الإيهام بالواقع

31 يناير 2016
تجهيز لـ أمل قناوي/ مصر
+ الخط -

حين يضغط الفضاء الافتراضي لثورة المعلوماتية والاتصال، بسيولة لامتناهية عبر الفضائيات والإنترنت والموبايل، يتشكّل وعي مشوش لدى الفرد الذي يلاحق معلومات البث المتجدّد من الأحداث والأخبار.

ومن طبيعة وعي كهذا: أن تكون أنماط التجزيء والتجريد والتعميم خصائص مشكلة للصورة الذهنية التي يتصوّرها الفرد العادي حيال تمثّله لواقع الأحداث والأخبار والصور التي ترد إليه، بالضرورة، عبر أنساق مخفية لخطاب يراد تمريره.

ومن خصائص وعي كهذا، أيضاً، لا سيما في غياب ذهنية نقدية مستقلة، أن يجعل صاحبه نتيجة الضغط المستمر لتعدد المصادر واختلاف مرجعيات الصور والأحداث والأخبار رهيناً للملاحقة المستمرة التي تكاد تلغي كل أمل في التفكير والفحص النقدي؛ بحيث تبدو عملية المتابعة الحثيثة للأحداث والأخبار كما لو أنها مرجعيات مكتفية بذاتها، وأن تكرارها الذي تضخّه تلك الوسائط هو مبرر القبول بها، عوض أن تكون موضوعات للفحص والاختبار. وذلك بفعل سيل التحديثات التي تشتيت القدرة على التفكير النقدي، لا سيما حين تتصل موضوعات تلك الوسائط؛ من أخبار وأحداث وصور، بقضايا كبرى كالثورة والتغيير والعمل السياسي.

وفي مناخ مشحون ومتوتر كهذا، يمكن لكل "ناشط" بسيط يُراد تعويمه من خلال قنوات التلفزة، أو يتولّى هو تعويم نفسه بنفسه عبر الوسائط المتاحة، أن يكون مناضلاً فضائياً كبيراً أو باحثاً أو إعلامياً أو حتى خبيراً. ومع تكرار التعويم تتحوّل الصورة إلى حقيقة والإيهام بالواقع ـ الذي يضخه أي خطاب إعلامي ـ كما لو أنه هو الواقع ذاته.

هكذا تتجدّد تمثيلات لا متناهية من صناعة الأبطال المزيفين في الفضاء الافتراضي العام لتلك الوسائط، بطريقة تذكرنا بأسلوب عروض منتجات "نمو الشعر" في العقاقير التي تعرضها الدعايات المتلفزة للحالمين بالشفاء من داء الصلع.

ومع يقين أن من يستخدم ذلك العقار المعروض سيكتشف زيفه بسرعة، إلا أن محاولته، بعد ذلك، لتحذير الناس من زيف ذلك العقار، تبدو بلا طائل؛ فهو لن يكون سوى ضحية من ملايين الضحايا الذين يرون إعلانات تلك العقاقير في كل صباح جديد، وعلى مدى ساعات البث الـ 24. ذلك أن ما يوحي بجدوى العقار، لا تكمن في قدرته على الشفاء، بل في قدرته على العرض المذهل من ناحية، وفي الطبع البشري الذي يتفاعل معه عند اقتضاء الحاجة لذلك من ناحية ثانية.

والحال، أن من شاء أن يكون ناشطاً في وسائط التواصل الاجتماعي والميديا، يمكن أن يكون ناشطاً ومناضلاً كبيراً، مؤقتاً، لكن بالضرورة سيحل محلّه ناشط جديد؛ تلك هي قواعد اللعبة.



اقرأ أيضاً: حين تصبح الثقافة مناخاً نسقياً ضاراً

المساهمون