بناء الشخصيّة السوريّة

11 يونيو 2015
سورية الآن مدمرة بشكل كبير (فرانس برس)
+ الخط -
سورية اليوم تحاول الوصول إلى شخصيتها المستقلة بعد أن كانت منطقة موبوءة بالحضارات والثقافات المتعددة التي صبغت البلاد بألوان مختلفة لفترات زمنيّة معينة منذ العهود القديمة وصولاً إلى عهد الأسد ومروراً بالحقبات الإسلاميّة المختلفة ودولها المتعددة ومروراً كذلك بسنوات الاحتلال وعصر ما بعد الاستقلال.

الشخصيّة السوريّة الصرفة هي شيء غير موجود في الواقع، وسورية اليوم تحتاج إلى أجيال طويلة تناضل فيها وتحارب الحضارات والدول التي مرّت عليّها دون كلل أو ملل حتى الوصول إلى إمكانيّة بناء دولة سوريّة حقة تتماشى مع التاريخ وتكون سيدة نفسها لا تابعة كما هي على مرّ العصور.

ربما بإمكاننا القول صراحة ودون مواربة بأنّه لا بدّ لنا من تدمير تاريخنا وحاضرنا بشكل كامل وعلى جميع الأصعدة الثقافيّة والفكريّة والإيديولوجيّة، ووو الخ، حتى نستطيع أن نبني مستقبلنا "الزاهي". هذا الكلام ينطبق على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام وعلى سورية بشكل خاص.


أي بكلمات أخرى، أظن بأنّه يتوجب علينا أن نثور على هويّتنا الموجودة حالياً والتي هي تجميع لعدد من الهويّات المتعاقبة على "أرضنا" كي نستطيع بناء دولتنا "المستقلة" مستقبلاً.

لننظر إلى فرنسا، الهويّة الفرنسيّة بنيت بعد الثورة الفرنسيّة وقامت على مبادئ وضعها مفكرون أمثال جان جاك روسو وغيره، قد يبدو المثال الفرنسي مستهلكاً جداً إذن فلننظر إلى المثال الألماني. الهوية الألمانيّة تشكلت بعد الاتحاد بين طرفي ألمانيا الغربيّة والشرقيّة بعد هدم جدار برلين الشهير وذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي. ألمانيا اليوم لا تشبه ألمانيا ما قبل الوحدة أو ألمانيا الحرب. الآثار القليلة الموجودة في ألمانيا إنّما هي جزء من البناء العمراني للبلاد ولا تأثير حقيقياً لها في تفاصيل الحياة اليوميّة للمواطن الألماني، لا ذكر لتاريخ أو لقياصرة أو تغني بالماضي السحيق، إلا اللهم ببعض العلماء والفلاسفة والكتّاب الذين أثروا في الإنسانيّة جمعاً أمثال فرويد ونيتشه وغوته وآينشتاين وكارل ماركس وفردريش شيلر، وكذا الأمر بالنسبة للهويّة اليابانيّة التي تشكلت بعد انقضاء الحرب العالميّة الثانية.

سورية الآن مدمرة بشكل كبير والآثار السوريّة مهددة بشكل مستمر أي أنّ الارتباط بالماضي في انقطاع متواصل، إذن لمَ لا نحاول بناء وعي مجتمعي جديد قائم على الصبغة السوريّة الصرفة؟.

ما نريد قوله هنا أنّه لا بدّ للقوميات والطوائف الكثيرة التي تعيش على هذه البقعة الجغرافيّة المسماة "الجمهوريّة السوريّة" أن تبحث لها عن قيم جديدة تجمعها وتبني مجتمعها الجديد حول عقد اجتماعي جديد غير قائم على حركة الماضي أيّ غير قائم على مبدأ الطوائف والقوميات بل يجب أن يتمحور حول موضوع المواطنة والتساوي أمام القانون وضمان الحقوق الإنسانيّة لجميع أفراد هذا المجتمع بالتساوي دون تمييز.

قد أقول، كرأيٍّ شخصي، إنّ العقد الاجتماعي السوري يجب أن ينسى الجماعات المختلفة وأن يتكون حول الفرد بصفته إنساناً حراً قادراً على اتخاذ القرارات المختلفة دون أن يعتمد على مجموعته الطائفيّة أو العشائريّة أو القوميّة أو الحزبيّة وإلى ما هنالك، كما نرى أنّه من المحتم مراعاة مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أُصدر في لحظة تاريخيّة كأهم الوثائق الإنسانيّة في تاريخ البشر الحديث.

قد يكون الحديث في هذا الأمر ضرباً من الترف وسط جنون الحرب والموت المحيط بنا من كلّ اتجاه، لكننا نعتقد بأنّ هذا الحديث هو ذو أهمية فائقة وضرورة ملحة ليساهم هذا النقاش في مستقبل سورية بتجنيبها المزيد من الدماء التي تسيل كلّ يوم ويساعد في إيجاد صيغة عيش مشترك حقيقي بين المواطنين السوريين.

(سورية)
دلالات
المساهمون