة النارية حتى.

عادة ما يضع كلّ طفل جنوده وآلياته في جهة معينة ويجعل لها متاريس معينة في ساحة الحرب. ثم تبدأ المعركة في رمي كلّ منهم شيئاً ما مثل كرة أو كلة إلى أرض الخصم. وبطبيعة الحال فإنّ الغاية النهائية هي القضاء على آخر نفر من جنود "العدو"، وربما انسحاب أحد اللاعبين الذي يعتبر استسلاماً منه للمنتصر. ربما كانت الغاية من هذه اللعبة التي تأتي عدتها في كيس معروف لدى الأطفال بـ"كيس الجنود" استعراضية لا أكثر في ما سبق، كحال كثير من الجيوش العربية اليوم وهي تستعرض عتادها وعديدها في الأعياد الوطنية. لكنّ من المؤكد أنّ الغاية الآن هي حربية الطابع، إذ بات "كيس الجنود" هذا يحتوي في ما يحتويه نقّيفة (نقافة، أو شدّيدة) بعصا بلاستيكية متفرعة إلى فرعين وحلقة من المغّيط (المطاط) وسطهما، لاستخدامها في ضرب جنود العدو.




ليس جنود الدول العربية من بلاستيك. هم من لحم ودم ومشاعر. لهم حياتهم الخاصة والعائلية دون شك ولهم طموحاتهم وأحلامهم المدنية. لكنّ لهم عقيدة عسكرية وطنية أيضاً، عقيدة تؤكد على التصدي لعدوّ الأمة، وعقيدة تتشرب القضية الفلسطينية في معظم بلدان هذا العالم الممتد من المحيط مروراً بالبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى الخليج العربي. في يوم من الأيام لم تكن تلك العقيدة مجرد ديكور. كانت تحكم القادة والجنود معاً. ولعلّها ذات يوم تعود لتتحرر من الأيدي التي تحركها كما يحرك الأطفال جنود البلاستيك في لعبتهم، أو كما يحرك طفل واحد أحياناً كلّ الفرق المتواجهة من الجنود.

ولعلّها عندما تعود لتتحرر ستحرر فلسطين... كلّ فلسطين.
دلالات
المساهمون