الاستيطان في سلفيت... "حرب" على الخِرب الأثرية

22 يوليو 2024
المناطق السياحية والأثرية في الضفة أهداف للاحتلال والمستوطنين (مناحيم كاهانا/ فرانس برس)
+ الخط -

تضم محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية عشرات المواقع الأثرية والتراثية المهمة
التي تعود بعضها إلى العصر الحديدي. وأدرج قسم منها في قائمة التراث العالمي، وكلها ضمن مطامع الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.

إلى جانب التوسع الاستيطاني الذي لا يتوقف وسرقته آلاف الدونمات من أصحابها الفلسطينيين، يستهدف المستوطنون في محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة الخِرب الأثرية التي تشتهر بها، وتنتشر في أرجائها.
يوضح الناشط في مناهضة الاستيطان خالد معالي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال سيطر خلال الأعوام القليلة الماضية على العديد من الخِرب الأثرية التي تعود إلى أزمنة متنوعة، ومنع الفلسطينيين، خاصة أصحاب الأراضي الزراعية التي تضم هذه الخرب أو تقع في جوارها، من الوصول إليها، ثم عزلها عن محيطها عبر وضع أسلاك شائكة ونصب كاميرات مراقبة فيها، وربطها بغرف عمليات للجيش والمستوطنين الذين يتحركون فور رصد اقتراب أي فلسطيني منها".
يضيف، "لا يكتفي الاحتلال بسرقة الأرض، بل التاريخ أيضاً، من خلال نهب المناطق السياحية والأثرية، وتقديمها على طبق من ذهب للمستوطنين، في محاولة يائسة لتزييف التاريخ والجغرافيا، وخلق رواية مشوّهة يكذب بها على نفسه قبل الآخرين".
واستولى الاحتلال كلياً على خربتي دير قلعة بمساحة 17 دونماً و915 متراً ودير سمعان (6 دونمات)، ويقع كلاهما غربي سلفيت بعدما عمل سنوات على عزلهما تدريجياً عبر إحاطتهما ببؤر استيطانية من جهات عدة. 
ويصف معالي خربتي دير قلعة ودير سمعان بأنهما "من أهم المواقع الأثرية في سلفيت، فأرضية دير سمعان مرصعة بالفسيفساء البيضاء والملونة والرخام، كما تنتشر في الموقعين زخارف معمارية تعود إلى العهد البيزنطي، وتظهر بقايا أدراج وجدران كانت تؤدي إلى أديرة".
ويقول: "كان الفلسطينيون يذهبون حتى فترة قريبة إلى هذه الأديرة للتنزه، وكنا نرى قصد وفود سياحية لهما، أما اليوم فلا يمكن الاقتراب منهما أكثر من مسافة 500 متر. بدأت خطة السيطرة على الموقعين قبل أكثر من ثلاثة عقود عندما جرت مصادرة أراضٍ قريبة منهما واحدة تلو أخرى بحجج واهية، ثم وضع المستوطنون كرافانات وبنوا وحدات سكنية، وجرى تعليق لافتة باسم ليشم للبؤرة الاستيطانية".

أيضاً باتت في حوزة المستوطنين خربة قرقش، وهي لوحة فنية نُحتت بصبر وتأنٍّ في الصخر خلال العصر الروماني المسيحي القديم، ويعود تاريخها تقريباً إلى القرن الرابع ميلادياً.
ومن المواقع التي يحاول الاحتلال والمستوطنون الاستيلاء عليها حالياً تلة خلة حسان التي تقع في بلدة بديا غرب سلفيت ومساحتها نحو 4 آلاف دونم، إذ وضع المستوطنون يدهم على نحو 1100 دونم بعدما زوروا أوراقاً بملكيتهم لها، ثم خاض أصحابها لمدة عقد معركة قضائية لاسترداد نحو 900 دونم من مساحتها. ويقول المزارع عبد الهادي صفية لـ"العربي الجديد": "يسعى الاحتلال إلى إنشاء بؤرة استيطانية تمهيداً لإنشاء مدينة استيطانية كبيرة تفصل بين محافظتي سلفيت وقلقيلية وتسيطر على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة التي يملكها فلسطينيون في خمس قرى وبلدات، هي: بديا، وقراوة بني حسان، وسنيريا، وكفر ثلث، ودير استيا".

يحاول الاحتلال إقناع الرأي العام والمجتمع الدولي بوجود تاريخ قديم له فوق أرض فلسطين (مناحيم كاهانا/ فرانس برس)
يحاول الاحتلال إقناع الرأي العام والمجتمع الدولي بوجود تاريخ قديم له فوق أرض فلسطين (مناحيم كاهانا/ فرانس برس)

ومن أجل منع هذا المخطط، نفذت بلدية بديا مشاريع عدة من بينها تسييج أراضٍ ووضع غرف زراعية، ومدّ خط كهرباء، وحفر آبار ارتوازية، لكن الاحتلال أفشل بعض هذه المشاريع.
وتحتوي محافظة سلفيت على 140 موقعاً أثرياً تعكس تنوعاً حضارياً يعود إلى حقب زمنية مختلفة، مثل الآشورية والرومانية والإسلامية. 
ويقول الباحث الفلسطيني رائد موقدي لـ"العربي الجديد": "تعرضت مواقع وخرب عدة للدمار بسبب بناء الجدار الفاصل، مثل مغارة (النطافة) في بلدة الزاوية، كما جرى عزل جزء كبير منها خلف الجدار، مثل خربة (كسفة) غرب دير بلوط، وابتلعت المستوطنات مواقع أخرى مثل دير قلعة في قرية دير بلوط، ودير سمعان في بلدة كفر الديك المجاورة، وخربة الشجرة في مدينة سلفيت، كما تعرّض 39 مقاماً وقبراً لنبش وتخريب.
ويؤكد موقدي أن المستوطنين يعملون على تهويد تلك المواقع من خلال الادعاء بصلتها بالتوراة أو أنها تعود إلى أنبياء من بني إسرائيل مثل مقامات تعود إلى حقبة صلاح الدين الأيوبي في بلدة كفل حارس. وكان أهالي البلدة ينظمون مهرجاناً سنوياً في ساحة المقامات، ثم توقفت المهرجانات إثر زعم المستوطنين أنها تعود إلى أنبيائهم، وتكرارهم تدنيسها بحماية جيش الاحتلال.

يقول موقدي: "ينفذون على نار هادئة عملية أسرلة المواقع الأثرية وعبرنتها، ونسبتها إلى تاريخهم المزيف والمصطنع، كما هو الحال في بقية مناطق الضفة الغربية المحتلة، ويحصل ذلك بعدة وسائل وطرق حيث يتفنون في اختراع أسماء جديدة لهذه المواقع واصطناعها بهدف إقناع الرأي العام والمجتمع الدولي بوجودهم تاريخياً فوق الأرض الفلسطينية وبأحقيتهم فيها". وبالفعل، يطلق المستوطنون أسماء باللغة العبرية على مواقع أثرية قديمة بهدف الإيحاء أنها تتبع عصورهم الغابرة، فمن يدخل محافظة سلفيت يرى لافتات باللغة العبرية تشير إلى هذه المواقع مثل مستوطنة "بروخين" بدلاً من اسم بلدة بروقين، وعملت جامعة مستوطنة أريئيل على تزيف المواقع الأثرية ووضعت لافتات عبرية حول منطقة "برك حارس" الأثرية التي تعتبر منطقة بحوث تتبع لـ "أريئيل".  
ويشير موقدي إلى أن سلطات الاحتلال تخرق كل الاتفاقات التي تحافظ على الموروث الحضاري والثقافي أثناء النزاعات المسلحة، مثل اتفاقية لاهاي عام 1954 وأخرى دولية صدرت عام 1972 وتنص على عدم مسّ الاحتلال بالتراث الثقافي للمناطق التي يسيطر عليها. ويؤكد أهمية ترسيخ الوعي بأهمية الآثار وتاريخها لدى الفلسطينيين، وإحداث نقلة نوعية في نظرة الناس إلى التراث عبر إبراز قيمته التاريخية، وسرعة الحفاظ على المواقع الأثرية خاصة تلك التي تقع قرب المستوطنات قبل نهبها، وفضح الانتهاكات الإسرائيلية ضد المواقع الأثرية والحضارة والتاريخ الفلسطيني.

المساهمون