وبينما كان الغضب عارماً في أوساط أبناء رعية هذه الكنائس من جراء هذا الإجراء الإسرائيلي المتزامن مع بدء مواسم دينية لتلك الطوائف، كانت ساحة كنيسة القيامة، اليوم، تعجّ بمئات السيّاح الأجانب الذين صدموا من إغلاق الكنيسة، بعد أن استمعوا لبيان تلاه بطريرك الروم الأرثوذكس، ثيوفيلوس الثالث، معلناً القرار باسم الكنائس الثلاث، وهو ما نفّذه على الفور الأمين العام لمفتاح كنيسة القيامة، أديب جودة الحسيني، المنحدر من عائلة مقدسية مسلمة تحمل، منذ قرون، مسؤولية إغلاق الكنيسة وفتح أبوابها.
وبينما كان الحسيني يتحدث لوسائل إعلام محلية وأجنبية شارحاً دوافع هذا القرار، افترش العشرات منهم الأرض، مؤمّلين النفس بإعادة فتح أبواب، بعد أن قطعوا مسافات طويلة من بلدانهم في أوروبا والولايات المتحدة، وحتى من دول آسيوية، لزيارة المكان الأقدس للمسيحيين، بعد كنيسة المهد في بيت لحم.
وفي تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، أكد الأمين العام لمفتاح كنيسة القيامة أن قرار الإغلاق سارٍ إلى أجل غير مسمّى، وإلى أن تعود سلطات الاحتلال عن قرارها باستهداف الكنائس على نحو ما تهدّد به. وقال "نأمل من دولة الاحتلال التراجع عن قرارها حتى تعود الأوضاع في الكنيسة إلى ما كانت عليه قبل إغلاق أبوابها، والمؤكد هنا أن الكنائس الثلاث التي قررت الاحتجاج لن تعود عن هذا القرار إلا بعد أن تعلن سلطات الاحتلال تراجعها عن موقفها بشأن فرض الضرائب على ممتلكات تلك الكنائس".
وينظر المسيحيون الفلسطينيون في القدس إلى الخطوة الإسرائيلية ضد كنائسهم بأنها استهداف لوجودهم الإنساني والعربي، كما يقول ديمتري دلياني، رئيس "التجمع الوطني المسيحي"، وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، واصفاً خطوة الاحتلال تلك بأنها "غير مسبوقة" و"تمثل اضطهاداً للكنيسة الفلسطينية لا يمكن التسليم به"، مؤكداً ثبات موقف رؤساء الكنائس من فرض الاحتلال للضرائب على كنائسهم، الأمر الذي لا يحدث في أي منطقة بالعالم.
وأضاف "لم يحدث أن اضطرت الكنائس إلى إغلاق أبوابها، ولم يحدث في السابق أن أغلقت كنيسة القيامة إلا في حرب حزيران/ يونيو عام 67. وعليه، فإن هذا الإغلاق الذي تقرر اليوم هو الأول من نوعه في زمن اللاحرب، وإن لم يتراجع الاحتلال عن قراره فنحن متجهون نحو تصعيد خطوات الاحتجاج".
ويبقى ما يجمع عليه المقدسيون، مسلمين ومسيحيين، هو أن ما يجري من تعدٍّ على الكنائس يندرج في إطار استهداف الاحتلال للمقدسات الإسلامية والمسيحية، كما يقول عدد من أصحاب محال السنتواري بجوار كنيسة القيامة، ومنهم التاجر ناصر عويضه، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" عن انتهاكات الاحتلال في الأقصى، وهي يومية، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي كان رؤساء الكنائس يعلنون فيه عن خطواتهم الاحتجاجية؛ كان نحو ثمانين مستوطناً يقتحمون الأقصى. ويضيف "كلنا هنا مستهدفون. الاحتلال لا يفرّق بين المسيحي والمسلم، وما نخشاه أن تكون الخطوة التالية باتجاه الأوقاف الإسلامية غداً، إذ عرضت في السابق توجهات بهذا الخصوص".
ويقول شاب مقدسي، من سكان حارة النصارى، ويدعى وسام شبيطة، لـ"العربي الجديد" "ندعم كنائسنا في قرارها... ويجب أن نرفع صوتنا عاليًا ضد الاحتلال... اليوم الكل مطالب بالوقوف معنا. كنا بالأمس في باب الأسباط وقرب المسجد الأقصى، واليوم يقف معنا إخواننا المسلمون يداً واحدة في هذه المواجهة التي تفرض علينا".
وكان رؤساء الكنائس الثلاث قد هاجموا، في بيان وقّعوه، الخطوات الأخيرة التي تنوي سلطات الاحتلال المختلفة اتخاذها، والتي تستهدف الكنيسة، واعتبروا في بيانهم هذه الخطوات استهدافاً ممنهجاً للأقلية المسيحية في الأراضي المقدسة.
وجاء في البيان "نتابع بقلق شديد الهجمة الممنهجة ضد الكنائس والأقلية المسيحية في الأراضي المقدسة من خلال خرق واضح للستاتيكو" (الوضع القائم).
وأشاروا إلى أن سلطات الاحتلال تقوم بخطوات غير مسبوقة "تخرق اتفاقيات قائمة والتزامات واتفاقيات دولية، التي تبدو كمحاولات لإضعاف الوجود المسيحي في القدس".
ووقع على البيان كل من بطريرك الروم الأرثوذوكس، ثيوفيلوس الثالث، وبطريرك الأرمن، نورهان منوجيان، والمطران فرانشيسكو باتون.
وحذّر البيان من تمرير مشروع من اللجنة الوزارية لفرض الضرائب على الكنائس في القدس، الذي من الممكن أن يتم من خلاله مصادرة أراضي الكنائس في المدينة.