المؤامرة أو عالم القديسين

08 أكتوبر 2015
إننا لسنا في عالم يحكمه القديسون (Getty)
+ الخط -
عبر البريد الخاص وصلت رسالة تحمل في رحمها سفاحاً مقطع فيديو يتحدث عن الثورات العربية ويربطها بمؤامرة صهيونية بطلها أحد الإعلاميين الصهاينة كما يصفه الفيديو، ويريد من أرسلها التأكيد على أن كل ما نشهده عبارة عن مؤامرة كونية ليس لنا فيها ناقة ولا بعير، وما يلاحظ أن مثل هذه الأفكار القاتلة حول المؤامرة ومصيرنا المحتوم الذي لا نملك الخلاص منه مغروسة في وجدان كثير من المسلمين، ويتعاملون مع الأمر بجدية، رغم أنها تتناقض مع بديهيات المنطق والعقل الموضوعي حينما نؤمن أن هناك من يتحكم فينا، ويسيرنا كيف يشاء ومتى شاء، ملقين عن عاتقنا ثقل المسؤولية وزمام المبادرة، لنتحول من الفاعل إلى المفعول به على طول الطريق، رغم أن عدونا الرئيسي والحقيقي نحن المسلمين ليس في الشرق أو الغرب، وليس الظروف السيئة التي نعيشها، ولا المنخفضات الجوية أو العواصف الرعدية، مشكلتنا بأنفسنا، أنفسنا التي جعلتنا في ذيل القافلة أدنى الأرض، (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم) آل عمران 156.


يقول أيسوب: (كثيرا ما نقدم إلى أعدائنا وسائل تدميرنا)، نعم؛ نحن من نقدم لأعدائنا وسائل تدميرنا وخرابنا وهلاكنا، ونحن من نعينه على أن يفعل فينا العجائب والغرائب والمصائب، وعندما نتخلص من عقبة أنفسنا لن يستطيع أحد الوقوف ضدنا، فإن غيرنا لا يتمدد إلا إذا انكمشنا، والفراغ يُملأ، وإن غياب المشروع هو ما طمَّع فينا الشرق والغرب، القاصي والداني، الأصفر والأحمر، هو ما طمَّع فينا سفلة الدنيا وبغاتها وأسال لعابهم علينا.

لقد قدمنا لأعدائنا وسائل تدميرنا حينما استكنا لقوة غيرنا، وأجرنا عقولنا لأصحاب المعالي والعطوفة والفخامة والفضيلة، لقد قدمنا لأعدائنا وسائل تدميرنا عندما شتمنا ذاتنا وتعدينا على كرامتنا، واعتقدنا أننا لا نملك من أمرنا شيئاً، وأن غيرنا يتحكم في الكون ويحرك السحاب وينزل المطر، لقد قدمنا لأعداتنا وسائل تدميرنا عندما ظننا أن التغيير يأتي من الخارج، وأن العالم كله لا بد أن يتغير بمعجزة ربانية، يقول ليو تولستوي (نعيش في عالم يفكر فيه كل الناس في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير ذاته)، فأن يتآمر علينا الشرق والغرب فذاك هو الطبيعي ما دمنا في عالم صراع من أجل البقاء، وما دامت الحيتان تتغذى بالأسماك، والأسماك بالديدان، فالحل أن تكبر السمكة الصغيرة لتصبح أكبر من فم الحوت وأسرع حركة منه، والإنسان لم يتقدم خلال تاريخه الطويل إلا من خلال الأزمات التي يمر بها.

أخيراً هذا المقال ليس محاولة لجلد الذات فقط أو تبرئة أنظمة الإجرام والقوى الأقليمية والدولية المتواطئة معها، لأن ما تفعله أمر متوقع حيث إننا لسنا في عالم يحكمه القديسون أو جمعية خيرية يهمها الصالح العام، وإنما هو محاولة لاستنهاض الهمم وتسليط الضوء على فكرة هدامة قد تؤدي بالإنسان إلى حالة من البلادة والاستسلام والخوف من التغيير أو العدمية المفرطة في اتخاذ الخيارات.

(البحرين)
المساهمون