على الرغم من المشاكل المحلية المتراكمة، كغرق العشرات من الشباب المهاجر سراً إلى إيطاليا، والخلافات العميقة بشأن موازنة العام المقبل، سيطرت الانتخابات الجزئية في ألمانيا لانتخاب نائب وحيد في البرلمان على المشهد السياسي التونسي بحذافيره، ونقلته بالكامل إلى ألمانيا. وظلّت الأحزاب السياسية في نفس التموضع السياسي في مرحلة ما بعد انتخابات عام 2014، فتحوّلت انتخابات ألمانيا إلى بروفة للاستحقاقات العتيدة، في مواجهة صريحة بين الحزبين الحليفين من ناحية، نداء تونس والنهضة، وبقية الأحزاب المعارضة وغير المعارضة من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من النداءات المتكررة لتوحيد مواقف المعارضة وتقديم مرشح موحّد لها لمواجهة مرشح النداء، خصوصاً إذا كان حافظ قائد السبسي، فقد فشلت هذه الأحزاب في ذلك مرة أخرى، تماماً كما حصل في انتخابات 2014، وذهب كل منها إلى تقديم مرشحه لنيل هذا المقعد.
وأعلن المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري ترشيح المنجي الطاهري (مقيم بألمانيا) لخوض الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة ألمانيا، مؤكداً استعداده الدخول في مشاورات لتوحيد الصفوف في مواجهة ما وصفها بـ"الترشيحات المسقطة"، في إشارة واضحة إلى نجل السبسي. وقررت حركة الشعب من جهتها ترشيح حافظ بن منصور للانتخابات المقررة في أيام 15 و16 و17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وكذلك فعلت أحزاب الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي، وحتى حزب آفاق تونس، أحد أحزاب الائتلاف الذي قرر ترشيح منسقة الحزب بألمانيا، باعتبارها مقيمة فيها منذ نحو 16 سنة ولها خبرة كافية في قطاع السياحة.
في المقابل، أعلن حزب الحراك بزعامة الرئيس السابق منصف المرزوقي أنه "سيتراجع عن تقديم مرشحه إذا اتفقت أحزاب المعارضة على مرشح وحيد، وهو أمر صعب حتى الآن". وفي موازاة ذلك، بدا أن عدداً من المستقلين سيخوض هذه الانتخابات، بما قد يجعل منها مواجهة ساخنة تعيد إلى الأذهان ما حدث في الانتخابات الماضية. كذلك حرّك موقف حركة النهضة بعض الأطراف، مع تأكيد مجلس شورى الحركة بأنه "غير معني بالمنافسة على مقعد دائرة ألمانيا، مفوّضاً المكتب التنفيذي اتخاذ ما يراه لتنزيل هذا القرار".
وكان نائب رئيس الحركة علي العريض، قد أكد قبل اتخاذ القرار رسمياً لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب سيراعي في دراسة موقفه من تقديم مرشح للانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا مصلحة النهضة، ومناخ التوافق العام في البلاد وأساسيات العمل السياسي"، منبّهاً إلى أن "مقعد ألمانيا يعد مقعداً تقليدياً لنداء تونس، وهو عنصر سيتم أخذه بعين الاعتبار خلال اجتماع مجلس الشورى". وكشف عن "وجود وجهتي نظر داخل الحزب، الأولى مؤيدة لخوض الانتخابات الجزئية، والثانية ترفض ذلك وتطالب بالامتناع عن تقديم مرشح لها، وهو ما حدث بالفعل".
ولكن أحد الأصوات المعارضة باستمرار داخل النهضة، المحسوب على صقورها المعارضين للتحالف مع النداء، محمد بن سالم، اعتبر أن "قرار مجلس شورى الحركة مخالف للديمقراطية، خصوصاً الديمقراطية الناشئة المبنية على التنافس". واعتبر في حديثٍ إذاعي أنه "من غير المعقول ألا يُرشح حزب كبير مثل النهضة أي شخصية لخوض الانتخابات"، لافتاً إلى أن "ذلك يُسهل لحافظ قائد السبسي دخول البرلمان".
بدورها، أكّدت قيادات من الحزب لـ"العربي الجديد" أن "الحركة لن تربح شيئاً مهماً من الترشح لهذه الانتخابات، كونها تحافظ على أغلبيتها في البرلمان، مع أنها أصلاً لا تحتاج إليها في سياق التحالف الوطني الحالي. وهي ليست بحاجة إلى دخول معركة مجانية مع حليفها النداء مع بقية أحزاب المعارضة وفي معركة انتخابية لا أهمية لها، بالنسبة إليها، في المشهد السياسي العام، ولن تغير من التوازنات الحالية في البرلمان أو خارجه".
ووصف رئيس حراك تونس الإرادة، المنصف المرزوقي، في حديثٍ للإذاعة التونسية الرسمية، أن "الانتخابات الجزئية بألمانيا تدخل في إطار سياسة (التوريث)"، في إشارة إلى إمكانية ترشيح نداء تونس حافظ قائد السبسي لخوض الانتخابات الجزئية بألمانيا.
بدوره كشف أحد أعضاء حزب النداء في ألمانيا، الياس بوعشبة، أن "حافظ قائد السبسي هو المرشح الطبيعي والشرعي والقانوني لحزب حركة نداء تونس لدائرة ألمانيا، ويُفترض بناء على مرجعية الانتخابات التشريعية لعام 2014 وما يقتضيه وجود القائمة التكميلية التي صادق عليها الحزب برئاسة الباجي قائد السبسي وتواصلها، فإن الأجدر والأحق بالتقدم إلى هذه الانتخابات هو حافظ قائد السبسي".
وكشفت قيادات بارزة من حزب نداء تونس لـ"العربي الجديد" أن "ترشيح المدير التنفيذي للحزب، حافظ قائد السبسي، للانتخابات الجزئية في ألمانيا لنيل مقعد في البرلمان، ليس من تحصيل الحاصل كما تروّج له كل الاحزاب في الوقت الراهن، وأنه يجري التشاور في هذا الأمر في الوقت الراهن والتباحث بشكل جدي عن السيناريو الأفضل الذي يخدم الحزب بقطع النظر عن الأسماء".
وأكدت أن "بعض الأفكار المتداولة حالياً في صفوف قيادات الحزب تدعو إلى ترشيح شخصية أخرى من الحزب مع وجود أخرى في المقابل تدعو إلى دعم السبسي الابن في هذا الاستحقاق وعدم الرضوخ إلى الضغوط التي تمارسها أحزاب المعارضة في هذا الصدد"، لافتة إلى أن "الحسم في هذا الأمر سيتم خلال هذه الأيام وسيعلن الحزب عن مرشحه في ألمانيا نهاية الأسبوع على أقصى تقدير".