ندد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم الإثنين، بالـ"بيروقراطية" التي تعرقل في رأيه عمل الأمم المتحدة، وذلك في اليوم الأول من أسبوع من الخطابات والنقاشات واللقاءات الثنائية، بين الدول الـ193 في الأمم المتحدة، تشهده نيويورك.
وقال ترامب خلال تبني إعلان سياسي من عشر نقاط يشجع المنظمة على إصلاح نفسها "خلال الأعوام الأخيرة، لم تبلغ الأمم المتحدة قدرتها الكاملة بسبب البيروقراطية والإدارة السيئة".
وأضاف "على الأمم المتحدة أن تركز بشكل أكبر على الناس وبشكل أقل على البيروقراطية". وحظي هذا الإعلان بموافقة 126 دولة كانت ممثلة بمستويات مختلفة من رؤساء دول ووزراء وموظفين كبار استمعوا إلى الخطاب المقتضب للرئيس الأميركي.
وتهم مقاربة ترامب لإصلاح المنظمة إعادة توزيع الأعباء المالية بين الأعضاء بشكل أكثر عدلا، في إشارة إلى عزم واشنطن تخفيض مساهمتها في تمويل ميزانية الأمم المتحدة التي تبلغ حاليا نحو 22% بينما تدفع الصين 8 % فيما لا تتجاوز المساهمة الروسية 3 %.
وفي كلمته لم يتطرق ترامب بشكل مباشر إلى الانتقادات القاسية للأمم المتحدة، التي كان يكررها خلال حملته الانتخابية واستبدل شعار "جعل أميركا عظيمة مجددا" بشعار لـ"نجعل الأمم المتحدة عظيمة مجددا".
وحض الدول الأعضاء على اتخاذ "موقف جريء" لتغيير طريقة عمل المنظمة الدولية بدل "التمسك بالأساليب التي أثبتت فشلها". وطالب الأمين العام، أنطونيو غوتيريس، بإحداث تغييرات.
ولم يفوت رجل الأعمال النيويوركي السابق المناسبة دون أن "يسوق" للبرج السكني الذي شيدته شركته العقارية، وتحول إلى مقر إقامة بعض البعثات الدبلوماسية في الأمم المتحدة. وقال الرئيس الأميركي: "أنا حقا أرى قوة عظيمة في الجهة المقابلة من الشارع. لولا وجود الأمم المتحدة هنا لما كان هذا المشروع الناجح".
والمبنى الذي قصده الرئيس الأميركي هو "برج ترامب الدولي" الذي يقطن فيه عدد من أثرياء العالم، وقد اشترت المملكة العربية السعودية الطابق الخامس والأربعين من المبنى ليكون جزءا من مقر إقامة بعثتها الدائمة في الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي الدولة المنظمة للمؤتمر، بدا مستغربا ألا يتحدث أي من الحضور حول الموضوع، وأن يتلخص المؤتمر بكلمة ترامب وغوتيريس ومداخلات السفيرة الأميركية بالمنظمة، نيكي هيلي، والتي بدت وكأنها تعطي ممثلي الدول أوامر دون أن يسمع حتى مداخلاتهم المتعلقة بتلك الإصلاحات المنشودة، كما تجري العادة في تلك المؤتمرات.
وردا على سؤال لـ"العربي الجديد" حول الموضوع قال الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك إن "مكتب الأمين العام لم يحضّر للمؤتمر، بل عقد من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى، وهي من تحدد الأولويات والمتحدثين. وأريد أن أضيف أن الأمين العام شعر بالرضا حول اللقاء والاشتراك به. ولكن لماذا لم تتحدث دول أخرى؟ هذا سؤال يجب أن يطرح على الطرف الأميركي الذي نظم اللقاء". وأضاف حول ما جاء في خطاب ترامب "فيما يخص الإصلاحات نعتقد أنه من الضروري أن تدعمها الدول الأعضاء، لأن ذلك يشجع على عمل أكثر فعالية لمؤسسات الأمم المتحدة ويساعدنا على تحقيق أهدافنا بشكل أفضل".
وتحدث ترامب عن الأمم المتحدة واصفا إياها بالمشروع الناجح الذي يحتاج إصلاحات وشكر سفيرة بلاده، نيكي هيلي، على دفاعها عن مصالح الولايات المتحدة في المنظمة الدولية.
وأضاف "من الضروري أن نضمن تحمل جميع الدول الأعضاء العبء المالي والعسكري وألا يقع أغلبه على عاتق دولة واحدة"، مشيرا بذلك إلى أن بلاده هي أكبر مساهم مالي للأمم المتحدة حيث تدفع سنويا قرابة 28 في المائة من الميزانية العادية، أي حوالي سبعة مليارات دولار، ناهيك عن المساهمات غير الدورية.
وتنوي الولايات المتحدة خفض مساهمتها لتصل إلى قرابة 25 في المائة. وطالب ترامب الأمين العام باتخاذ الخطوات اللازمة لقطع البيروقراطية وإصلاح مؤسسات المنظمة. وترغب الولايات المتحدة تخفيض ميزانية قوات حفظ السلام لوحدها بحوالي نصف مليار دولار.
ويخشى العديد من المسؤولين داخل الأمم المتحدة أن تؤدي الضغوطات الأميركية لخفض النفقات إلى شل عمل المنظمة، بدلا من إصلاح المنظومة وتحسين إداء مؤسساتها. وتعاملت العديد من الدول الأعضاء ببرود مع المبادرة من بينها روسيا. ومن المثير للانتباه أن المبادرة تبقى خطوط عريضة دون الحديث عن التفاصيل.
ومن جهته قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن "العالم استفاد كثيرا من العولمة لكنها جلبت معها كذلك وضعا غير متكافئ ولا يمكن استمراره حيث يعاني الكثيرون من الفقر المدقع وعدم المساواة". وتحدث كذلك عن الخوف والغضب الذي يشعر به الكثيرون وأشار إلى أن خطة التنمية المستدامة وأهدافها لعام 2030 تعمل على بناء عولمة شاملة وأكثر عدلا.
وخفضت الولايات المتحدة هذا العام عدد المسؤولين الذين يحضرون لاجتماعات الجمعية العامة مقارنة بسنوات سابقة، حيث كان وفد الولايات المتحدة للقاءات الجمعية العامة يضم عادة ما يقارب 1000 موظف ومسؤول، إلا أنه تم خفض العدد ببعض المئات بحسب مصادر رسمية أميركية. ومن غير الواضح كيف تريد الإدارة الأميركية التعويض عن ذلك وفرض أجنداتها المختلفة في نفس الوقت.
ولاحقا، دعت السفيرة الأميركية لدى المنظمة الدولية نيكي هايلي الدول الـ67 التي لم توقع الإعلان إلى القيام بذلك، في حين وعد غوتيريس بأن المنظمة ستبذل جهدا "أكبر من أجل الشعوب وجهدا أقل بالنسبة إلى الآليات".
وفيما يتجاوز العدد المعلن للمشاركين، فإن المبادرة الأميركية لدفع الأمم المتحدة إلى إصلاح نفسها حظيت بتقدير متفاوت بحسب دبلوماسيين، وشمل ذلك الأمين العام الذي بدأ قبل أشهر عدة عملية إصلاحات واسعة.
وفي هذا السياق، ترددت فرنسا حتى اللحظة الأخيرة قبل أن تقرر توقيع الإعلان. وأورد العديد من شركائها أنها لم تكن راضية عن الطريقة التي أعلنت بموجبها المبادرة الأميركية.
في أغسطس/ آب، أقنعت الولايات المتحدة نحو خمس عشرة عاصمة، بينها برلين ولندن، بمشروع أول يشدد على مسؤولية الأمين العام في الإصلاحات. لكن باريس وروما لم تنضما إلى مؤيدي المشروع.
ونصت الصيغة النهائية للإعلان، الذي تم إقراره الإثنين، على جعل المنظمة الدولية "أكثر فاعلية" في ظل صعوبات إدارية مكلفة تواجهها.
رفض المقاربة الأميركية
خلال حملته الانتخابية، وصف ترامب المنظمة الدولية التي يسعى إلى خفض تمويلها، بـ"نادٍ" يسمح للناس "بأن يلتقوا ويتحدثوا ويمضوا أوقاتاً ممتعة".
وواشنطن أكبر مساهم مالي في الأمم المتحدة وتؤمن 28.5 في المائة من 7.3 مليارات دولار هي موازنة عمليات حفظ السلام، و22 في المائة من 5.4 مليارات تشكل موازنة عملانية.
ومن الواضح أن هذه المقاربة المالية البحتة تصطدم برفض عدد من أعضاء الأمم المتحدة، وتأتي في غمرة إصلاحات بنيوية يقوم بها غوتيريس، والذي حذر أخيرا من خطر "تقويض فاعلية" بعثات حفظ السلام رغم استعداده لخفض النفقات.
ويرى بعض الدبلوماسيين أن خفض موازنة المفوضية العليا للاجئين إلى النصف سيجعلها غير قادرة على العمل، وخصوصا أنها تعول على المساهمة الأميركية بنسبة أربعين في المائة.
واللافت أن الإعلان الأميركي تجنب الخوض في الأرقام، واكتفى بتعداد المبادئ الكبرى. وعلق دبلوماسي لم يشأ كشف هويته وقعت بلاده على الإعلان قائلاً:"إنه حدث كبير، لأن دونالد ترامب سبق أن انتقد الأمم المتحدة، وإذا به يأتي عشية الجمعية العامة ليكون ضيفا على حدث محوره الإصلاح وهدفه دعم أنطونيو غوتيريس".
واعتبر أن "لكل أجندته وأفكاره، سواء الأميركيون أو الأمين العام أو نحن، لكننا نتبنى مبادئ أساسية مشتركة"، مشيدا بالعدد الكبير من الموقعين.
وقالت هيلي، الإثنين: "نصبح أقوى حين نتكلم بصوت واحد". وفي يونيو/حزيران، تمكنت السفيرة الأميركية من انتزاع خفض بواقع 600 مليون دولار لعمليات حفظ السلام. لكن ما سهل هذا الأمر انتهاء بعض المهمات أو تغييرات في ساحل العاج وهايتي.
وضمن إجراءات التوفير، يأمل غوتيريس أن يخفض خلال 2017 و2018 النفقات المتصلة بالأسطول الجوي للأمم المتحدة بنسبة 15 في المائة. وتبدأ الثلاثاء الخطابات الرسمية في إطار الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة، وأبرزها للرئيسين الأميركي والفرنسي وقادة المغرب وتركيا وإسرائيل. وستكون الأزمات العالمية، وخصوصا أزمة كوريا الشمالية، إضافة إلى ملف المناخ، في صلب النقاشات.