الاقتصاد بين الاستبداد و"الاتفاق النووي"

05 اغسطس 2015
رغم العقوبات الطويلة لم يكن النظام الإيراني معزولاً اقتصادياً(Getty)
+ الخط -
في قراءة متأنية لبنود الاتفاق الذي وقّعته إيران في جنيف والمعروف "باتفاق النووي" نخلص لنتيجة مفادها، أنه فيما عدا البند المتعلق بالإفراج عن رؤوس الأموال الإيرانية المجمدة في المصارف الغربية، كل البنود لا تعدو عن كونها تفاصيل ولا يعول عليها بإحداث تغييرات نوعية يمكن أن تعود بالمنفعة على عموم الشعب الإيراني.

فبند رفع العقوبات والذي يُسوق على أنه أهم انتصار للدبلوماسية الإيرانية ليس إلا حصان طروادة الذي سيهدم بالمعنى السياسي الأساس الأيديولوجي للنظام الذي أسسه الخميني، والقائم في جوهره على ادعاء العداء للعدو التقليدي للأمة. (يتقاطع نظام الملالي مع أعداء الأمة بصفة السطو على موروث الأمة ووعيها لمفردات هويتها). أما اقتصادياً، فلن يؤدي رفع العقوبات إلى تحسن مباشر وسريع في الاقتصاد الإيراني لانعدام المرونة وضعف الآليات الاقتصادية أمام بيروقراطية متغولة مستندة في قوتها إلى أيديولوجيا حاكمة ثنائية الاستبداد، ديني وعسكري.

رغم العقوبات الطويلة لم يكن النظام الإيراني معزولاً اقتصادياً عن باقي العالم وإن اضطر إلى حصر معظم معاملاته في بعض الشركاء الدوليين كروسيا والصين وتركيا. مع رفع العقوبات ستتمكن إيران من توسيع مجال تعاملاتها مع شركاء جدد. هذا التوسع في التعاملات التجارية لا شك مفيد على المدى الطويل للاقتصاد الإيراني لكنه في مداه القصير والمتوسط هو أكثر نفعاً وإفادة للشركاء الجدد الذين سيدخلون سوق الصفقات الإيرانية بعد رفع العقوبات.

اقرأ أيضا: سورية وأحجية النفط الإيراني

بهذا المعنى، سيكون بند رفع العقوبات البوابة التي ستدخل منها الشركات الغربية (الحلفاء الجدد) السوق الإيرانية طاردة شركات الحلفاء القدامى. ونتساءل: "هل حان الوقت لسحب الكارت الأبيض من يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والاستغناء عن خدماته وبالأخص في الملف السوري؟".

يجادل مريدو الولي الفقيه بأن الاتفاق سيتيح لإيران فرصة بناء قاعدة علمية ستعود بالنفع على مسيرة التطور العلمي والبحثي وبالتالي على مستوى التنمية والنمو الاقتصادي في البلاد. لا شك أن امتلاك المعرفة النووية يتطلب ويفترض الوصول إلى درجة معرفية متقدمة، وعادة ما تكون البلاد التي تصل العتبة النووية قد قطعت مراحل في التقدم التقني والعلمي. إلا أن الحال في إيران تختلف ومشروطة بغياب البيئة الحاضنة لانتشار المعرفة وإنتاجها والاستفادة القصوى من الموارد والطاقات الكامنة. فالنظام الإيراني، ككل الأنظمة الديكتاتورية، زرع ليبدد إمكانات المجتمع وطاقاته في مغامرات تحكمها نرجسية القائد الملهم الذي يلغي كل إبداع الإيرانيين وتاريخهم لصالح رؤية وحيدة لتطور المجتمع. ويعلم الجميع أن إيران تعتبر من بين الدول التي سجلت فيها أعلى نسبة اغتيالات للعلماء والمفكرين، ولا ننسى كيف استغل الخميني حربه مع العراق لتصفية الناشطين والمعارضين وخصوم السياسة.

تاريخياً، لم ينتج الاستبداد ولن ينتج سوى التخلف، وإن أغرت فكرة القبض على موارد الدولة والمجتمع بيد من حديد بعض الزعماء والمفكرين نظراً لما تنتجه من قدرة غير محدودة على توجيه وإدارة الموارد بشكل مركزي في سبيل إنجاز نهضة سريعة. إلا أن التاريخ ذاته يخبرنا بمحدودية فكرة "المستبد المستنير" أو على الأقل فهي محكومة بعدة شروط غير قابلة للتكرار في كل زمان ومكان. فتجربة ماو في الصين وستالين في الاتحاد السوفييتي مثلاً، هي تجارب فريدة في التاريخ يلزم لإعادة إنتاجها بلد بحجم الصين أو الاتحاد السوفييتي. قد يجادل البعض في ما نقول، لكن ما نعرفه أن لا الخميني كان كماو أو كستالين ولا إيران كانت أو ستكون كالصين أو الاتحاد السوفييتي.
(باحث اقتصادي)
المساهمون