الكبار يهدّدون صائغي الذهب الأسود

24 سبتمبر 2014
أسعار النفط مهددة بمزيد من التراجع (getty)
+ الخط -
التدهور المتواصل في أسعار النفط وهبوط سعر البرميل إلى أقل من مائة دولار، تحول إلى لغز أثار العديد من التساؤلات، فهل السعر الحالي طبيعي حدده العرض والطلب؟ أم أن تهريب النفط عبر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق وسورية له دور في ما يحدث؟ وهل ثمة تأثير للحرب الجيوسياسية على السوق، ومنها تدخلات عمدية تعاقب بها واشنطن أكبر مستهلك في العالم، موسكو أول منتج خارج أوبك، التي تعتمد في اقتصادها على الصادرات النفطية بالدرجة الأولى؟ ولماذا لم تخفض أوبك الإنتاج رغم تدهور الأسعار؟ وماذا عن حجم الخسائر التي ستصيب الدول النفطية، ولا سيما الخليجية بسبب تراجع الأسعار؟ اتجه محللون في إجاباتهم إلى وقوف الكبار وراء تسارع وتيرة تراجع أسعار النفط، خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يهدد منتجي النفط ويتسبب لهم بخسائر تقدر بمليارات الدولارات.
وفي هذا الإطار، قال الخبير النفطي السوري، عبد القادر عبد الحميد، لـ"العربي الجديد"، اجتمعت أسباب عدة وراء تراجع أسعار النفط، لعل أهمها تراجع استهلاك الصين، ثاني أكبر مستهلك في العالم، إذ "تستورد أكثر من ستة ملايين برميل يومياً".
وأضاف: "يعد تراجع الطلب العالمي خلال هذه الفترة، بحسب ما أكد تقرير وكالة الطاقة الدولية، السبب الأهم، إذ لم يزد في الشهور الأولى من العام الجاري إلا بنحو 1.2 مليون برميل، بحسب التوقعات، بل لم يقترب الطلب من حدود مليون برميل، لأن دول منظمة أوبك أنتجت أكثر من سقفها المعتاد وزاد إنتاجها عن 30 مليون برميل يومياً، بسبب عودة الإنتاج الليبي وزيادة الإنتاج السعودي قبل أن تخفضه، لتسد الفاقد الذي عاناه السوق سابقاً بعد العقوبات على طهران، ما خلق فائضاً في العرض وبالتالي تراجعاً في الأسعار".
ويرى عبد الحميد أن هناك أسباباً اقتصادية أدت إلى تراجع أسعار النفط الخام، غير متأثرة بالأسباب السياسية أو الجيوسياسية، والتي يمكن أن تظهر أثناء الحرب وحلول شهر الشتاء. الخبير الاقتصادي، عماد الدين المصبح، أرجع سبب انخفاض أسعار النفط لارتفاع سعر صرف الدولار، فالعملة الأميركية تعيش فترة انتعاش.
ومعروف أن سعر النفط محدد بالدولار فقط والعلاقة بين سعريهما عكسية. وأضاف المصبح لـ "العربي الجديد": "يمكننا نسب بعض الأسباب إلى زيادة مخزونات الخام الأميركي وبداية إنتاج النفط الصخري في أميركا، التي تعد أكبر مستورد ومستهلك في العالم ( تستورد نحو 12 مليون برميل يومياً).
وتوقع المصبح تعافياً سريعاً لأسعار النفط مع حلول فصل الشتاء وبداية الحرب على داعش، لأنها ستؤثر على الإنتاج وعلى النقل والتسويق لأكثر المناطق إنتاجاً وتصديراً بالعالم. وعن تأثير سيطرة الدولة الإسلامية (داعش) في العراق والشام على معظم نفط سورية وبعض آبار العراق، قال المصبح: "أعتقد أن ثمة تهويلاً يمارسه الإعلام بهذا الصدد، كما يهول لجهة قوة داعش وضخامة ميزانية الحرب عليها، فداعش سيطر على معظم الآبار السورية الواقعة في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، لكن إنتاج هذه الآبار لا يزيد على 250 ألف برميل، وقت كانت تنتج، ولديها معدات وقطع غيار وفنيين، ولكن الآن مع عدم وجود خبرات كافية ومعدات، فأعتقد أن الإنتاج يتم بشكل شبه بدائي، ولا يزيد عن 150 ألف برميل يومياً. وداعش لم تسيطر إلا على مناطق إنتاج محددة في العراق في "نينوى والأنبار وصلاح الدين" ولا تزيد نسبتها على 15% من نفط العراق، بحسب المصبح. وفي إيران، قد يصب هذا الوضع لمصلحة بلدهم الرابع عالمياً في الإنتاج النفطي، وقال الخبير في الشؤون الاقتصادية، حسين راغفر، لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، إن تأثر سوق النفط العالمية وانخفاض سعر برميل النفط قد يصب لمصلحة إيران عن طريق زيادة إنتاجها من النفط وتقديم عروض في السوق، وهو ما قد يؤدي لرفع سعر البرميل مستقبلاً. ولكن هذا، حسب رأي راغفر، لن يكون تغييراً جذرياً، فصحيح أن إيران تستطيع زيادة إنتاجها والدخول إلى السوق بشكل أقوى وطرح نفطها، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار العقوبات التي لا تزال مفروضة على سوق النفط الإيرانية.
فرغم تعليق العقوبات بموجب اتفاق جنيف الموقع بين إيران والسداسية الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، مقابل وقف إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% حتى التوصل لاتفاق نهائي خلال الفترة المقبلة، إلا أنه لا يسمح لإيران ببيع أكثر من مليون ونصف مليون برميل نفط خام يومياً خلال هذه الفترة.
فهذا الأمر يحدد بالفعل سوق النفط الإيرانية، ويؤثر عليها رغم تراجع الأسعار في السوق النفطية العالمية، فإنتاج النفط الإيراني حالياً يبلغ ثلاثة ملايين برميل تقريبا بشكل يومي، ولكن بسبب الحظر تضطر البلاد إلى الاحتفاظ بنفطها في مخازن عائمة على سطح البحر.
ولكن في الوقت ذاته، لم تبد إيران على لسان مسؤوليها أي قلق رسمي من هذا الوضع، ففي تصريح سابق لرئيس دائرة الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن قمصري، أكد فيه إن سعر برميل النفط الواحد بحال وصل إلى مائة دولار أو أقل أيضا فهو سعر طبيعي، واعتبر أن مشكلة إيران الحالية رغم هذه الظروف تتعلق بتقليص بيع نفطها للمشترين وهو ما يقيد إنتاجها في الوقت الحالي.
وتعتبر إيران إن القلق يجب أن يكون في الوقت الحالي على الدول الأساسية المنتجة للنفط ولاسيما العراق وليبيا وروسيا، وهي الدول التي تتعرض لمعارك سياسية وأمنية متتالية، وهو ما سيزيد الضغط على السوق، وربما سيرفع سعر النفط في وقت ما مستقبلاً بشكل كبير.
وهو ما حذر منه في وقت سابق الأمين العام لمنظمة الدول المصدر للنفط (أوبك)، عبد الله سالم البدري، في حوار مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، حيث قال إنه قبل التطرق لحلول بديلة للخضات التي يتعرض لها سوق النفط، يجب إيجاد حلول أمنية وسياسية للعراق وحتى لليبيا.
واعتبر البدري أن المشاكل الأمنية التي تواجه تلك البلدان تؤثر أيضاً على الشركات التي تعمل في استخراج النفط، وبحال لم تستقر الظروف السياسية فهذا سيؤثر سلباً على سوق النفط بشكل عام، وعلى المشترين كذلك، حيث سينخفض الإنتاج في تلك البلدان.
ومن جانبه، قال الخبير البترولي المصري، إبراهيم زهران، لـ"العربي الجديد"، "إن تراجع أسعار النفط عالمياً يرجع إلى عوامل عدة، منها عدم توقع عودة حقول ليبيا للتصدير مرة أخرى، واستمرار الإنتاج بشكل طبيعي في العراق، حيث كان من المتوقع أن تؤثر الاضطرابات علي وضعية البلدين وبالتالي انخفاض المعروض، والسبب الثاني زيادة إنتاج بعض الدول مثل السعودية وإيران مما أدى إلى وفرة المعروض مع قلة الطلب في هذا التوقيت وبالتالي انخفضت الأسعار".
ويرى زهران أن تنظيم "داعش" ليس له أي علاقة بارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها، موضحاً أن كل ما يصدره أو يهربه لا يتعدى عشرة آلاف برميل يومياً، وهو رقم هزيل جداً في الاستهلاك العالمي.
وقال خبير الطاقة المصري، الدكتور عمرو حمودة، إن تدهور أسعار النفط عالمياً سيؤثر سلباً على البلاد المصدرة بنسبة تتراوح بين 10 و15%، وبالعكس تماماً سيؤثر إيجاباً على الدول المستوردة بنفس النسبة تقريباً. وأوضح أن الدول التي ستتأثر في المنطقة العربية هي السعودية والإمارات والكويت وقطر والجزائر وليبيا وعمان، وهي الدول الأكثر إنتاجاً، في حين أن دولا أخرى ستتأثر كثيرا مثل اليمن والسودان لأن عائدات النفط تمثل رقما مهما في توفير العملة الصعبة لهذين البلدين، رغم أنهما ليسا مثل دول الخليج، وفي المقابل سيكون التأثير إيجابي للدول المستوردة مثل مصر والأردن ولبنان وتونس والمغرب.
وأضاف أن أسباب تراجع النفط عالمياً يرجع إلى زيادة المعروض منه، وحول توقعات الأسعار مستقبلاً، قال "لا يمكن التنبؤ بها حيث إنها ترتبط بعوامل كثيرة منها الأوضاع الاقتصادية والسياسية"، موضحاً أنه على المستوى السياسي يصعب التنبؤ بالوضع في ليبيا والعراق مثلا، اللذين كان متوقعاً عدم قدرتهما على الإنتاج خلال هذه الفترة وقاما بالتصدير مثلاً.
واقتصادياً، يمكن أن ترتفع الأسعار أو تنخفض حسب عودة الانتعاش الاقتصادي، خاصة في أميركا والصين وأوروبا، وحسب حالة المناخ في الشتاء المقبل التي على أساسها يزيد الاستهلاك الطاقة أو يقل.
ولفت النظر إلى أنه قد يكون لأميركا دور في التراجع الكبير لأسعار النفط لإلحاق الضرر باقتصاد روسيا الذي يعتمد على صادرات مواد الطاقة إلى حد ما، مشيراً إلى أن تراجع العائدات الروسية من الصادرات البترولية، أدى إلى تراجع مؤشرات أسعار الأسهم الروسية.
المساهمون