توّج أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، جولته الدبلوماسية بخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لقي صدى طيباً، وجرى استقباله من قبل ممثلي المجتمع الدولي بتفهّم شديد، إذ ركّز فيه على الوضع الذي تعيشه بلاده منذ فرض الحصار عليها في الخامس من يونيو/ حزيران الماضي من قبل التحالف الرباعي، والذي يتشكّل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وأعاد الأمير من جديد وضع النقاط على الحروف في ما يخصّ الأزمة التي بدأت في 24 مايو/ أيار، باختراق وكالة الأنباء القطرية، قاطعاً، بما لا يدع أي مجال للشك، برفض الدوحة الخضوع للإملاءات، والتمسك بالحوار غير المشروط الذي يحترم السيادة. وجدّد تمسك الدوحة بوساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، والتي قفزت عنها دول الحصار، وباتت تنتقل من محطة تصعيد إلى أخرى، في محاولات للتدخل في الشؤون الداخلية لقطر.
فنّدت كلمة الأمير، وهي الثانية له في مسار الأزمة، افتراءات دول الحصار، وقدّم مطالعة عن "عملية الغدر" التي تعرض لها الشعب القطري، وتناول الادعاءات المتعلقة باتهام قطر بتمويل الإرهاب، في حين أن دول الحصار تعمل على "زعزعة الاستقرار في دولة ذات سيادة، أليس هذا أحد تعريفات الإرهاب؟"، مؤكّداً أن "قطر كافحت الإرهاب ويشهد بذلك المجتمع الدولي بأسره، وما زالت تحاربه وستظل"، مشدداً على أن "وقف إنتاج الإرهاب والتطرّف يتحقق بمعالجة جذوره الاجتماعية والسياسية".
مدى نجاح جولة أمير قطر، والتي شملت تركيا وألمانيا وفرنسا، يمكن قياسه من الأثر الذي أحدثته لدى أطراف معسكر الحصار، والتي شنّت حملة إعلامية ودبلوماسية بهدف إفشال الجولة. وقبل بدء الجولة قامت جوقة من لوبيات أبوظبي بتسريب أخبار كاذبة هدفها التشويش على الجولة، وإظهار الأمير بمظهر من أثّر الحصار على سياساته. وقامت باستئجار صفحات للدعاية في كبريات الصحف الأجنبية، وسيّرت مظاهرات مدفوعة لمتظاهرين تم استئجارهم ونقلهم من بلد آخر، للتشويش على جولة الشيخ تميم، والذي جرى استقباله في العواصم التي زارها على نحو لائق.
بدأ الأمير زيارته من أنقرة، يوم الخميس الماضي، وكان ذلك يحمل رمزية إلى متانة العلاقات بين الدوحة وأنقرة التي وقفت إلى جانب الشعب القطري منذ اليوم الأول للحصار، وأحدث موقفها فارقاً نوعياً في المعادلة، غيّر من حسابات دول الحصار، بما في ذلك لجم الخيار العسكري الذي كانت قد وضعته على الطاولة، حسب ما كشف أمير الكويت.
والمحطة الثانية في الجولة، كانت برلين التي كان لها موقف واضح ضد الحصار منذ البداية، على الرغم من أن وزير خارجية السعودية عادل الجبير هرع إليها في بداية الأزمة، طمعاً في موقف يؤيّد الحصار، لكنها صدته، والأمر ذاته ينسحب على باريس التي كانت المحطة الثالثة، فهي بدورها لم تكن داعمة للحصار، وهذا ما عكسه البيان الذي صدر عن قصر الإليزيه، وأكد على نقاط عدة، أهمها رفض حصار قطر والمطالبة برفعه.
جولة أمير قطر أسقطت مزاعم دول الحصار بأن قطر معزولة دبلوماسياً، وهذا ما عبّر عنه الغيظ الذي يطفو على سطح تصرفات وخطاب دول الحصار، والتي توشك أن تفقد صبرها لعدم قدرتها على تركيع قطر، هذا البلد الصغير، والذي صمد وهو يرفض الإملاءات والتراجع عن مواقفه في ما يتعلق بالدفاع عن حرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام على وجه الخصوص.
كان خطاب أمير قطر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة معبّراً عن الحالة في صدقه وصرامته ووضوح منطقه، وجاء ترتيبه في اليوم الأول لأعمال الجمعية العامة ليضعه في مصاف الكلمات المهمة التي أُلقيت اليوم من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء أميركا وفرنسا وتركيا.
إن حضور أمير قطر، وغياب صقور الرياض وأبوظبي، يعبّر عن ثقة كبيرة للدوحة بنفسها، وإيمانها بالعمل في الضوء والاحتكام إلى المنابر الدولية، ورفض سياسة الغرف السوداء التي نشطت في الأيام الأخيرة بإنتاج فبركات وأفلام محروقة، لمعارضين تم تصنيعهم في دوائر أمن الدولة في أبوظبي.