دقّت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس، ناقوس الخطر حول مصير العديد من التونسيين المصنَّفين والخاضعين لتدابير المراقبة الإدارية لوزارة الداخلية، التي تعرف بإجراء "آس"، مؤكدة أنها تناقض مبادئ الحريات والديمقراطية.
وأكدت عضو المنظمة ومسؤولة برنامج "سند" للمساعدة القانونية لضحايا التعذيب، نجلاء الطالبي، أن عدداً كبيراً من التونسيين يخضعون للمراقبة الإدارية دون أن يكونوا على علم بذلك، مبينة أن الإجراءات غامضة وتُكتشَف بحسب الحالات الواردة إلى المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
وبينت أنهم تابعوا نحو 20 حالة ضمن برنامج سند وجرى الوقوف على مدى اعتباطية الإجراءات المتخذة ضدهم ومدى تأثير هذا القرار بنفسيتهم ومحيطهم، لكون هذا التقييد غير محدد بمدة معينة، ويلاحقهم لسنوات باسم مكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أنهم اكتشفوا من خلال مراكز سند في المنظمة أن هناك العديد من الحالات قيدت حريتهم، وأن لهذا الإجراء آثاراً مدمرة نفسياً واجتماعياً على الأشخاص، من فقدان الوظيفة والطلاق والاكتئاب.
وأضافت الطالبي لـ"العربي الجديد"، أن هذا الإجراء غير معلن، وعادة ما يُكتشَف صدفةً عند السفر أو في الطريق، وبالتالي لا يعرف الشخص لمن يتوجه، مبينة أن مطلبهم الأساسي، إعلام الأشخاص لاتخاذ التدابير اللازمة، ولكي يتمكنوا من متابعة ملفاتهم، مشيرة إلى أن بإمكان الأشخاص المعنيين التظلم لدى المحكمة الإدارية واللجوء إلى وزارة الداخلية لأنها الجهة المعنية بهذا الإجراء. وأوضحت أن هناك عدة تصنيفات في إجراء "آس"، لكن الإجراء الأكثر انتشاراً هو "آس 17"، المعروف بـ"إجراء الاستشارة قبل العبور".
من جهتها، بيّنت الاختصاصية النفسية في المنظمة ريم بن إسماعيل، أنها تابعت العديد من الأشخاص الخاضعين لإجراء "آس 17"، وكانوا ضحايا سوء معاملة، كذلك شملت الآثار النفسية أغلب الأشخاص الذين يشعرون بأنهم ليسوا مواطنين عاديين وبإمكانهم ممارسة حياتهم طبيعياً ووضعياتهم هشّة ومهددة يومياً.
وأفادت بن إسماعيل لـ"العربي الجديد"، بأن البعض يعيشون خفية ويتجنبون المجتمع والمحيطين بهم، كذلك فإن الآثار تتعدى الشخص إلى العائلة، حيث تتوالى المشاكل وتسوء العلاقات، مبينة أن المستقبل أمام البعض غامض ويواجهون صعوبات في محيطهم ومجتمعهم، بل أكثر من ذلك، تحصل قطيعة مع المجتمع والناس.
بدوره قال الناشط الحقوقي، نائب رئيس المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، مختار الطريفي، إنّ المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس أعدت تقريراً عن التونسيين المصنفين "آس" والخاضعين للمراقبة الإدارية، وتوصلت إلى وجود نحو 800 حكم صادر عن المحكمة الإدارية لفائدة هؤلاء الأشخاص، لكن لا يجري تنفيذ الأحكام لفائدتهم، مضيفاً أن هؤلاء الأشخاص يخضعون للإجراء الحدودي "آس"، وهناك عدة تصنيفات فيه من 1 إلى 21.
وبيّن أنه لا يمكن إحصاء عدد الأشخاص المعنيين حتى من قبل وزارة الداخلية، وهم يقدَّرون بعشرات الآلاف خاضعين للإجراء الأكثر انتشاراً "آس 17"، مبيناً أن أغلب الردود الرسمية تستند إلى كونه للوقاية من الإرهاب.
ودعا الطريفي إلى وقف الإجراءات التي تمسّ بالحريات والحقوق ومراجعة هذا الإجراء بحذف آلي للأشخاص الذين لا ذنب لهم، مبيناً أن الأحكام الصادرة لفائدة المعنيين يجب أن تنفذ.
وأكد أن هذا الإجراء لا يستند إلى نص قانوني، وأحياناً يُستنَد إلى قانون حالة الطوارئ أو مرسوم 26 يناير/ كانون الثاني 1978، وهو غير دستوري، ويتضمن خرقاً للحقوق المدنية ويحدّ من حريات الأشخاص.
أما عضو المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، إيلان ليقاس، فترى أن الإجراءات المتخذة عادة تكون عند السفر والتنقل، وتشمل مئات الأشخاص وتعطل مصالحهم، إذ يبقون عدة ساعات في الانتظار، وهناك رقابة عند التنقل داخل تونس وفي مراكز الأمن، وهي لا تستند إلى أي نص قانوني، مبينة أنها تتناقض مع حقوق الإنسان والحريات العامة، فالأشخاص الخاضعون لهذا الإجراء لا يعرفون لماذا أُدرِجوا فيه.
وبينت أن هذا الإجراء يجب أن يكون مقيّداً بمدة زمنية، مؤكدة أنّ التداعيات النفسية على الأشخاص وسوء المعاملة وآثار الرقابة، كلها عوامل تعقد المسألة وتتنافى والديمقراطية والحريات.
وأشار الأمين العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، جيرالد ستابروك، إلى أن السؤال اليوم هو: "ما دواعي هذا الإجراء؟"، فرغم أنّ الدولة تتحدث عن الحماية والوقاية من العمليات الإرهابية، إلا أنه لا بد من إعادة النظر في المنظومة، لأن الإشكال في طريقة تطبيق الحماية، فهل تحترم الدولة القانون بهذا الإجراء؟، مشيراً إلى أنه في اعتقاده يغذي الإرهاب ولا يعزز الأمن.
وقال المواطن صابر التونسي لـ"العربي الجديد"، إنه تنبّه صدفة، وتحديداً في عام 2016 إلى أنه مصنف إدارياً، فقد كان يعمل ويمارس الرياضة وليست لديه أي انتماءات، مبيناً أن حياته انقلبت رأساً على عقب، وكل مرة يوقَف للتثبت من هويته لعدة ساعات، ويخضع لتحريات.
وأضاف المتحدث أنه عاجز عن السفر وإيداع طلب العمل بالخارج أو الحصول على جواز سفر، مضيفاً أنه لو سُجن وخضع لعقوبة سجنية، لانتهى الأمر، ولكن بهذه الطريقة فهو مسجون طوال حياته.