تستمرّ عمليات المسح في محيط مرفأ بيروت حيث وقع الانفجار أمس الثلاثاء، للعثور على المفقودين وانتشال الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض، في ظلّ إجراءات أمنية مشددة وإقفال لغالبية مداخل العاصمة اللبنانية.
وقام رئيس الجمهورية ميشال عون بتفقد مكان الانفجار في بيروت، وأشرف الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير على أعمال رفع الأنقاض وتفقد الأضرار. وأعلن وزير الصحة اللبناني أن عدد الضحايا تجاوز الثمانين، وأن الجرحى أكثر من أربعة آلاف.
وقال محافظ بيروت مروان عبود لـ"العربي الجديد" إن نصف بيروت باتت غير صالحة للسكن، معلناً في الوقت نفسه العثور على عددٍ من عناصر فوج الإطفاء كانوا قد فُقدوا جراء الانفجار أمس، وللأسف هناك قتلى بينهم.
وبالتوازي مع التحقيقات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والقضائية وعمليات إسعاف المواطنين ونقل الجرحى إلى المستشفيات التي امتلأت بمعظمها، تفقد المواطنون منازلهم التي أصيبت جراء الانفجار، بعدما باتوا ليلتهم عند الأقارب والأصدقاء. وتقول إحدى السيدات التي تقطن إلى جانب مؤسسة كهرباء لبنان التي تضرّرت بالكامل، وهي جالسة مع ابنتها على الأرض تشاهد الدمار بعينيها وتبكي ألماً على ذكريات أغلى من الحجر، إنّها كانت موجودة في المنزل أثناء الانفجار، وإن "العناية الإلهية" أنقذتها مع ابنتها التي تبلغ من العمر 16 سنة، فخرجت سريعاً من المكان إلى منزل شقيقتها التي تسكن خارج بيروت. وتضيف: "ما من شيء يمكن قوله، مشهد المأساة لا يمكن تفسيره، الصدمة والخيبة والتعب هي المشاعر التي تنتابنا في هذه اللحظات".
انطلقت مبادرات فردية لشبان وشابات، لمساعدة العائلات الذين تضرّرت منازلها، كما انتشر عدد منهم في الشوارع للوقوف إلى جانب العمّال والمواطنين في رفع الركام والأضرار المادية
وفي جولة لـ"العربي الجديد" في بيروت، كان رصد للأضرار الهائلة التي نجمت عن الانفجار والخسائر البشرية التي يعجز الإنسان عن الكتابة عنها. ويقول مسؤول في محطة للمحروقات لموقعنا، إنّ حوالي سبعة عمّال كانوا موجودين في المكان لحظة حصول الانفجار نقلوا إلى المستشفيات وحالتهم حرجة، وقد تدمّرت المحطة بالكامل ولم يبقَ منها أي حجر.
السير في شارع الجميزة الضيق لم يعد كما كان، هناك صرخت رانيا، "محمد مات؟"، تسأل أحد زملائها في العمل وتبكي بحرقة، "كيف يمكن هذا؟ كنا في الصباح سوية ونضحك ونطلق النكات عن إقفال البلد بسبب فيروس كورونا، وها نحن اليوم نموت بسبب جرائم سياسيين، ماذا يمكن القول بعد؟، مات الأوادم وبقيَ الحكّام الفاسدون".
في المقلب الآخر، شاب وشقيقته من عائلة خوري يمسكان أيدي بعضهما ويسيران لوحدهما على الطريق ويجرّان الحقائب، لم يتمكّنا من الحديث كثيراً، واكتفى الشاب بالقول لـ"العربي الجديد"، كنا نقطن في الجميزة، على مقربة من مكان عملنا في العاصمة، لاختصار المسافات وتعب التنقل على الطرقات وسط حركة المرور الكثيفة، ونعيش لوحدنا لأن أهلنا في البقاع، والآن خسرنا مكان العمل وخسرنا المنزل وخسرنا الأمل وفقدنا الرغبة بالعيش في هذا الوطن".
وأمام الشركة التي يعمل فيها بشارع مار مخايل، يقول منير سليمان الذي أصيب بجروح في الرأس، إن الشركة كانت مقفلة خلال وقوع الانفجار التزاماً بالدوام الصيفي، "وكنت أهمّ بالخروج وفجأة سمعت صوتاً قوياً ولم أرَ إلا دماء على وجهي، لا أذكر الكثير، ولكن أحمد الله على سلامتي وسلامة العامل في المبنى الذي أصيب بدوره".
وهناك في مرأب السيارات، مشهد مروّع لنثار الزجاج المتطاير، وأشخاص لا يصدّقون ما يرونه، يقول روني نجار وهو يتفقّد سيارته، "أصبحت في سنّ الخمسين ولم أرَ يوماً جميلاً في هذا البلد، ولكن ما حدث أمس لم يحدث في تاريخ لبنان الذي مرّ بظروف كارثية وحروب وتفجيرات واغتيالات. الجريمة فظيعة والخسائر البشرية مرعبة".
في المقابل، انطلقت مبادرات فردية لشبان وشابات، لمساعدة العائلات التي تضرّرت منازلها، كما انتشر عدد منهم في الشوارع للوقوف إلى جانب العمّال والمواطنين في رفع الركام والأضرار المادية.
وانطلقت مبادرة من ساحة الشهداء في بيروت مقسمة إلى ثلاث فرق، تنظيفات ومواد غذائية وأدوات طبية. وأصرّ المتطوعون على عدم ذكر أسمائهم، مؤكدين لـ"العربي الجديد" أن لا اسم لمبادرتهم، وهي فردية غير مدعومة من أي مجموعة مدنية، وهي اتسعت من خلال مشاركات الناس الذين انضموا إليهم فور رؤيتهم.
بدوره، أعلن صاحب مجموعة "أبو مرعي لاينز" مرعي أبو مرعي، في بيان، غرق الباخرة السياحية "أورينت كوين" بالكامل في مرفأ بيروت وسقوط قتيلين وسبعة جرحى من طاقمها.