الإعلاميّون v\s صحافيي مواقع التواصل (2)

17 نوفمبر 2014
خلال "قمة الويب" في دبلن (Getty)
+ الخط -
"غيّر تطور التكنولوجيا الطريقة التي تغطي بها المؤسسات الإخبارية الصراعات حول العالم، لكن القيم الصحافية التقليدية مازالت قائمة". هاتان النقطتان شكلتا الخاتمة الأساسية لمؤتمر قمة الويب الذي عُقد مؤخراً في دبلن (عاصمة ايرلندا)، وشارك فيه ممثلون عن شبكة "تايم" وقناة "فايس نيوز" وموقع "ستوريفول".
"دور الصحافة لم يتغير كثيراً"، هذا ما يراه محرر التايم في أوروبا مات مكاليستر، فالتايم ما زالت ترسل الصحافيين للتقصي ميدانياً عن قصص وأخبار جديدة، لكنه يعترف بأن موقع تويتر هو المنافس الحقيقي لهم، وهو يهدد جميع وسائل الإعلام التقليدية، لكن بعضها نجا.
وأقر المجتمعون مصطلح "صحافة المواطن"، حيث يتحدث الشهود على حادثٍ ما وينشرون شهاداتهم على وسائل التواصل الاجتماعي كصحافيين حقيقيين. فـ"المواطن" العادي الآن تجاوز الإعلاميين القدامى باستخدامه هاتفاً مزوداً بكاميرا وأحد مواقع التواصل الاجتماعي، ليتم قلب وسائل إنتاج الخبر بشكل تام، حيث بات الجميع الآن قادراً على كتابة محتوى ما، واقتصر دور الإعلاميين القدامى على كونهم مديرين لمحتوى وفير.

المصدر والحقيقة
ولقد أقر مدير قسم برمجة الأخبار في فايس نيوز بأوروبا، كيفن ساتكليف، بأن موقع تويتر بالنسبة لهم هو مصدر للأخبار العاجلة التي تشق طريقها عبره. لكن أكد المجتمعون على أنه ليس جميع القيم القديمة ألغيت، إذ ما بات قديماً وبالياً التفكير بالتالي: "هل يمكنني الحصول على القصة؟ هل هي حقيقية؟ هل أنا مستعد للدفاع عنها؟"، فهذا المستوى من المصداقية في الحقيقة مهم جداً. فلا يكفي أن يكون لديك قصة، ولكن هل هي حقيقية؟ وما هي مصادرك؟ لذلك سيكون هناك نوعان من الصحافة يجريان على التوازي؛ الحقيقة على الأرض والتي تسمعها من الشهود على الحادثة، والمراسلون الأجانب والأشخاص أمثالنا الذين يقومون بالفلترة. كما أن بعض الجهات التي تقوم بالفلترة قد تكون ذاتها التي أرسلت المراسلين لموقع الحدث. مثلاً "تايم" لديها قسم يركز على الأخبار العاجلة والتي تكون مستقلة عن مراسليها على الأرض، حيث قاموا بتوظيف مجموعة من الشباب في نيويورك وهونغ كونغ والذين يعملون بشكل أساسي كخدمة أخبار عاجلة؛ فعندما تنشر أي مؤسسة إخبارية موثوقة خبراً ما، يكتبون سريعاً فقرتين أو ثلاث فقرات وينشرون الخبر.
يقول مارك ليتل (المدير التنفيذي لـ"ستوريفول"): "بهذه الطريقة نتولى أمر الأخبار العاجلة دون إرهاق مراسلينا. إنهم يقومون بعمل محتوى استثنائي يمكنك الحصول عليه لدينا فقط، وهذا ما تفعله "فايس نيوز" أيضاً".
مع ذلك كان ليتل دقيقاً في الحديث عن فكرة تغطية الأخبار العاجلة من قبل المؤسسات الإخبارية وقال عن ذلك: "أثبتت لنا وسائل التواصل الاجتماعي بأن نموذج الأخبار العاجلة انتهى للأبد. كعمل هو جيد جداً، لكن فكرة كونك بإشارة "خبر عاجل" المضيئة على الشاشة أصبحتَ أول من ينشر الخبر هي مجرد هراء، لأن أحدهم في الخارج شهد هذا الحدث".

رقابة ذاتية
وقد تم توضيح كيفية مراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي من خلال التركيز على إيجاد منشورات الشاهد على الإنترنت وعرضها لجمهور أوسع، يقول ليتل: "الأمر الأساسي بالنسبة لنا هو إيجاد القطعة الأساسية من المحتوى والتي ستعرّف القصة، إن كانت فيديو أو تغريدة أو غيرها. لدينا 40 صحافياً يعملون على مدار الساعة لإيجاد المصدر الحقيقي". وأضاف: "أهم شيء بالنسبة لنا هو تحديد الشخص الذي يحمل الكاميرا على الأرض ويستخدمها الآن، الثقة حلت محل السلطة على أنها العملة الجديدة في هذه البيئة". أحياناً تكون الثقة عملة زائفة، فبينما يدّعي المصورون تصوير تفجير في بلد ما قد تكون هذه الصور التقطت قبل عدة أشهر. في حين أن تغريدات تويتر يمكن أن تنتشر بسرعة كبيرة في أعقاب كارثة طبيعية أو هجوم إرهابي. هناك رقابة ذاتية متزايدة في وسائل التواصل الاجتماعية، ففي الوقت الذي لم يكن هناك طريقة أسهل من مواقع التواصل الاجتماعي لنشر خدعة ما، إلا أنها المنصة الأفضل للتأكد من الحقائق.
وهذا ما أكدته آن ماري تومشاك (مقدمة إذاعية ومنتجة في بي بي سي) بقولها: "الصحافيون ليسوا هم الوحيدين الذين يسألون كثيراً عمّا ينشر على الإنترنت، فمستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا مدركين تماماً لما يشاهدونه".

جيل الألفية
وقد لاحظ الصحافيون المجتمعون شهية جيل الألفية الجديدة للأخبار الجدية والشؤون الخارجية، وهم الأكثر نشاطاً على مواقع التواصل الاجتماعية الآن. قال ساتكليف: "ظهر هذا التفاؤل بعد نقاش مشوّق حول أخبار التراث، فالشباب لم يكونوا مهتمين بتلك الأخبار ولا مستعدين لمشاهدة أي شيء لمدة تزيد عن دقيقتين. لكن ما وجدناه على مدار الأشهر الستة الماضية جعلنا نغيّر منظورنا تجاه اهتمام هذا الجيل بالأخبار المحلية والعالمية، فهذا الاهتمام بات في تزايد ملحوظ".
وأشار مكاليستر إلى أنه منذ خمسة إلى عشرة أعوام مضت كان المعتقد التقليدي بأن الناس لا تهتم بالأخبار الخارجية، وأقرّ بأن الصفحات الإلكترونية لها دور كبير في اتجاه الناس للاهتمام بهذه الأخبار، فالمواقع الإلكترونية الإخبارية لا توظف مراسلين خارجيين عن عبث دون أن تزيد أخبارهم تدفق القراء للموقع. وأكد أن هذا الاتجاه مشجع حتى بالنسبة إلى اسم قديم كالـ"تايم"، يقول عن ذلك: "جميعنا نحتاج إلى المنافسة، فأنا أعتبر مراسلي المواقع الحديثة الرنانة في الشرق الأوسط كمنافسين، وهذا أمر مشجع على التقدم".

سباق تسلّح صحافي
أشادت تومشاك في عرضها برد فعل مستخدمي تويتر تجاه إعدامات وجرائم تنظيم "الدولة الإسلامية"، واقتبست حملة #WeAreN حيث قام الناس باستبدال صورتهم الشخصية بصورة شعار رسمه أعضاء في داعش على منازل المسيحيين لتمييزهم، وذلك تضامناً مع أصحاب البيوت، بالإضافة إلى نشر صورة الصحافي الذي تم إعدامه "جيمس فولي" عندما كان حياً، وذلك لمواجهة لما ينشره داعمي الدولة الإسلامية من صور لمقتل فولي. وأشارت تومشاك كذلك إلى أنه مع أن تويتر هو محط تركيز هذه الحملات إلا أن الأخبار العاجلة وتطبيقات التواصل على الهاتف المحمول لها دور هام أيضاً. وقالت: "أظن أن تطبيقات التواصل هي الآن المكان الذي ننشر عليه أخبارنا ونجد فيه قصصاً جديدة ونجمع أخباراً مختلفة، وستزداد أهمية هذه التطبيقات في هذا الاتجاه. وسائل التواصل الاجتماعي هي مكان للتغيير السياسي والثقافي والاجتماعي، وهي أيضاً واحدة من أهم الأسلحة الحديثة في الحرب".
حذّر ليتل في هذه الجلسة من استخفاف الصحافيين بمحاولات الحكومات لتخريب دور وسائل التواصل الاجتماعية هذا. وقال: "ستظهر أنواع جديدة من الصحافة، ونحن الآن في "سباق تسلح" مع جهات تمتد من وكالة الأمن القومي إلى الحكومة الصينية، الذين يحاولون قمع حرية التعبير واستخدام وسائل التواصل الاجتماعية للتقويض منها. جميعنا على الجهة الأخرى من هذا الصراع".
المساهمون