13 نوفمبر 2024
المغرب.. الإصلاح المضاد
يسعى محللون متابعون للشأن المغربي إلى وصف ما يحدث في المغرب، بعد إزاحة عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي تصدّر الانتخابات التشريعية السابقة، بأنه "نكسة" للتجربة الديمقراطية المغربية الناشئة. وهناك من يذهب إلى حد وصف ما حدث بأنه نتيجة "ثورة مضادّة"، تقودها "الدولة العميقة" التي تريد أن تعود بالمغرب إلى ما قبل عام 2011.
لكن، سرعان ما تبدو هذه القراءة تبسيطية وسطحية، عندما نعرف أن أصحابها إنما يُسقطون ما حدث في دول عربية عاشت ثورات الربيع العربي على الواقع المغربي. بما أن أغلب هذه الدول شهدت "ثوراتٍ مضادة" كان هدفها إجهاض ثورات الشعوب العربية التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
يختلف مسار المغرب، الذي طالما وصفه مراقبون بـ "الاستثنائي"، عن مسارات الدول العربية التي شهدت ثورات حقيقية ألّبت ضدها "ثورات مضادّة"، حقيقية هي الأخرى، أدّت، في نهاية المطاف، إلى إجهاض شعارات تلك الثورات، فالمغرب لم يشهد ثورةً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإنما عرف حالة احتجاجٍ جماعي غير مسبوقة في تاريخه، لكن تلك الاحتجاجات التي كانت تطالب بالإصلاح تم احتواؤها بسرعةـ من خلال ما يمكن أن يُطلق عليها حركة "الإصلاح المضاد" التي تحرّكت بسرعة، لاحتواء مطالب الإصلاح الحقيقي التي خرج المتظاهرون يطالبون به.
وكما لا يمكن الحديث في المغرب عن "ثورة"، بما أنها لم تحدث، لا يمكن الحديث أيضا عن
"ثورة مضادة" تحدث الآن، كما يذهب محللون، في محاولة منهم لتفسير التراجعات التي تعرفها التجربة المغربية. ما حدث في المغرب هو ظهور حركة إصلاحية اسمها "حركة 20 فبراير"، طالبت بإصلاحات عميقة، وتمت مجابهتها بما يمكن أن نصفه اليوم، بعد مرور ست سنوات، بحركة "إصلاح مضاد".
و"الإصلاح المضاد" ظهر في أوروبا خلال القرنين الخامس والسادس عشر ميلادي. وهو مفهوم يشير إلى حركة مضادة لإصلاح الكنيسة، قامت أصلا لمناهضة الإصلاح البروتستانتي الذي قاده المصلح مارثن لوثر، ويسمى أيضا "الإصلاح الكاثوليكي"، لأن من قاده هم كاثوليكيون مناهضون للإصلاح الحقيقي الذي دعا إليه مارثن لوثر.
ودخل هذا المصطلح إلى قاموس التاريخ السياسي، للدلالة على الحركات المضادة للإصلاح بإصلاح شكلي، الغاية منه الالتفاف على مطالب الإصلاح الحقيقي، من خلال استباقه بإصلاحات شكلية، أو ملتوية، تفرغه من جوهره وتفقده معناه.
وما حصل في المغرب عام 2011، عندما نزل الناس إلى الشارع، للمطالبة بـ "إسقاط الفساد والاستبداد"، هو ظهور حركة "إصلاح مضاد"، قادتها الدولة العميقة، واصطفت وراءها أحزاب سياسية ونخب ثقافية كثيرة، بعضها عن قناعة وأخرى عن انتهازية، أو فقط بتغليب الحس البراغماتي في السياسة. وفي هذا السياق، برز حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) حاملا مشعل الإصلاح التدريجي من الداخل، ونجح في أن يقنع متظاهرين كثيرين بالعزوف عن النزول إلى الشارع، للمطالبة بالإصلاح، على اعتبار أنه سيقوم بالمهمة نفسها من الداخل، ومن دون تكاليف كبيرة، تجنب البلاد تلك المآسي التي حلت بشعوب ودول عربية شهدت ثورات شعبية وثورات مضادة، أدخلتها في متاهات دامية، ما زال بعضها مستمرا.
وبعد مرور ست سنوات، سيقف حزب العدالة والتنمية على صعوبة الإصلاح من الداخل الذي
أقنع به أتباعه وأنصاره، وعلى الرغم من الدعم الشعبي الذي حصل عليه في انتخابات 2015 المحلية (البلدية) و2016 التشريعية، سيجد نفسه أمام قوة أكبر من الإرادة الشعبية التي كان يسعى إلى التسلح بها لمواجهة خصومه، وانتهى المطاف بزعيمه بنكيران، الذي بنى مشروعه السياسي على الإصلاح التدريجي من الداخل، بإقالةٍ أنهت مشروع الرجل، وكشفت عن انتصار حركة "الإصلاح المضاد".
فما حصل ويحصل في المغرب حركة "إصلاح مضاد" نجحت في الالتفاف على مطالب احتجاجات حركة "20 فبراير"، بطرح وعود كثيرة ظل أغلبها حبرا على ورق. والآن، يحاول أصحابها إعادة عقارب الساعة بهدوء، وتدريجيا إلى ما بعد لحظة 2011. وحزب العدالة والتنمية وزعيمه المقال من رئاسة الحكومة، عبد الإله بنكيران، استعملا أو انخرطا عن قناعةٍ لخدمة غايات هذا "الإصلاح المضاد" الذي كان الهدف منه مناهضة مطالب الإصلاح الحقيقي التي حملتها حركة "20 فبراير" التي تعتبر النسخة المغربية من ثورات "الربيع العربي".
حزب العدالة والتنمية الذي يشتكي اليوم كثيرون من أعضائه ومناصريه مما يعتبرونه "انقلابا ناعما" على زعيم الحزب، ويتأسفون على عرقلة مساره "الإصلاحي" من طرف ما يصفونه بـ "التحكّم"، في إشارة إلى "الدولة العميقة"، كان جزءا من حركة "الإصلاح المضاد" عام 2011، وهو من اختار موقعه آنذاك. وهو اليوم يؤدي ضريبة اصطفافه خلف هذه الحركة التي كان هدفها إفراغ مطالب الإصلاح الحقيقي الذي رفعها المتظاهرون في الشارع من كل معنى ومحتوى.
لكن، سرعان ما تبدو هذه القراءة تبسيطية وسطحية، عندما نعرف أن أصحابها إنما يُسقطون ما حدث في دول عربية عاشت ثورات الربيع العربي على الواقع المغربي. بما أن أغلب هذه الدول شهدت "ثوراتٍ مضادة" كان هدفها إجهاض ثورات الشعوب العربية التي خرجت تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
يختلف مسار المغرب، الذي طالما وصفه مراقبون بـ "الاستثنائي"، عن مسارات الدول العربية التي شهدت ثورات حقيقية ألّبت ضدها "ثورات مضادّة"، حقيقية هي الأخرى، أدّت، في نهاية المطاف، إلى إجهاض شعارات تلك الثورات، فالمغرب لم يشهد ثورةً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإنما عرف حالة احتجاجٍ جماعي غير مسبوقة في تاريخه، لكن تلك الاحتجاجات التي كانت تطالب بالإصلاح تم احتواؤها بسرعةـ من خلال ما يمكن أن يُطلق عليها حركة "الإصلاح المضاد" التي تحرّكت بسرعة، لاحتواء مطالب الإصلاح الحقيقي التي خرج المتظاهرون يطالبون به.
وكما لا يمكن الحديث في المغرب عن "ثورة"، بما أنها لم تحدث، لا يمكن الحديث أيضا عن
و"الإصلاح المضاد" ظهر في أوروبا خلال القرنين الخامس والسادس عشر ميلادي. وهو مفهوم يشير إلى حركة مضادة لإصلاح الكنيسة، قامت أصلا لمناهضة الإصلاح البروتستانتي الذي قاده المصلح مارثن لوثر، ويسمى أيضا "الإصلاح الكاثوليكي"، لأن من قاده هم كاثوليكيون مناهضون للإصلاح الحقيقي الذي دعا إليه مارثن لوثر.
ودخل هذا المصطلح إلى قاموس التاريخ السياسي، للدلالة على الحركات المضادة للإصلاح بإصلاح شكلي، الغاية منه الالتفاف على مطالب الإصلاح الحقيقي، من خلال استباقه بإصلاحات شكلية، أو ملتوية، تفرغه من جوهره وتفقده معناه.
وما حصل في المغرب عام 2011، عندما نزل الناس إلى الشارع، للمطالبة بـ "إسقاط الفساد والاستبداد"، هو ظهور حركة "إصلاح مضاد"، قادتها الدولة العميقة، واصطفت وراءها أحزاب سياسية ونخب ثقافية كثيرة، بعضها عن قناعة وأخرى عن انتهازية، أو فقط بتغليب الحس البراغماتي في السياسة. وفي هذا السياق، برز حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) حاملا مشعل الإصلاح التدريجي من الداخل، ونجح في أن يقنع متظاهرين كثيرين بالعزوف عن النزول إلى الشارع، للمطالبة بالإصلاح، على اعتبار أنه سيقوم بالمهمة نفسها من الداخل، ومن دون تكاليف كبيرة، تجنب البلاد تلك المآسي التي حلت بشعوب ودول عربية شهدت ثورات شعبية وثورات مضادة، أدخلتها في متاهات دامية، ما زال بعضها مستمرا.
وبعد مرور ست سنوات، سيقف حزب العدالة والتنمية على صعوبة الإصلاح من الداخل الذي
فما حصل ويحصل في المغرب حركة "إصلاح مضاد" نجحت في الالتفاف على مطالب احتجاجات حركة "20 فبراير"، بطرح وعود كثيرة ظل أغلبها حبرا على ورق. والآن، يحاول أصحابها إعادة عقارب الساعة بهدوء، وتدريجيا إلى ما بعد لحظة 2011. وحزب العدالة والتنمية وزعيمه المقال من رئاسة الحكومة، عبد الإله بنكيران، استعملا أو انخرطا عن قناعةٍ لخدمة غايات هذا "الإصلاح المضاد" الذي كان الهدف منه مناهضة مطالب الإصلاح الحقيقي التي حملتها حركة "20 فبراير" التي تعتبر النسخة المغربية من ثورات "الربيع العربي".
حزب العدالة والتنمية الذي يشتكي اليوم كثيرون من أعضائه ومناصريه مما يعتبرونه "انقلابا ناعما" على زعيم الحزب، ويتأسفون على عرقلة مساره "الإصلاحي" من طرف ما يصفونه بـ "التحكّم"، في إشارة إلى "الدولة العميقة"، كان جزءا من حركة "الإصلاح المضاد" عام 2011، وهو من اختار موقعه آنذاك. وهو اليوم يؤدي ضريبة اصطفافه خلف هذه الحركة التي كان هدفها إفراغ مطالب الإصلاح الحقيقي الذي رفعها المتظاهرون في الشارع من كل معنى ومحتوى.