قتل لويس ألتوسير زوجتَه خنقاً عام 1980، لم يُحاكم حينها، لأنّه لم يكن بقواه العقليّة، حسب القضاء، بل وضع في المصحّ العقلي لثلاث سنوات، وغادرها ليعيش عزلةً حتى رحيله عام 1990. الفيلسوف الألمانيّ مارتن هايدغر كان نازياً. الكاتب الفرنسيّ فيرديناند سيلين كان يكتب تقارير في بعض اليهود في فرنسا ليرسلوا إلى المحرقة.
الأمر يتجاوز "كبار" الكتاب والمفكرين. الكثير من رموز الثقافة الشعبيّة استفادوا من بنية ثقافيّة وامتياز أنهم "لاعبون" ضمنها ليمارسوا ما "يُدعى" أنهم فعلوه من "فظائع". نستخدم "يُدعى" لأن بعضهم لم يبتّ القضاء بأمرهم بعد، ولم يتم إثبات "الجريمة"، لكن هناك محكمة الرأي العام، التي أذنب فيها مايكل جاكسون، وكيفين سبايسي، وآر كيلي، وغيرهم، ومع اختلاف مستويات براءتهم القانونيّة، هم "وحوش" بنظر الكثيرين، لا بدّ من الإشارة إلى أثرهم، وفضح ممارساتهم أمام الناس والقانون.
المُشترك في الأمثلة السابقة أبعد من "الجريمة" أو "الاشتباه بالجريمة"، إذ يهمّنا ما تركوه من نتاج، وأسلوب التعاطي معه، سواء كان عملاً فنياً أو كتاباً أو أي منتج ثقافي، خصوصاً أن ما تركوه يرتبط بعمليات الإنتاج وسياسات التكريس واتجاهات المؤسسات التي تنشر وتوزع. كذلك هناك التغطيّة الإعلامية التي تتلقى وتُخفي وتُظهر، والتي تُمارس نشاطها بعيداً عن القانون، كعقوبة "الإخفاء"، كما فعلت مع نتفليكس التي أخفت كل صورة أو صوت لكيفين سبايسي في الموسم الأخير من "منزل الورق"، علماً أنه لم يكن مذنباً أمام القضاء، وثبتت براءته لاحقاً، في حين أن سيرك الشمس لم يلغ العرض الذي يحمل عنوان "واحد"، ويحتفي بمايكل جاكسون في لاس فيغاس، بالرغم من العريضة الموقعة لإلغاء العرض بعد بث فيلم "الخروج من نيفيرلاند".
هذا الإخفاء، لا يرتبط بـ"الذوق الفنيّ" الشخصيّ، فبالرغم من "إثبات" أن سيلين نازي، ما زالت المسارح الوطنيّة في فرنسا تتبنى بعض أعماله وتقدمها، في حين "علّقت" دار غاليمارد العريقة مشروع نشر كتابات سيلين المعاديّة للساميّة، علماً أنها تنشر أعماله السابقة، الشيء ذاته مع نتفليكس الأفلام التي أدّى فيها كيفين سبايسي سابقاً، ما زالت تعرض، فعقوبة الاختفاء لا تُقام بأثر رجعي.
اقــرأ أيضاً
لكن، هل ضروريّ الشعور بتأنيب الضمير و"الذنب" الفرديين أثناء تلقي الأعمال الفنيّة التي تنتمي لـ"ما قبل الفضيحة" أو "ما قبل الجريمة"؟ حقيقة لا جواب لهذا السؤال، كون التذوق الفني ذاتيّاً ومتفاوتاً بين الأفراد، خصوصاً أن هالة الشرّ التي تحيط بشخص "الفنان" تؤثر على أعماله، وتجعلها جذّابة نوعا ما، كأنها وليدة سياق انتهاكي ولا أخلاقي. لا نتحدث هنا عن الماركيز دي ساد، الذي حوكم عدة مرات بسبب تنظيمه لحفلات خلاعية، بل نقصد مثلاً آر كيلي، الذي ارتفعت مبيعات ألبوماته بمقدار 16% بعد بث فيلم "النجاة من آر كيلي"، الذي يتُهم فيه بالتحريض والاغتصاب وإنتاج بورنوغرافيا الأطفال، علماً أن أغنياته لا تحوي أي إشارة لذلك.
تاريخ الفنّ مليء بشخصيات مُجرمة، لكن هذا التاريخ لم يكتبوه هم، والأهم لم تختفِ أعمالهم، وحتى الظاهرة منها، تُخفي وراءها أبعاداً سياسية وثقافيّة. لكن، ما سر هذا الشعور بالذنب؟ سواء ذاك الشخصيّ أو الذي يبثّه من يعرفون أن أحدهم يسمع أو يقرأ ما "لا يجب الاستمتاع به". حقيقة هو نتاج عوامل خارج تاريخ الفن نفسه وخارج النظام القضائي، هو شعور ينتمي للإعلام ونقاشات الفضاء العام، لا علاقة له بالعمل الفنيّ، ولا بالفنان، الذي لا حصانة له إن ارتكب جريمة، إذ يسجن ويحرم من عمله، كما توجه الأصابع للمنظومة التي هو ضمنها وتتم إدانتها، لكن لا يغير ذلك من مضمون عمله الفنيّ أو المراد قوله ضمن هذا العمل، ونادرة هي الحالات التي استُخدم فيها العمل الفنيّ كدليل قانوني في القرن العشرين، كحالة بعض القصائد التي كتبها البوسني رادوفان كاراديتش، والتي استخدمت ضده في محكمة العدل الدولية بوصفها دليلاً على المجازر التي ارتكبها. لا نتحدث هنا عن رداءة الشعر أو جودته، بل عن وجوده كمُنتج في الفضاء الثقافي تحول لاحقاً إلى دليل قانونيّ.
الذنب الشخصيّ الذي يراود من يتلقى منتجات "المجرمين" أو "المشتبه بهم" منطقي في الكثير من الأحيان، بل وغيابه غير مبرر لدى من يشاهد مثلاً أفلام البروباغندا السوريّة باستمتاع تام من دون الإشارة إلى ما ورائها، أو الوعي بخصائصها السياسيّة. الذنب ذاته أيضاً منطقي حين نشاهد فيلم "المسوخ" (1932)، لـ تود براونينغ، كونه وظّف أصحاب الإعاقات "للتسليّة"، فبعض الأعمال الفنيّة تحوي "شبهات"، أو تغطي جرائم، لكن ماذا عن تلك الفئة من الأعمال التي لا تحوي ضمنها جريمة أو لم تظهر في سياق الجريمة، هل الذنب ضروريّ؟
المُشترك في الأمثلة السابقة أبعد من "الجريمة" أو "الاشتباه بالجريمة"، إذ يهمّنا ما تركوه من نتاج، وأسلوب التعاطي معه، سواء كان عملاً فنياً أو كتاباً أو أي منتج ثقافي، خصوصاً أن ما تركوه يرتبط بعمليات الإنتاج وسياسات التكريس واتجاهات المؤسسات التي تنشر وتوزع. كذلك هناك التغطيّة الإعلامية التي تتلقى وتُخفي وتُظهر، والتي تُمارس نشاطها بعيداً عن القانون، كعقوبة "الإخفاء"، كما فعلت مع نتفليكس التي أخفت كل صورة أو صوت لكيفين سبايسي في الموسم الأخير من "منزل الورق"، علماً أنه لم يكن مذنباً أمام القضاء، وثبتت براءته لاحقاً، في حين أن سيرك الشمس لم يلغ العرض الذي يحمل عنوان "واحد"، ويحتفي بمايكل جاكسون في لاس فيغاس، بالرغم من العريضة الموقعة لإلغاء العرض بعد بث فيلم "الخروج من نيفيرلاند".
هذا الإخفاء، لا يرتبط بـ"الذوق الفنيّ" الشخصيّ، فبالرغم من "إثبات" أن سيلين نازي، ما زالت المسارح الوطنيّة في فرنسا تتبنى بعض أعماله وتقدمها، في حين "علّقت" دار غاليمارد العريقة مشروع نشر كتابات سيلين المعاديّة للساميّة، علماً أنها تنشر أعماله السابقة، الشيء ذاته مع نتفليكس الأفلام التي أدّى فيها كيفين سبايسي سابقاً، ما زالت تعرض، فعقوبة الاختفاء لا تُقام بأثر رجعي.
لكن، هل ضروريّ الشعور بتأنيب الضمير و"الذنب" الفرديين أثناء تلقي الأعمال الفنيّة التي تنتمي لـ"ما قبل الفضيحة" أو "ما قبل الجريمة"؟ حقيقة لا جواب لهذا السؤال، كون التذوق الفني ذاتيّاً ومتفاوتاً بين الأفراد، خصوصاً أن هالة الشرّ التي تحيط بشخص "الفنان" تؤثر على أعماله، وتجعلها جذّابة نوعا ما، كأنها وليدة سياق انتهاكي ولا أخلاقي. لا نتحدث هنا عن الماركيز دي ساد، الذي حوكم عدة مرات بسبب تنظيمه لحفلات خلاعية، بل نقصد مثلاً آر كيلي، الذي ارتفعت مبيعات ألبوماته بمقدار 16% بعد بث فيلم "النجاة من آر كيلي"، الذي يتُهم فيه بالتحريض والاغتصاب وإنتاج بورنوغرافيا الأطفال، علماً أن أغنياته لا تحوي أي إشارة لذلك.
تاريخ الفنّ مليء بشخصيات مُجرمة، لكن هذا التاريخ لم يكتبوه هم، والأهم لم تختفِ أعمالهم، وحتى الظاهرة منها، تُخفي وراءها أبعاداً سياسية وثقافيّة. لكن، ما سر هذا الشعور بالذنب؟ سواء ذاك الشخصيّ أو الذي يبثّه من يعرفون أن أحدهم يسمع أو يقرأ ما "لا يجب الاستمتاع به". حقيقة هو نتاج عوامل خارج تاريخ الفن نفسه وخارج النظام القضائي، هو شعور ينتمي للإعلام ونقاشات الفضاء العام، لا علاقة له بالعمل الفنيّ، ولا بالفنان، الذي لا حصانة له إن ارتكب جريمة، إذ يسجن ويحرم من عمله، كما توجه الأصابع للمنظومة التي هو ضمنها وتتم إدانتها، لكن لا يغير ذلك من مضمون عمله الفنيّ أو المراد قوله ضمن هذا العمل، ونادرة هي الحالات التي استُخدم فيها العمل الفنيّ كدليل قانوني في القرن العشرين، كحالة بعض القصائد التي كتبها البوسني رادوفان كاراديتش، والتي استخدمت ضده في محكمة العدل الدولية بوصفها دليلاً على المجازر التي ارتكبها. لا نتحدث هنا عن رداءة الشعر أو جودته، بل عن وجوده كمُنتج في الفضاء الثقافي تحول لاحقاً إلى دليل قانونيّ.
الذنب الشخصيّ الذي يراود من يتلقى منتجات "المجرمين" أو "المشتبه بهم" منطقي في الكثير من الأحيان، بل وغيابه غير مبرر لدى من يشاهد مثلاً أفلام البروباغندا السوريّة باستمتاع تام من دون الإشارة إلى ما ورائها، أو الوعي بخصائصها السياسيّة. الذنب ذاته أيضاً منطقي حين نشاهد فيلم "المسوخ" (1932)، لـ تود براونينغ، كونه وظّف أصحاب الإعاقات "للتسليّة"، فبعض الأعمال الفنيّة تحوي "شبهات"، أو تغطي جرائم، لكن ماذا عن تلك الفئة من الأعمال التي لا تحوي ضمنها جريمة أو لم تظهر في سياق الجريمة، هل الذنب ضروريّ؟
ربما يجب النظر في آلية تكوين "الذوق الفنيّ"، والتسليم بأنّه بناء سياسي وثقافيّ، ولا يرتبط فقط بـ"العمل الفني" بصورة منفصلة، بل ينتُج أيضاً عبر الأخذ بالاعتبار السياق الذي ظهر ضمنه، وخصائص مُنتجه والمسؤولين عن توزيعه، والتخلي عن النزعة نحو "اللاتعيّن" التي يمتلكها الجمال، بوصفه علوياً ولا منطقياً، وأيضاً، لم يُرسخ الشعور بـ"التطهير" بعد مشاهدة عمل فنيّ، كما في التراجيديا الكلاسيكيّة اليونانيّة، بل ويعتبر "هدفاً"، الأمر ذاته مع الشعور بالرضا بعد مشاهدة كوميديا ما، أو السعادة بعد فيلم رومانسي كوميدي، ولا يدافع عن "الذنب" الناتج عن شرّ الفنان كجزء من التجربة الفنيّة أو عملية التذوق. هذا الذنب الذي ينتاب البعض أو يحرّض لدى البعض من قبل الآخرين عند "الاستمتاع" بموسيقى مايكل جاكسون، أو آر كيلي، أو برنامج بيل كوسبي الكوميديّ.