الاقتصاد في عهد مبارك... 30 عاماً من الفساد والفقر

26 فبراير 2020
الأزمات المعيشية سبب رئيسي لاندلاع الثورة وإطاحة مبارك(فرانس برس)
+ الخط -
رحل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أمس الثلاثاء، بعد 9 سنوات من إطاحته عقب ثورة الشعب على نظامه في 25 يناير 2011، إذ رفع المتظاهرون آنذاك شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية".

وشهد عهد مبارك الذي حكم مصر 30 عاما متناقضات عديدة في الملف الاقتصادي، إذ إن الحكومة كانت تعلن مؤشرات رسمية حول تحسن مختلف الأنشطة الاقتصادية، وفي المقابل كان الشارع يكتوي بنار الأسعار والفقر والبطالة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ زادت معدلات الفساد، كما سيطر رأس المال السياسي على السلطة ودوائر صنع القرار.

أرقام خادعة

في الفترة الأخيرة من حكم مبارك، وعلى عكس الأرقام الرسمية عن نمو الاقتصاد، تفاقمت معاناة المصريين المعيشية ووصلت إلى مستويات صعبة، لدرجة أن الشارع كان يغلي عبر مظاهرات عمالية وشعبية تندد بتدهور الأوضاع الاقتصادية وتطالب بزيادة الأجور ووقف قطار الغلاء الذي دهس ملايين الفقراء.

إلا أن مبارك ونظامه كانا يتجاهلان مطالب الشارع باستمرار بحجة عدم وجود موارد كافية رغم الإعلان عن زيادات كبيرة في معدلات النمو ودخل السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وغيرها.

ووفقا للأرقام والإحصاءات الرسمية في آخر عام لحكم مبارك، فإن مؤشرات الاقتصاد المصري الكلية كانت في تحسن شكلي.

وحسب بيانات رسمية، بلغ معدل النمو في العام الذي سبق إطاحة مبارك (2010) نحو 5.1% ووصل الناتج الإجمالي إلى 187.3 مليار دولار (1.1 تريليون جنيه تقريبا حسب أسعار السوق آنذاك). 

وبلغ الدين الخارجي نحو 33.6 مليار دولار، وهو ما يقترب من قيمة الاحتياطي النقدي في ذلك الوقت، بينما بلغ الدين المحلي 888.7 مليار جنيه، ليصل الدين العام إلى نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي.

وشهد قطاع السياحة في ظل حكم مبارك موجات من الصعود والهبوط تأثراً بالحوادث الإرهابية التي كانت تستهدف الدولة من وقت لآخر، وعلى الرغم من ارتفاع إيرادات السياحة إلى نحو 12.5 مليار دولار وعدد السائحين إلأى نحو 14.7 مليونا في نهاية عهد مبارك عام 2010، وظل دخل قناة السويس يدور حول معدله السنوي بنحو 5.5 مليارات دولار، فضلا عن الصادرات، وهي المصادر الرئيسية للاقتصاد المصري، إلا أن الأرقام التي تحققت عقب اندلاع ثورة 25 يناير كانت أفضل من الأرقام المحققة خلال فترة حكم مبارك.

وعلى الرغم من احتياطي النقد الأجنبي الذي بلغ نحو 37 مليار دولار، إلا أن جزءا من إيرادات الاحتياطي جاء من صفقات بيع الشركات والبنوك، ومنها بنك الإسكندرية رابع أكبر بنك في البلاد، اضافة إلى بيع شركات أسمنت وأسمدة ورخص شركات اتصالات.

تراكم المعاناة

لم تنعكس أرقام الاقتصاد الكلية على وضع المواطن العادي الذي تراجعت أوضاعه المعيشية مقارنة بتضخم ثروات الفئات الأعلى دخلا، لتزداد نسبة الفقر وتتراجع الطبقة الوسطى، فكانت الأزمات المعيشية الشرارة التي أشعلت ثورة يناير.

وفي دراسة لمعهد كارنيغي عام 2012 عن اقتصاد مصر قبل ثورة يناير فإن ثمار هذا النمو لم "تتسرّب" إلى المجموعات ذات الدخل الأدنى. وبلغ المتوسط السنوي لنصيب الفرد الواحد من الناتج المحلى الإجمالي في عام 2010 نحو دولارين بأسعار ذلك الوقت.

ومن ناحية توفير فرص العمل، ووفقا لدراسة بعنوان "ظاهرة النمو بلا فرص عمل" فإن معدلات النمو التي تحققت في مصر لم تنعكس على توفير فرص العمل، لأنها لم ترتبط بنمو في أنشطة كثيفة العمل أو تتزامن مع تغيرات هيكلية في سوق العمل.

وأضافت الدراسة أن تفاقم معدلات البطالة يرجع في المقام الأول إلى عدم نجاح السياسة الاقتصادية بشكل عام والسياسة الاستثمارية على وجه الخصوص في تحقيق معدلات نمو مرتفعة وكثيفة العمل في آن واحد، إذ بلغ متوسط معدل البطالة نحو 12% في الفترة من 2009-2016.

ووفقا للدراسة ذاتها فإن مصر عانت في الفترة من 2004 إلى 2010 من ظاهرة النمو بلا فرص عمل، ويعود ذلك إلى الطابع الهيكلي المزمن في تكوين الناتج التي تعتمد على مصادر غير مستدامة، وإلى جانب ذلك الانفصال بين الأداء الكلي وأداء سوق العمل، مع الدخول في مرحلة الركود التضخمي (ركود وارتفاع أسعار في ذات الوقت).

فضلاً عن تردي مستويات التعليم وعدم اقترانها بمتطلبات سوق العمل، كما أن سوق العمل في مصر ليس سوقا تنافسيا ولا توجد مؤسسات فاعلة ذات تأثير قوي.

ومن ناحية الأسعار، فقد ارتفع التضخم إلى 10% في العام الأخير من حكم مبارك، وأكد تقرير لغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية في ديسمبر/ كانون الأول 2010 استمرار الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية مثل السكر والقمح والأرز في الأسبوع الأول من نفس الشهر، فيما شهد الجنيه المصري معدلات هبوط قياسية أمام العملات الرئيسية.
ووفقا للتقديرات الدولية فإن نسبة المصريين الذين يعيشون دون خط الفقر وصلت إلى 25%، حسب بيانات رسمية.

ووفقا لعمرو حمزاوي في مقال منشور في سبتمبر/ أيلول 2010 فإن الشريحة العليا من أغنياء المصريين (تمثل 10% من السكان) رفعت نصيبها من الناتج المحلى الإجمالي إلى ما يقرب من 28%، ووفقا لبيانات بنك كريدي سويس فإن مصر تحتل المرتبة الثامنة الأسوأ عالميا من حيث توزيع الثروة.

فساد رجال الأعمال

وزادت أعداد الأثرياء بشكل كبير في مقابل تآكل الطبقة الوسطى وزيادة الفقر بنسب كبيرة.
وأصبحت طبقة من رجال الأعمال المقربة من نظام مبارك تسيطر فعليا ليس فقط على المشهد الاقتصادي بل أيضا على المشهد السياسي، أو ما بات يعرف بظاهرة "المال السياسي"، ومنهم رجل الأعمال أحمد عز الذي لقب وقتها بإمبراطور الحديد بسبب سيطرته على صناعة وتجارة الحديد في هذا الوقت.

وبداية من برلمان 2000 ثم برلمان 2005 والذي جاء بعد حكومة رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ازدادت نسبة رجال المال في السلطة التشريعية "البرلمان" وكذلك التنفيذية "الحكومة"، ومن ثم أصبحت التشريعات والسياسات تصب في مصلحة هذه الفئة على حساب باقي الشعب.

ولم تعد الخصخصة وما يتعلق بها من فساد في بيع ممتلكات الدولة أو التخلي عن العمالة هي فقط التي تسيطر على المشهد، بل تحول الاقتصاد إلى مرحلة الاحتكار لسلع بعينها وفقاً لدراسة للمعهد القومي للتخطيط مثل سلعتي الأسمنت والحديد.

ولم يكتف رجل الأعمال أحمد عز بالعمل الاقتصادي بل تولى رئاسة الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم وأمانة التنظيم في الحزب الوطني المنحل وعضو لجنة السياسات.

وهو ما ينطبق على عدد كبير من رجال الأعمال الذين باتوا يسيطرون على المشهد السياسي والاقتصادي وقاموا بتوجيه سياساته لتصب في مصلحتهم وتؤدي في النهاية إلى زيادة الاحتقان الشعبي واندلاع ثورة 25 يناير ثم تخلي مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011.

خراب اقتصادي

شهد عصر مبارك ما يشبه الخراب الاقتصادي، إذ كادت مصر أن تفلس في بداية التسعينيات لتجاوز حجم الديون الخارجية 52 مليار دولار، ولولا الدعم الخليجي السخي الذي حصل عليه مبارك عن مشاركة الجيش المصري في حرب تحرير الكويت لأعلنت البلاد إفلاسها مع ندرة موارد النقد الأجنبي في ذلك التوقيت.

كما شهد عصر مبارك زيادة تشريد العمالة وبيع عشرات من شركات قطاع الأعمال الرابحة، بما فيها شركات الحديد والإسمنت والأسمدة وهي من القطاعات الاستراتيجية التي فرطت بها حكومات مبارك المتوالية.

وخلال فترة حكم مبارك تفاقمت ظاهرة شركات توظيف الأموال والتي هددت القطاع المصرفي وسوق الصرف في فترة الثمانينيات، كما مرت البنوك بحالات تعثر ضخمة مع هروب عدد كبير من رجال الأعمال إلى الخارج وتهريب القروض التي حصلوا عليها، كما أفلست بنوك عدة، منها النيل ومصر أكستريور والمصري المتحد والاعتماد والتجارة والدقهلية والأهرام والمصرف الإسلامي وغيرها.

الأموال المنهوبة

استشرى الفساد بشكل كبير في جميع مؤسسات الدولة في عهد مبارك، وواجه مع رموز نظامه تهما عديدة بنهب الأموال العامة وتهريبها إلى خارج البلاد. وقدرت تقارير مختلفة الأموال المنهوبة بعشرات المليارات (أحد التقديرات قال إنها 130 مليار دولار).

وثبت وجود عقارات وأموال مهربة في بنوك أوروبا وخاصة سويسرا، إلا أن الدول وضعت شروطا لرد الأموال ومنها صدور أحكام نهائية ضد المتورطين. ولكن ذلك لم يحدث، ما دفع بعض البنوك إلى إعادة الأموال المنهوبة لأصحابها.

وعلى سبيل المثال أعلن النائب العام السويسري، مايكل لوبير، في عام 2016، فك تجميد 180 مليون فرنك سويسري (حوالي 175 مليون دولار) من الأموال المصرية المجمدة لدى بلاده، منذ عام 2011، وإعادتها لرموز نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي أطاحته ثورة 25 يناير عام 2011.

المساهمون