حكاية الأسير الفلسطيني المحرر معزز عبيّات.. عائد من الموت بلا ذاكرة

10 يوليو 2024
الأسير المحرر معزز عبيّات قبل الاعتقال وبعده، 9 يوليو 2024 (نادي الأسير الفلسطيني)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الاعتقال والتعذيب**: اعتقل معزز عبيّات في أكتوبر وتعرض لتعذيب شديد في سجن عوفر، مما أدى إلى فقدانه الذاكرة وكسور في قدميه وحروق في مفاصل يديه وركبتيه.

- **الوضع الصحي**: يعاني معزز من فتق في بطنه وصدمات نفسية، ويحتاج إلى رعاية طبية حثيثة. تعاني عائلته من مخاوف بشأن حالته الصحية والنفسية.

- **المطالبات والتدخل**: نادي الأسير الفلسطيني يحمل سلطات الاحتلال المسؤولية ويطالب المؤسسات الحقوقية الدولية بالتدخل لتوفير الرعاية اللازمة لمعزز.

بعد أشهر من الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، خرج الأسير الفلسطيني المحرر معزز عبيّات، أمس الثلاثاء، بجسد هزيل وبلا ذاكرة، بحاجة للمساعدة بعدما كان سابقاً بطلاً في كمال الأجسام، لكن أكثر ما يتذكّره محاولة قتله قبل أشهر في سجن عوفر، بحضور وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي رقص على جسده، لكن كُتبت له حياة جديدة.

معزز عبيّات.. فاقد للذاكرة

لم يتمكن معزز عبيّات من التعرف على أي أحدٍ من أفراد أسرته، حتى والديه وأطفاله الخمسة، وذلك عقب الإفراج عنه من سجن النقب الصحراوي، في ظرف صحي يتخطى مرحلة "كيّ الوعي" أو ما يشير إلى حرب نفسية قاسية إلى مرحلة "كيّ الذاكرة"، إذ إنه منذ لحظة الإفراج عنه عبر معبر الظاهرية جنوب الخليل، جنوبي الضفة الغربية، حتى اللحظة، يتساءل عمّن حوله، ومن هم، ويُتمتم بكلمات عشوائية عمّا عايشه في السجن، إذ وثّقت مقاطع مصوّرة لحظة الإفراج عنه وهو يعرج على قدميه من شدّة التعذيب، وبدا جسده نحيلًا في ملابس رديئة.


يروي معاذ عبيّات، شقيق الأسير المحرر معزز خلال حديث إلى "العربي الجديد" اللحظات الأولى للقاء شقيقه بعد الإفراج عنه، قائلًا: "وقف أمامه أبي، لكن معزّز سأله من أنت، وكذلك أمي، وأنا وإخواني، وحتى أطفاله، لم يعرف أحدًا منا، وكان يردد باستمرار اسم الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير".

الأسير المحرر معزز عبيّات من بلدة العبيّات شرق بيت لحم جنوب الضفة الغربية، كان قد اعتقل في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأفرج عنه مساء أمس الثلاثاء، بعد اعتقال دام 7 أشهر، واعتقل مرّتين غير الاعتقال الأخير قبل نحو 17 عامًا، وقبل 10 سنوات، كما أنه كان من أصغر المحاصرين مع المناضلين في كنيسة المهد ببيت لحم عام 2002، وكان عمره حينها 11 عامًا، بالإضافة إلى أنه معتقل سياسي سابق لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتعرّض للتعذيب في سجن أريحا شرق الضفة الغربية، على خلفية مواقفه السياسية.

يقول شقيقه: "إن مخاوف العائلة على وضعه الصحي بدأت منذ لحظة اعتقاله، حين اقتحمت وحدة اليمّام العسكرية الإسرائيلية منزله، وبدأت بضربه بشكل مبرّح وتحديدًا على قدميه، قبل اقتياده إلى مركز توقيف عتصيون، وعلمنا حينها أن قدماه كُسّرتا، وبعدها فقدنا المعلومات عنه، ولم تتمكن الطواقم القانونية أو المحامون من زيارته للاطمئنان عليه، عدا عن كونه تعرض للعزل في السجون لفترة لم نعرفها، كونه لا يتذكر تفاصيل دقيقة عمّا جرى معه".

من لاعب كمال أجسام إلى جسد هزيل

قبل اعتقاله، كان الأسير المحرر معزز عبيّات لاعب كمال أجسام ورفع أثقال، يعمل جزّارًا في القرية، ولا يعاني من أي أمراض، لكن المفارقة أنه بعد دخوله السجن، بات يعاني من كسور في قدميه، وحروق في مفاصل يديه وركبتيه، وبات جسده نحيلًا هزيلًا لا يقوى على المشي، ويردد أن أوضاع السجون مزرية، يتعرض فيها الأسرى للضرب المستمر الذي يصل إلى حدّ الموت، ويعانون فيه من الجوع الشديد، وانتشار الأمراض، والتهديد بالقتل بشكل متكرر، ما أدى لإصابته بصدمة أنسته من حوله، بحسب ما يوضحه شقيقه نقلًا عنه. 


اللافت في سياق الاعتداء على الأسير معزز عبيّات في السجن، بحسب ما يرويه شقيقه، هو أن أحد أسباب التنكيل به حدّ الموت الذي دفع إدارة السجن لوضعه في كيس بلاستيكي أسود وركنه في ثلاجة الشهداء، ظنًا أنه استشهد، وذلك بعدما تعرض لضرب شديد من أعلى رأسه حتى أسفل قدميه، هو أنه يرفض استمرار شتم السجّانين للأسرى، ويردّ عليهم بالمثل، بالإضافة إلى سخطهم الشديد من حمل طفلته الصغيرة اسم "حماس".

بحسب ما يؤكده معزز، فإن بن غفير رقص على جثته، بعدما ظنوا انه استشهد، مؤكدا أن أوضاع الأسرى صعبة.

مخاوف العائلة

تتخوّف عائلة الأسير معزز عبيّات من أن تتبدّد آمالهم بأن يعود كما كان بعد فقدانه الذاكرة، إذ كشف شقيقه أنه خلال إجرائه فحوصات طبية في مستشفيات بيت لحم، تبيّن وجود فتقٍ في منطقة بطنه، دون أن يعلم الأطباء حتى اللحظة ما وراء ذلك وما الذي جرى معه حتى دفع الاحتلال لإجراء عمليّة في بطنه، ما يعزز مخاوف استهدافه من قبل احتلالٍ تخطى مرحلة السقوط الأخلاقي، إلى مرحلة التصفية والقتل المتعمد والبطيء بحق الأسرى.

صدمة نفسية

ويكاد حال الأسير معزز عبيّات يغني عن المقال، ويعكس مشهد السجون الإسرائيلية التي دخلت مرحلة غير مسبوقة من التردي، وتحديدًا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ "لا ماء ولا طعام يكفي لسد الجوع، وسط انتشار أمراض لا وجود لأدنى مقومات العلاج لها عدا عن كونها معدية وتنتشر في صفوف الأسرى، ولا حرّية في الحركة لدقائق، ما جعلهم عرضة للضرب من السجّانين، ونهش أجسادهم من الكلاب البوليسية"، كما يوضح رئيس جمعية الأسرى والمحررين الفلسطينية في بيت لحم، محمد حميدة لـ "العربي الجديد". 
يقول حميدة: "التقينا معزز وتبيّن أنه يحمل صدمة نفسية، لكنه لم يفقد الذاكرة كليًا، لأنه يتذكر تفاصيل السجن الصغيرة، وكيفية تعذيبه وضربه وكيف اقتحم المتطرف بن غفير السجن وضربهم وصعد على جسده، ويتذكر أسماء الأسرى الذين عاشوا معه، لكن على النقيض الآخر خلال وجودنا في المستشفى سألناه أين نحن الآن، قال نحن في سجن النقب وستأتي إدارة السجن لعدّ الأسرى".
ويضيف: "حالة المحرر معزز بحاجة لرعاية طبيّة حثيثة، وتفعيل قضيته على مختلف الأصعدة، وهذا قولٌ لا يجدي ما لم يسعفه فعل سريع، حتى لا نشاهد وضعه ينطبق على كلّ الأسرى"، وفق حميدة، الذي أشار إلى أن معزز وصل إلى مرحلة الموت، ولم يعان من عذابات السجن فقط، بل منذ ضربه الشديد المتعمد منذ أول أسابيع اعتقاله حتى لحظة الإفراج عنه، حيث خرج بملابس ممزقة، توضح تعرضه للضرب والتنكيل.
وكان نادي الأسير الفلسطيني حمّل في بيان صحافي، سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الوضع الذي خرج به المعتقل معزز، مطالباً المؤسسات الحقوقية الدولية بأن تتحمل مسؤولياتها اللازمة أمام حرب الإبادة المستمرة والجرائم بحق المعتقلين كأحد أوجه هذه الإبادة.


وقال نادي الأسير: "يواصل الاحتلال التّصعيد من جريمة الاعتقال الإداريّ، حيث وصل عدد المعتقلين الإداريين حتى بداية الشهر الجاري، إلى ما لا يقل عن 3380 معتقلا، من بينهم نساء وأطفال، ويخضع جميعهم إلى محاكمات صورية وشكلية تحت ذريعة وجود ملف سرّي، علما أنّ المئات من المعتقلين الإداريين هم من المرضى، كما أنّ الغالبية العظمى منهم هم من المعتقلين السابقين الذين أمضوا سنوات في سجون الاحتلال".

المساهمون