في عام 2018، لا يوجد فيلم مصري كان مُنتظرًا أكثر من "تراب الماس" لمروان حامد (1977). فهو الفيلم الخامس لمخرجه، الذي أثبت جودة وحِرفية عاليتين في أفلامه الأربعة السابقة، مع تفاوت مستوياتها. في الوقت نفسه، فإن "تراب الماس"، مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2010) لأحمد مراد (1978)، في ثالث تعاون له مع حامد، علمًا أنها الرواية الثانية له، بعد "الفيل الأزرق" (2012) التي تُقتَبس للسينما (2014)، فيُحقِّق الاقتباس نجاحًا كبيرًا. إنه فيلم غموض بأجواء تشويقية، علمًا أن أحد أسباب انتظاره كامنٌ في الممثلين، وعددهم كبير في أدوار البطولة. فهل الفيلم كان على قدر التوقّعات والانتظار؟
الإجابة المباشرة البسيطة هي نعم، وإن يظلّ في التجربة خلل كثير وإخفاق كبير في التفاصيل الصغيرة. يبدأ الفيلم، كما الرواية، بنقطة هجوم درامية قوية: في إحدى الليالي، يعود طه حسين الزهار (آسر ياسين) إلى منزله، فيجد والده حسين الزهار غارقًا في دمه على أرض الغرفة، قبل أن يفاجئه أحدهم بضربة على الرأس تُفقده وعيه. عندما يستيقظ، يبدأ البحث عن أي أثر يقوده إلى قاتل أبيه، ليفتح على نفسه بابًا واسعًا من حكايات الماضي المرتبطة بالعسكر و"ثورة يوليو" (1952) ورحيل اليهود عن مصر، بالإضافة إلى "عقار سرّي" قاتل يُسمّى "تراب الماس"، مع جحيم في الحاضر يورّطه مع فاسدين في الشرطة والدولة وعاملين في مجالي الأعمال والإعلام.
أبرز ما يميّز الفيلم قدرة مروان حامد على صنع 150 دقيقة سينمائية بإيقاعٍ مشدود من دون أن يشعر المُشاهد بالملل، وهذا أمر نادر للغاية في السينما المصرية الحالية، التي يغلب عليها مونتاج سريع ولقطات لاهثة وهوس بـ"الأكشن"، من دون عناية بالشخصيات أو الأمكنة، ومن دون إدراكٍ لأهمية اللقطة واللحظات البطيئة المتوتّرة. حامد يُدرك هذا كلّه، لكن، رغم عيوبه، فإن السيناريو (أحمد مراد أيضًا) يشاركه الوعي نفسه. لذلك، فإنّ القصة تتحرّك إلى الأمام طوال الوقت.
سؤال "من قتل الأب"؟ الذي يُجاب عنه، يتبعه سؤالان آخران: لماذا قتله؟ وماذا سيفعل طه؟ لذلك، فإنّ الصورة الكبرى من "تراب الماس" جيّدة فعلاً: فيلم سينمائي ممتع لن يصيب أحدًا بالملل. حتى لو أنّ مروان حامد وفريق عمله، كمدير التصوير أحمد المرسي، أقلّ تألّقًا من أفلامهما السابقة على المستوى البصري، فإن هذا العنصر يتضاءل أمام إيقاع الفيلم وحركة الأحداث.
ما يعيب الفيلم فعلاً "سهولة الإجابات والحلول الدرامية" التي يقدّمها على كلّ سؤال. فالسيناريو لا يتحدّى المُشاهد في أي مرحلة من أحداثه، ولا يُكثِّف الغموض في لحظات معينة (كما حدث في "الفيل الأزرق" مثلاً) ويرفع الوتيرة إلى الدرجة القصوى، ولا يورِّط المُشاهد في الحيرة الحقيقية عما يمكن أن يفعله البطل. على العكس تمامًا، فالأمور تتحرّك بسلاسة، وبمسار واحد يريده صنّاعه.
مثلٌ أول: طريقة عثور طه على مذكّرات والده تكشف كل شيء عن الحبكة وسبب "موته" في الربع الأول من الفيلم، عوضًا عن اختيار المذكرات كوسيلة كشف. يتكرّر هذا مجدّدًا قبيل النهاية، وبشكل ركيك للغاية، فيعرف معلومة مهمّة عن الضابط.
مثلٌ ثان: الانقلاب المُفتعل جدًا في علاقة الإعلامي شريف مراد (إياد نصار) بحبيبته سارة (منة شلبي) لتوريطها لاحقًا، مع طرح الفيلم سؤال العدالة الفردية والقتل كوسيلة لنيل الحقوق.
مثلٌ ثالث: خطة طه للانتقام من الضابط، واستدراجه إلى مكان عام، وتبديل أكياس السكّر بـ"تراب الماس". هذه خطة أحادية تعتمد كلّيًا على أن الضابط سيأتي "إلى هنا"، وسيطلب كوبًا من الشاي وليس أي مشروب آخر، وسيستخدم أكياس السكر. هذه خطة واضحة وسهلة، يمكن القول إنها متأثّرة بخدعة مماثلة في مسلسل "بريكنغ باد" (2008 - 2013)، لمبتكره فنس غيلّيغان.
طه يكشف أوراقه كلّها ويسرد كل ما يعرفه للضابط، العقيد وليد سلطان (ماجد الكدواني) ـ وهو غير مضطر أصلاً لذلك ـ اعتماداً على أن "يطلب الشاي": ماذا لو طلب مشروبًا آخر، أو لم يطلب شيئًا؟ هذا جوهر التفاصيل التي أخفق الفيلم فيها، باعتماده ـ أحيانًا ـ على حلول وخطط ساذجة للغاية لاستمرار الحكاية كما يريدها صناع الفيلم.
لحظات الحوار العاثرة
كذلك يتأثّر "تراب الماس" سلبًا بالرغبة الملحة عند مخرجه وكاتبه، الغالبة على فيلمهما السابق "الأصليين" (2017)، في تقديم رؤية فكرية وفلسفية، وعدم الإخلاص بنسبة كاملة للحكاية البوليسية التي يرويانها، فتعثرت لحظات عديدة بحوارٍ ركيك ومُباشر جدًا يمكن حذفه بسهولة؛ وهو حوار متعلّق بالمسار الديمقراطي لمصر بعد يوليو/ تموز 1952، وعلاقة ذلك بالوضع الحالي. بل إن هذا أوجد خطًا دراميًا مُتساهلاً وغير موجود في الرواية عن الإعلامي الذي يصوّر سيدات في أشرطة جنسية.
اقــرأ أيضاً
أمورٌ كهذه أثرت في النتيجة النهائية للفيلم، رغم أنه ممتع. فما أنقذه كامنٌ في تَمكّن غالبية ممثليه من تأدية أدوارهم، تحديدًا ماجد الكدواني في أدائه الأخّاذ جدّا، الذي مزج فيه ـ بوعي واضح ـ "رعب" شخصيته بدرجة بسيطة من الكوميديا، وسرعة بديهته في تصرّفاته. إلى جانبه، هناك الأداء الجسدي لمحمد ممدوح، والتعبير المؤثّر لمنة شلبي، وقدرة أحمد كمال على جعلنا نصدّق أن رجلاً على كرسيّ متحرك استطاع أن يفعل هذا كلّه.
الإجابة المباشرة البسيطة هي نعم، وإن يظلّ في التجربة خلل كثير وإخفاق كبير في التفاصيل الصغيرة. يبدأ الفيلم، كما الرواية، بنقطة هجوم درامية قوية: في إحدى الليالي، يعود طه حسين الزهار (آسر ياسين) إلى منزله، فيجد والده حسين الزهار غارقًا في دمه على أرض الغرفة، قبل أن يفاجئه أحدهم بضربة على الرأس تُفقده وعيه. عندما يستيقظ، يبدأ البحث عن أي أثر يقوده إلى قاتل أبيه، ليفتح على نفسه بابًا واسعًا من حكايات الماضي المرتبطة بالعسكر و"ثورة يوليو" (1952) ورحيل اليهود عن مصر، بالإضافة إلى "عقار سرّي" قاتل يُسمّى "تراب الماس"، مع جحيم في الحاضر يورّطه مع فاسدين في الشرطة والدولة وعاملين في مجالي الأعمال والإعلام.
أبرز ما يميّز الفيلم قدرة مروان حامد على صنع 150 دقيقة سينمائية بإيقاعٍ مشدود من دون أن يشعر المُشاهد بالملل، وهذا أمر نادر للغاية في السينما المصرية الحالية، التي يغلب عليها مونتاج سريع ولقطات لاهثة وهوس بـ"الأكشن"، من دون عناية بالشخصيات أو الأمكنة، ومن دون إدراكٍ لأهمية اللقطة واللحظات البطيئة المتوتّرة. حامد يُدرك هذا كلّه، لكن، رغم عيوبه، فإن السيناريو (أحمد مراد أيضًا) يشاركه الوعي نفسه. لذلك، فإنّ القصة تتحرّك إلى الأمام طوال الوقت.
سؤال "من قتل الأب"؟ الذي يُجاب عنه، يتبعه سؤالان آخران: لماذا قتله؟ وماذا سيفعل طه؟ لذلك، فإنّ الصورة الكبرى من "تراب الماس" جيّدة فعلاً: فيلم سينمائي ممتع لن يصيب أحدًا بالملل. حتى لو أنّ مروان حامد وفريق عمله، كمدير التصوير أحمد المرسي، أقلّ تألّقًا من أفلامهما السابقة على المستوى البصري، فإن هذا العنصر يتضاءل أمام إيقاع الفيلم وحركة الأحداث.
ما يعيب الفيلم فعلاً "سهولة الإجابات والحلول الدرامية" التي يقدّمها على كلّ سؤال. فالسيناريو لا يتحدّى المُشاهد في أي مرحلة من أحداثه، ولا يُكثِّف الغموض في لحظات معينة (كما حدث في "الفيل الأزرق" مثلاً) ويرفع الوتيرة إلى الدرجة القصوى، ولا يورِّط المُشاهد في الحيرة الحقيقية عما يمكن أن يفعله البطل. على العكس تمامًا، فالأمور تتحرّك بسلاسة، وبمسار واحد يريده صنّاعه.
مثلٌ أول: طريقة عثور طه على مذكّرات والده تكشف كل شيء عن الحبكة وسبب "موته" في الربع الأول من الفيلم، عوضًا عن اختيار المذكرات كوسيلة كشف. يتكرّر هذا مجدّدًا قبيل النهاية، وبشكل ركيك للغاية، فيعرف معلومة مهمّة عن الضابط.
مثلٌ ثان: الانقلاب المُفتعل جدًا في علاقة الإعلامي شريف مراد (إياد نصار) بحبيبته سارة (منة شلبي) لتوريطها لاحقًا، مع طرح الفيلم سؤال العدالة الفردية والقتل كوسيلة لنيل الحقوق.
مثلٌ ثالث: خطة طه للانتقام من الضابط، واستدراجه إلى مكان عام، وتبديل أكياس السكّر بـ"تراب الماس". هذه خطة أحادية تعتمد كلّيًا على أن الضابط سيأتي "إلى هنا"، وسيطلب كوبًا من الشاي وليس أي مشروب آخر، وسيستخدم أكياس السكر. هذه خطة واضحة وسهلة، يمكن القول إنها متأثّرة بخدعة مماثلة في مسلسل "بريكنغ باد" (2008 - 2013)، لمبتكره فنس غيلّيغان.
طه يكشف أوراقه كلّها ويسرد كل ما يعرفه للضابط، العقيد وليد سلطان (ماجد الكدواني) ـ وهو غير مضطر أصلاً لذلك ـ اعتماداً على أن "يطلب الشاي": ماذا لو طلب مشروبًا آخر، أو لم يطلب شيئًا؟ هذا جوهر التفاصيل التي أخفق الفيلم فيها، باعتماده ـ أحيانًا ـ على حلول وخطط ساذجة للغاية لاستمرار الحكاية كما يريدها صناع الفيلم.
لحظات الحوار العاثرة
كذلك يتأثّر "تراب الماس" سلبًا بالرغبة الملحة عند مخرجه وكاتبه، الغالبة على فيلمهما السابق "الأصليين" (2017)، في تقديم رؤية فكرية وفلسفية، وعدم الإخلاص بنسبة كاملة للحكاية البوليسية التي يرويانها، فتعثرت لحظات عديدة بحوارٍ ركيك ومُباشر جدًا يمكن حذفه بسهولة؛ وهو حوار متعلّق بالمسار الديمقراطي لمصر بعد يوليو/ تموز 1952، وعلاقة ذلك بالوضع الحالي. بل إن هذا أوجد خطًا دراميًا مُتساهلاً وغير موجود في الرواية عن الإعلامي الذي يصوّر سيدات في أشرطة جنسية.