الجانب الإيجابي للأردن

06 اغسطس 2020
ضخت الحكومة الأردنية أموالاً أدّت إلى زيادة العجز في الموازنة (Getty)
+ الخط -

حسب التقارير الدولية المتفق عليها، شهد عقد السبعينيات من القرن الماضي، وبسبب هزّة النفط وارتفاع أسعاره وحركة البناء والإعمار، في الأردن، ارتفاعاً في معدل النمو الاقتصادي، مقاساً بمعدل دخل الفرد، وصل طيلة ذلك العقد إلى 351%، أو ما يساوي 35% سنوياً. ولكن في عقد الثمانينيات، خصوصا بعد هبوط أسعار النفط في العام 1986، وزيادة المديونية، وتراجع اقتصادات دول الخليج والعراق، تراجع النمو الاقتصادي في الأردن بنسبة 36%. 

وفي التسعينيات، وبعد هبوط سعر تبادل الدينار الأردني في آخر الثمانينيات، وتأزم المديونية، تمكّن الأردن من زيادة معدل الدخل بمقدار 30% أو ما يعادل 3% سنوياً طوال العقد. وكانت معاهدة السلام، ورفع الحصار الاقتصادي عن الأردن، والعودة التدريجية إلى العلاقات الطبيعية مع دول الخليج، أسباب ارتفاع وتيرة النمو الاقتصادي في المملكة.

وخلال السنوات التسع الأولى من حكم الملك عبدالله الثاني، حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً مستمراً بلغ 8% سنوياً بالأرقام الفعلية، ولكن الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في شهر سبتمبر من العام 2008، وتأثيراتها على دول الخليج والأردن، سببت تراجعاً واضحاً في معدل النمو السنوي للمملكة، وصل إلى حوالي 3% سنوياً خلال العقد 2009 - 2019، حيث كان ترتيب الأردن التاسع والثمانين من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي (42 مليار دولار)، ولكن بمقياس معدّل دخل الفرد، فقد كان ترتيب الأردن الـ110 بين دول العالم.

تداعيات كورونا على اقتصاد المملكة

وبسبب انفجار وباء كورونا، وبداية محاربته وتطبيق الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي بجدية مطلقة، وتنسيق مؤسسي متميز، فقد أثر ذلك على معدلات النمو الاقتصادي في الأردن. ويقدّر صندوق النقد الدولي أن يبلغ معدل النمو بالمملكة عام 2020 حوالي سالب 3.5%، وأن تصل البطالة إلى أكثر من 22%، والفقر إلى حوالي 18% أو أكثر.

وقد تحمّل الأردن وواجه أزمات متلاحقة منذ عام 2008. أولاها بالطبع انهيار الأسواق المالية والتراجع الاقتصادي العالمي في ذلك العام.

وبعد ذلك، حلّ الربيع العربي الذي أوجد منعطفاً وصل إلى حد التوقف في التفاعل الاقتصادي مع دولٍ مهمة للأردن، وهي العراق وسورية ولبنان.

وخلال هذه الأزمة، تعرّض الأردن لتدفق اللاجئين العرب من دول الجوار، خصوصا سورية والعراق واليمن، ودول أبعد بأعداد أقل. وتوقفت الخدمات الرئيسيّة كالتعليم والعلاج في الأردن من دول مهمة كالخليج واليمن والعراق وسورية والسودان والجزائر وغيرها.

وقد جابه الأردن خلال الفترة نفسها ضغوطاً دولية لاحتواء أعداد أكبر من اللاجئين، وفتح السوق أمامهم للعمل، في الوقت الذي جابه الأردن فيه انفجار ظاهرة الإرهاب، وبروز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحركة الشباب في دول قريبة منا.

وقد نال الأردن منها فيضاً من محاولات نجح بعضها في تدمير فنادق، وقتل مدنيين ورجال أمن، ما رفع من التكاليف الأمنية والعسكرية على الأردن.

وأخيراً، جاءت أزمة كوفيد - 19، ولكن الأردن نجح في احتوائها، ولَم يزد عدد الوفيات الناجم عنها أكثر من 11 حالة، أو بمعدل عالمي متميز يقف عند وفاةٍ وَاحِدَةٍ لكل مليون شخص. وحتى الإصابات التي تسجل داخل الأردن لا تزيد الآن عن واحدة كل عشرة أيام، في وقتٍ تكتشف الحالات الباقية الكبيرة في القادمين إلى الأردن أو العائدين إليه من دول أخرى. 

ولكن هذه السياسة الحريصة على حياة الناس، انطوت على تكاليف باهظة، تمثلت في تعطل الإنتاج من السلع والخدمات، وتراجع حركة التوزيع. وتوقف حركة البناء، وتوقف التبادل التجاري والخدمي، وتعرّض آلاف الأعمال الصغيرة والمتوسطة لخطر التصفية.

وقد ضخت الحكومة الأردنية أموالاً أدّت إلى زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة، ولكن ليس إلى القدر الذي كان يمكن أن تصل إليه، فالعجز الإضافي لن يتجاوز 700 – 800 مليون دولار، وهو أقل كلفةً من تراجع الاقتصاد بنِسَب أعلى من التي يتوقع أن يتراجعها.

4 أسباب للصمود في وجه الأزمات

هذا البلد الصغير الذي واجه كل هذه الأزمات، ويتصدّى لها بكل ما أوتي من قوة، أثبت قدرة على الصمود والثبات، لم تظهر في دول عربية كثيرة أغنى منه، وأكثر قوة وثروات طبيعية. وتعود الأسباب إلى عدد من الأمور:

- الأول أن العلاقة بين آل هاشم ملوك الأردن وأمرائه والشعب علاقة لا دماء فيها، ولا ظلم يدوم. ولتوزيع المغارم والمغانم في الأردن مقياس دقيق متحرّك، بدءاً من الوظائف العليا وأعضاء مجلس الأمة بغرفتيه، الأعيان والنواب.

وأما تقسيم الوظائف فله قصة خاصة، باتت تحتاج إلى مراجعة، دعماً للإصلاح المطلوب في أداء المؤسسات الحكومية، والذي ثبت أنه يمكن التحسين عليه بعد تجربة أزمة كورونا. يختل التناغم بين الشعب والقيادة أحياناً بسبب ظروفٍ معظمها خارجي، ولكن الشعب لا يمكن أن يفرِّط بالقيادة، وهي تبقى المرجعية الرئيسيّة له.

- الثاني أن الأردن يُؤْمِن بأنه جزء أساسي من الوطن العربي، ولا يسعى إلى أن يدخل في أي خصوماتٍ مع أحد، بل يكون هو المبادر للمصالحة.

- الثالث أن الأردن بلد مثقف. وعلى الرغم من الشكاوى الكثيرة، فإن حرية التعبير مكفولة إلى حد كبير، إلا إذا تطاولت وتجاوزت الحدود التي يتحول النقد فيها إلى شتائم.

- والرابع والأخير، يطبّق الأردن حكمة علّال الفاسي في النقد الذاتي، ولا يهمه ذلك، ويسعى إلى الإصلاح والتطوير. وهو في النهاية بلد متسامح مع الآخر، وكل إنسان فيه مطمئن إلى أن ماله وبيته وعرضه مصونة من السوء.

الأردنيون في الأيام العادية يتناقشون ويتدابرون، ولكنهم عند الشدائد جسد واحد خلف قيادتهم.

المساهمون