تسوية شمال لبنان: أرباح الجيش وخسائره

بيروت

نادر فوز

avata
نادر فوز
28 أكتوبر 2014
5B969A89-B34F-4368-B0F1-94BCF82F0DAC
+ الخط -
أُسدلت الستارة السياسية على معارك طرابلس وباقي مناطق شمال لبنان. تحكّمت التسويات السياسية مرة جديدة في الميدان الأمني، لتضع حداً للنزيف البشري والخسائر المادية التي اعتادت عليها هذه المدينة تحديداً. وفي حين تنفي قيادة الجيش حصول تسوية مع المخلّين بالأمن، وتصر بيانات مديرية التوجيه فيه على استمرار تعقّب المطلوبين لتوقيفهم، يؤكد واقع الأمور الميدانية أنّ اتفاقاً حيك بين الأطراف المعنية لوقف أعمال العنف. كلام تؤكده مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، شاركت في مجموعة لقاءات جمعت سياسيين ومسؤولي أجهزة أمنية مختلفة في الدولة اللبنانية. وتضمن هذا الاتفاق أربع نقاط أساسية، وهي: انسحاب المظاهر المسلحة من منطقة باب التبانة حيث وقعت المعركة، ودخول وحدات الجيش إلى هذه الأحياء وسيطرتها على بعض المقرّات الرئيسية التي كانت المجموعات المسلحة تنتشر فيها. بالإضافة إلى وقف الاعتداءات على النقاط الأمنية الخاصة بالجيش في مجمل مدينة طرابلس.

أما أبرز تجلّيات هذا الاتفاق، فكان تأجيل جبهة النصرة إعدام أحد العسكريين المخطوفين لديها في جرود عرسال - القلمون (عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية) يُدعى علي البزال. عمل مسؤولون في تيار المستقبل ومجموعة من رجال الدين في هيئة العلماء المسلمين، على صوغ هذه التسوية ووضعها قيد التنفيذ، تماماً كما كانت تفعل خلال جولات المعارك السابقة التي شهدتها طرابلس منذ ٢٠٠٥. وتأتي هذه الأجواء لتؤكد أنّ الغطاء السياسي لم يعطَ لقيادة الجيش لحسم هذه المعركة، لـ"عوامل وأسباب كثيرة أهمها صعوبة الحسم في مناطق مكتظة بالسكان، وتبعات هذه العملية على مختلف المناطق المحسوبة على الطائفة السنية، بالإضافة إلى سلامة الجنود المخطوفين في عرسال" بحسب مصادر "العربي الجديد" من أوساط رجال دين شاركوا في صوغ الاتفاق. في الخلاصة، تكون هذه المعركة، التي انطلقت مساء الجمعة من منطقة الأسواق القديمة في طرابلس، وانتقلت إلى باب التبانة، وتوسّعت شمالاً باتجاه بلدات عدة في قضاء المنية، قد حصدت أرواح ١٨ مدنياً على الأقل، و١١ عسكرياً وعشرات الجرحى، لكن انتهت بسحر ساحر.

مكتسبات أمنية؟

دخلت وحدات الجيش لأول مرة منذ ٢٠٠٥ إلى عمق باب التبانة التي كانت تحتشد فيها مجموعات مسلحة عدة، ما عدّه ضباط أمن لبنانيون "انتصاراً فعلياً، بعد خطة أمنية تم تنفيذها في مارس/آذار الماضي وتوقفت عند حدود التبانة". وفي الواقع الميداني أيضاً، تتحدث أوساط عسكرية عن أنّ معركة طرابلس والجوار أوضحت حجم المجموعات المسلحة وانتشارها على الأرض اللبنانية ومدى ضعف التضامن الشعبي والمسلّح معها. ولكون ردة الفعل اقتصرت على أحداث بلدة بحنين في قضاء المنية، يمكن اعتبار ذلك نجاحاً للجيش تحديداً على المستوى الأمني.

بالإضافة إلى نجاح واضح على مستوى تماسك الجيش، باعتبار أنّ أي حالة فرار أو انشقاق لم تسجّل خلال أيام القتال. الأمر الذي يؤكد من جهة أخرى على كون البيئة السنية ليست حاضنة لـ"الإرهاب"، وما يكرسه أيضاً نزوح ما يقارب ٨٠ في المئة من سكان التبانة خلال المعارك التي دارت فيها. أي أنّ هؤلاء الناس لا يسعون وراء مجموعات مسلحة تحميهم أو تعبّر عن آرائهم السياسية وانتمائهم الفكري، بل يريدون العيش بسلام في بيوتهم ومناطقهم تحت سقف الدولة.

استعراض عسكري

عمد الجيش إلى استخدام بعض مروحياته لاستهداف المجموعات المسحلة في طرابلس وفي جرود المنية، كما استنفرت قيادته عدداً من الزوارق الحربية مقابل الساحل الشمالي. أراد الجيش إظهار المعركة وكأنها شاملة وكبرى، استعرض قواته البحرية والجوية وأدخلها في حرب شوارع وأخرى على نمط حروب العصابات في بساتين المنية وجردها. أما النتائج المرجوّة من شمولية الحرب هذه، فبالتأكيد موجهة للمجتمع الدولي بضرورة دعم الجيش اللبناني بأنواع الأسحلة كافة، ودفع القوى السياسية اللبنانية واللبنانيين إلى التضامن الكامل مع قيادته وجنوده نظراً لخطورة المعركة.

ومقابل هذه النقاط الإيجابية التي يسعى الجيش إلى تكريسها، يمكن الإشارة إلى الضعف الاستخباري لديه، تحديداً بعد ظهور مجموعة الشيخ خالد بلحص وتمكنها من قتل خمسة عسكريين على الأقل في كمين ومعارك مختلفة في الجرد، وخصوصاً أنّ حركة بلحص كانت معروفة وكان مقرباً بشكل علني من الشيخ أحمد الأسير الذي فرّ بعد معركة مع الجيش في عبرا (٢٠١٣). كما أنّ الضعف الاستخباراتي ظهر أيضاً في متابعة الوضع الميداني في التبانة، حيث تأكّد وجود عشرات المقاتلين العرب إلى جانب مجموعة أسامة منصور وشادي المولوي. وترتّب على هذا الفشل الأمني ما شهدته طرقات عدة من عمليات خطف لجنود لبنانيين كانوا يستقلون آليات نقل عامة، أو حتى خطف بعضهم من منازلهم.

ذات صلة

الصورة
مجزرة عين يعقوب في عكار شمالي لبنان 12/11/2024 (عمر إبراهيم/رويترز)

سياسة

تهيمن الصدمة والغضب على السكان، في بلدة عين يعقوب الواقعة في أقصى شمال لبنان، فيما يواصل مسعفون البحث بأيديهم بين أنقاض مبنى كانت تقطنه عائلات نازحة.
الصورة
غمرت المياه سيارات الإطفاء ومركبات بسبب الأمطار الغزيرة/23 ديسمبر 2023(Getty)

مجتمع

تداول مغرّدون لبنانيون مساء اليوم مقاطع فيديو وصوراً تُظهر غرق شوارع العاصمة بيروت والنفق المؤدي إلى مطار رفيق الحريري الدولي، بسبب الأمطار الغزيرة.
الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.