انطلقت عملية تطوير القطاع المصرفي العراقي بشقيه الحكومي والخاص، في العام 2003 . وذلك، للوصول إلى مصاف المصارف العالمية بالتكنولوجيا والتعاملات المصرفية. إلا أن عدم تعديل قانون المصارف العائد لعام 2004، وإعلان الحكومة عام 2009 منع التعامل مع المصارف الخاصة، ولّد حالة كساد كبيرة في المصارف الخاصة. في المقابل، ساهمت هذه الإجراءات في انتعاش المصارف الحكومية، بودائعها وتعاملاتها وأنشطتها المصرفية.
ومع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في العراق وسيطرته على عدد من المصارف، ومع اتساع رقعة الحرب والاشتباكات، شهد القطاع المصرفي ارتباكاً واضحاً، برغم محاولته التماسك والاستمرار...
فما هو واقع هذا القطاع؟ وكيف تطور خلال الحرب والحصار؟ وماذا عن آفاقه؟
الحصار والحروب
يتكون الجهاز المصرفي العراقي حالياً من 54 مصرفاً، منها 7 مصارف حكومية أحدها إسلامي حديث التأسيس. وهناك 23 مصرفاً تجارياً خاصاً، منها 9 مصارف إسلامية. ويوجد أيضاً 15 فرعاً لمصارف أجنبية.
كذلك، يتواجد العديد من المؤسسات التي تمارس الأعمال المالية، منها 34 شركة تحويل مالي، وقرابة 200 شركة صرافة تابعة للمصارف أو تتعامل معها. إضافة إلى شركة لضمان القروض وشركة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كذلك يعمل قرابة 800 فرع للمصارف الخاصة والعامة في جميع محافظات العراق.
ويشيد عضو الهيئة الإدارية في رابطة المصارف العراقية الخاصة عبد العزيز الحسون، بما وصلت إليه رؤوس أموال المصارف الخاصة، وتوسع شبكتها في العراق.
ويوضح الحسون لـ "العربي الجديد"، أن مجموع رؤوس أموال المصارف العراقية الخاصة، قد ارتفع من 30 مليون دولار عام 2004 إلى مليار و600 مليون دولار حالياً. وذلك، عدا ما تملكه فروع المصارف العربية والأجنبية العاملة في العراق. كما أن عدد المصارف الخاصة العاملة في العراق ارتفع، وفق الحسون، من 17 مصرفاً عام 2004 إلى 31 مصرفاً.
فيما ازداد عدد فروع المصارف الخاصة في بغداد والمحافظات الأخرى من 100 فرع إلى أكثر من 600 فرع، لتنافس في عددها ومستوى خدماتها فروع مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين.
ويتابع الحسون أن المصارف الخاصة سبقت المصارف الحكومية في مستوى الخدمات واستخدام التقنيات الحديثة. ويشير إلى أن هذا التقدم قد تحقق "من خلال سعيها إلى الحصول على تكنولوجيا المعلومات والبرامج المصرفية الحديثة. كما قامت المصارف الخاصة بربط فروعها بالإدارات العامة، عبر أجهزة اتصالات حديثة لزيادة سرعة إنجاز المعاملات المصرفية من جهة، ولزيادة الرقابة من جهة أخرى".
ويلفت الحسون إلى أن"المصارف العراقية التي تمارس الصيرفة الإسلامية، شهدت أخيراً بعض التطور. وقد ارتفع عدد المصارف الإسلامية من مصرف واحد عام 1993، إلى ثمانية مصارف إسلامية، على أن يصدر قريباً قانون خاص ينظم أعمالها باتجاه عمليات الاستثمار والمرابحة وفق الشريعة الإسلامية".
وعن حجم الودائع المصرفية في البلاد يوضح وكيل وزير المالية فاضل نبي لـ "العربي الجديد"، أن حجم الودائع المصرفية في العراق وصل إلى نحو 71 تريليون دينار. ويبيّن أن "51 تريليون دينار من حجم هذه الودائع هي حكومية، أي أنها أموال عائدة للدولة، ونحو 20 تريليون هي ودائع أهلية أي للمواطن".
ويلفت نبي إلى أن "90 في المائة من الودائع المصرفية تتواجد في المصارف الحكومية أما ما تبقى ففي المصارف الخاصة". ويبرر نبي قلة الودائع في المصارف الخاصة إلى "فقدان ثقة الحكومة والمواطن بتلك المصارف، بسبب الأزمات التي مر بها بعضها من إشهار الإفلاس واختلاسات وغيرها".
ويؤكد نبي أنه يوجد مقترح قدم من قبل الوزارة وعدد من المختصين والخبراء إلى مجلس الشورى الدولة منذ العام 2009، والذي ينص على ضرورة تأسيس شركة وطنية مساهمة تعنى بتأمين الودائع في المصارف الخاصة. ويشدد على أهمية السير بهذا المقترح حتى يكون للمواطن ومؤسسات الحكومة الدافع لوضع ودائعهم في هذه المصارف.
ويقول الخبير المصرفي ماجد الحلفي لـ "العربي الجديد"، إن "تدهور الواقع المصرفي يعود إلى الحروب والحصار والعسكرة وتوريط المصارف الحكومية بعلاقات مالية خارجية وداخلية معقدة".
وهذه التركة الثقيلة، وفق الحلفي، أدت إلى انهيار الاقتصاد، وإضعاف واضح في الثقافة المصرفية وتراجع الثقة الدولية بالمصارف المحلية.
ويوضح الخبير المالي مظهر محمد صالح لـ "العربي الجديد"، أن المصارف العراقية الخاصة لم تتطور بالشكل الصحيح كون رؤوس أموالها تعتبر أكبر من ودائعها. "وهي حالة غريبة لأنه من المفروض أن يكون العكس، وهذا الشيء تم فرضه على المصارف بسبب إدارة السوق، والقوانين السائدة حتى الآن".
ويتابع صالح أن المصارف الخاصة لا تزال تعاني ركودا "ويجب على الجهات الحكومية التوجه نحوها والاهتمام بها؛ لأنها شريك حقيقي في تنمية الاقتصاد والحفاظ على سياسة البلاد المالية والنقدية". ويلفت صالح إلى أهمية المصارف الخاصة لتمويل المشاريع الاستثمارية المتوسطة والكبيرة المنفذة في البلاد.
وفي ظل سعي المصارف الحكومية والخاصة إلى تقديم ما هو أفضل للمواطن والراغب بالاستثمار، يبقى قانون المصارف عثرة تمنع تقدم هذا القطاع وتطوره. إذ يقيّد القانون المصرفي حرية التعاملات ويتحكم بها. كما يوجد مساع متواصلة لإخضاع المؤسسات المالية المركزية إلى النفوذ السياسي ومحاولة المس باستقلاليتها.
وهذه الإجراءات السلبية ساهمت في حصول العراق على تصنيفات دولية سلبية من قبل المؤسسات الدولية المختصة. وبالتالي، لم يستطع أي من المصارف، لا الحكومية ولا الخاصة، إبراز مكانتها العالمية، وهذا ما يضعف دورها في العلاقات المصرفية الدولية.
ومع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في العراق وسيطرته على عدد من المصارف، ومع اتساع رقعة الحرب والاشتباكات، شهد القطاع المصرفي ارتباكاً واضحاً، برغم محاولته التماسك والاستمرار...
فما هو واقع هذا القطاع؟ وكيف تطور خلال الحرب والحصار؟ وماذا عن آفاقه؟
الحصار والحروب
يتكون الجهاز المصرفي العراقي حالياً من 54 مصرفاً، منها 7 مصارف حكومية أحدها إسلامي حديث التأسيس. وهناك 23 مصرفاً تجارياً خاصاً، منها 9 مصارف إسلامية. ويوجد أيضاً 15 فرعاً لمصارف أجنبية.
كذلك، يتواجد العديد من المؤسسات التي تمارس الأعمال المالية، منها 34 شركة تحويل مالي، وقرابة 200 شركة صرافة تابعة للمصارف أو تتعامل معها. إضافة إلى شركة لضمان القروض وشركة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كذلك يعمل قرابة 800 فرع للمصارف الخاصة والعامة في جميع محافظات العراق.
ويشيد عضو الهيئة الإدارية في رابطة المصارف العراقية الخاصة عبد العزيز الحسون، بما وصلت إليه رؤوس أموال المصارف الخاصة، وتوسع شبكتها في العراق.
ويوضح الحسون لـ "العربي الجديد"، أن مجموع رؤوس أموال المصارف العراقية الخاصة، قد ارتفع من 30 مليون دولار عام 2004 إلى مليار و600 مليون دولار حالياً. وذلك، عدا ما تملكه فروع المصارف العربية والأجنبية العاملة في العراق. كما أن عدد المصارف الخاصة العاملة في العراق ارتفع، وفق الحسون، من 17 مصرفاً عام 2004 إلى 31 مصرفاً.
فيما ازداد عدد فروع المصارف الخاصة في بغداد والمحافظات الأخرى من 100 فرع إلى أكثر من 600 فرع، لتنافس في عددها ومستوى خدماتها فروع مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين.
ويتابع الحسون أن المصارف الخاصة سبقت المصارف الحكومية في مستوى الخدمات واستخدام التقنيات الحديثة. ويشير إلى أن هذا التقدم قد تحقق "من خلال سعيها إلى الحصول على تكنولوجيا المعلومات والبرامج المصرفية الحديثة. كما قامت المصارف الخاصة بربط فروعها بالإدارات العامة، عبر أجهزة اتصالات حديثة لزيادة سرعة إنجاز المعاملات المصرفية من جهة، ولزيادة الرقابة من جهة أخرى".
ويلفت الحسون إلى أن"المصارف العراقية التي تمارس الصيرفة الإسلامية، شهدت أخيراً بعض التطور. وقد ارتفع عدد المصارف الإسلامية من مصرف واحد عام 1993، إلى ثمانية مصارف إسلامية، على أن يصدر قريباً قانون خاص ينظم أعمالها باتجاه عمليات الاستثمار والمرابحة وفق الشريعة الإسلامية".
وعن حجم الودائع المصرفية في البلاد يوضح وكيل وزير المالية فاضل نبي لـ "العربي الجديد"، أن حجم الودائع المصرفية في العراق وصل إلى نحو 71 تريليون دينار. ويبيّن أن "51 تريليون دينار من حجم هذه الودائع هي حكومية، أي أنها أموال عائدة للدولة، ونحو 20 تريليون هي ودائع أهلية أي للمواطن".
ويلفت نبي إلى أن "90 في المائة من الودائع المصرفية تتواجد في المصارف الحكومية أما ما تبقى ففي المصارف الخاصة". ويبرر نبي قلة الودائع في المصارف الخاصة إلى "فقدان ثقة الحكومة والمواطن بتلك المصارف، بسبب الأزمات التي مر بها بعضها من إشهار الإفلاس واختلاسات وغيرها".
ويؤكد نبي أنه يوجد مقترح قدم من قبل الوزارة وعدد من المختصين والخبراء إلى مجلس الشورى الدولة منذ العام 2009، والذي ينص على ضرورة تأسيس شركة وطنية مساهمة تعنى بتأمين الودائع في المصارف الخاصة. ويشدد على أهمية السير بهذا المقترح حتى يكون للمواطن ومؤسسات الحكومة الدافع لوضع ودائعهم في هذه المصارف.
ويقول الخبير المصرفي ماجد الحلفي لـ "العربي الجديد"، إن "تدهور الواقع المصرفي يعود إلى الحروب والحصار والعسكرة وتوريط المصارف الحكومية بعلاقات مالية خارجية وداخلية معقدة".
وهذه التركة الثقيلة، وفق الحلفي، أدت إلى انهيار الاقتصاد، وإضعاف واضح في الثقافة المصرفية وتراجع الثقة الدولية بالمصارف المحلية.
ويوضح الخبير المالي مظهر محمد صالح لـ "العربي الجديد"، أن المصارف العراقية الخاصة لم تتطور بالشكل الصحيح كون رؤوس أموالها تعتبر أكبر من ودائعها. "وهي حالة غريبة لأنه من المفروض أن يكون العكس، وهذا الشيء تم فرضه على المصارف بسبب إدارة السوق، والقوانين السائدة حتى الآن".
ويتابع صالح أن المصارف الخاصة لا تزال تعاني ركودا "ويجب على الجهات الحكومية التوجه نحوها والاهتمام بها؛ لأنها شريك حقيقي في تنمية الاقتصاد والحفاظ على سياسة البلاد المالية والنقدية". ويلفت صالح إلى أهمية المصارف الخاصة لتمويل المشاريع الاستثمارية المتوسطة والكبيرة المنفذة في البلاد.
وفي ظل سعي المصارف الحكومية والخاصة إلى تقديم ما هو أفضل للمواطن والراغب بالاستثمار، يبقى قانون المصارف عثرة تمنع تقدم هذا القطاع وتطوره. إذ يقيّد القانون المصرفي حرية التعاملات ويتحكم بها. كما يوجد مساع متواصلة لإخضاع المؤسسات المالية المركزية إلى النفوذ السياسي ومحاولة المس باستقلاليتها.
وهذه الإجراءات السلبية ساهمت في حصول العراق على تصنيفات دولية سلبية من قبل المؤسسات الدولية المختصة. وبالتالي، لم يستطع أي من المصارف، لا الحكومية ولا الخاصة، إبراز مكانتها العالمية، وهذا ما يضعف دورها في العلاقات المصرفية الدولية.