اشتداد تنافس الأحزاب التونسية على القواعد الدستورية

18 مايو 2019
تتصارع التكتلات الانتخابية لخطف أصوات قاعدة "النداء"(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


تشير التحركات والمعطيات الجديدة في الساحة الحزبية التونسية، إلى تزايد التنافس حول القواعد الدستورية والتجمعية (نسبة إلى حزب التجمع المنحل) باعتبارها مخزوناً انتخابياً هاماً وماكينة انتخابية، خبرت عبر السنوات كيفية التعامل مع الحملات الانتخابية، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الكوادر السياسية والمالية التي بقيت في وسط المشهد تبحث عن جهة حزبية تدعمها. ومع تزايد أزمات "نداء تونس"، تسعى كل الأحزاب القريبة منه إلى وراثة ما تبقى من أجنحته، من خلال تبنيها لنفس خطابه ومحاولة استعادتها لتموضعه قبيل انتخابات 2014. ولكن تفرّق الدستوريين إلى حوالي عشرة أحزاب، تحديداً خصوصاً قياداته وشخصياته المهمة والمرجعية، جعل تجميع هذا الخزان مهمة صعبة للغاية، بالإضافة إلى تعدد خطاباته وعدم وضوحها بشأن القضايا الكبيرة التي تطرح على الساحة.

وأمام هذا الوضع برز "الحزب الحر الدستوري" الذي تقوده التجمعية المعروفة عبير موسي، بخطاب راديكالي يقف ضد الثورة ورموزها ونتائجها، وبالأخص ضد حركة "النهضة"، مستغلة العثرات الاقتصادية والاجتماعية ومحملة إياها بالكامل لـ"النهضة" ولمنظومة الحكم، وطارحة نفسها بديلاً لها. واستطاعت موسي تحقيق بعض التقدم في استطلاعات الرأي الأخيرة، وجاء حزبها خامساً في نوايا التصويت للتشريعية بـ9.2 في المائة، ورئيسته في المرتبة الرابعة في اقتراع الرئاسيات بـ7.1 في المائة من نوايا التصويت. هذه الأرقام وعلى الرغم من أنها نسبية، أربكت بعض خصوم موسي، ولكنها دفعت في المقابل بعض منافسيها من الطامحين لوراثة قواعد "التجمّع"، إلى الدخول على خط المنافسة بقوة.

وجاءت آخر المبادرات من حزب "مشروع تونس"، أحد أول الأجنحة المنشقة عن "النداء"، بدعوة رئيسه محسن مرزوق، إلى عودة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي "لأنه بحسب الأخبار، مريض جداً، وقد أوصى، إذا حلّ الأجل والأعمار بيد الله، أن يدفن في السعودية". وأضاف مرزوق في تدوينة على صفحته الرسمية: "لم أكن أبداً من أنصاره ولا جمعتني به مصلحة أو اتفاق، وكنت مختلفاً مع جانب كبير من توجهاته السياسية، ولكنني في هذا الشهر الفضيل، أطلب له الرحمة الإلهية وتخفيف القضاء الذي لا بدّ له منه. فحكم القانون لا يتناقض مع الرحمة. والتونسيون أهل رحمة". وأضاف مرزوق "نحن طالبنا دائماً بإنصاف ضحايا الفترات السابقة من تاريخ تونس ولكن في إطار المصالحة. تونس انتقلت من عهد إلى عهد ولن تعود للوراء ولكن لن تستقيم أمورها بالانتقام والتشفي لأن آثاره عكسية".

كما شدّد مرزوق في تصريح إذاعي على أنه "لم يتحدث بخصوص موضوع صحة بن علي وعودته إلى تونس على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك فقط، بل طرح هذا الموضوع في أعلى اجتماع ممكن في الدولة التونسية أي في لقاء بين رئيس الحكومة والأحزاب المشكّلة للحكومة". وانتقد ما اعتبره "نفاقاً كبيراً، خصوصا أن اثنين من وزراء بن علي سابقاً موجودان حالياً في الحكومة وهما حاتم بن سالم ورضا شلغوم". وختم مرزوق بالإشارة إلى أن العديد يريدون الاستفادة من بقايا نظام بن علي.

هذه التصريحات التي أثارت جدلاً في تونس، دفعت بن علي إلى توجيه رسالة من السعودية، بحسب محاميه في تونس منير بن صالحة، قال فيها إن "العديد من التصريحات تتالت داخل تونس تداولت اسمي ووضعي الصحي وعدداً من المسائل التي تهم شخصي كرئيس سابق للجمهورية التونسية، رافضاً رفضاً تاماً أن يتحول شخصي إلى موضوع للتوظيف والاستثمار السياسي". وأكد في الرسالة عدم صحة ما ذهب إليه مرزوق من أنه مريض جداً وأنه سيدفن بالسعودية، مشدداً على أنه بصحة جيدة.



هذا الجدل حول عودة بن علي، غير ذي جدوى لأسباب قانونية وسياسية كثيرة، وأثار عدداً من ردود الفعل الحزبية، وأكد المتحدث الرسمي باسم حركة "النهضة" عماد الخميري، يوم الأربعاء الماضي، في تصريح إذاعي خلال ندوة صحافية حول حملة التسجيل للانتخابات التشريعية والرئاسية، أن "بن علي مواطن تونسي ككل المواطنين يسري عليه ما يسري على كل المواطنين من تطبيق القانون". وقال "هناك قوانين يحتكم إليها بن علي وغيره وهو مواطن تونسي عليه أحكام، وإذا كان يريد أن يكون تحت طائلة القانون فهو ككل التونسيين تسري عليه كل القوانين الموجودة في البلاد. وحركة النهضة مع تطبيق القوانين الموجودة في البلاد". ويبدو طرح موضوع عودة بن علي ووضعه الصحي مناورة سياسية بامتياز ورسالة استمالة لبعض قواعده، خصوصاً تلك التي ذهبت إلى حزب عبير موسي الذي يتبنى خطاباً تجمعياً بالكامل.

ولكن التنافس على تجميع هذه القواعد لا يتوقف عند هذه المسألة، فهناك حديث أيضاً عن محاولات إحياء ما يسمى ب"النداء التاريخي" أي الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي قبل الانتخابات الماضية وتمكّن من خلاله من الفوز بالتشريعية والرئاسية. ولأنها محاولة يائسة خصوصاً مع تشتت هذا الحزب إلى أحزاب كثيرة وفشل كل المحاولات السابقة في لمّ شتاته، تسعى بعض المكونات الحزبية إلى الالتقاء من جديد، من بينها "مشروع تونس"، وشق "النداء" الذي يقوده سفيان طوبال المعارض لحافظ قائد السبسي.

وأكد الأمين العام لهذا الشق من "النداء"، عبد العزيز القطي، أنه سيجري توحيد كتلة "النداء" مع كتلة "مشروع تونس" والاتفاق حول رئيسها، مشيراً إلى أن توحيد العائلة الوسطية هو دور كل من يرغب في التجميع ولم الشمل لاسترجاع "النداء" التاريخي.

وهذا الحديث ليس جديداً فقد سبق للنائب عن كتلة "الحرّة" التابعة لحركة "مشروع تونس"، حسونة الناصفي، أن أكد منذ أشهر وجود مشاورات بين حركة "مشروع تونس" وحزب "تحيا تونس" وحركة "نداء تونس" من أجل توحيد العائلة الديمقراطية الوسطية، مضيفاً أن الأمين العام محسن مرزوق قدّم عدّة تنازلات بهدف تحقيق هذا المبتغى على غرار التنازل عن الزعامة والبقاء في الصف الثالث أو الرابع، حسب قوله.

وأمام فشل المشاورات حتى الآن مع "تحيا تونس" وانقسام "النداء" إلى حزبين جديدين، يبدو التوجه مرحلياً إلى تجميع المشروع مع أحد الشقين في انتظار التحاق البقية بهما لاحقاً إذا توفرت ظروف ذلك، في حين يتحدث البعض عن تنسيق بين المكونات التجمعية لكل هذه الأحزاب، وربما يدخل حزب عبير موسي على الخط أيضاً، على الرغم من اختلاف الخطابات مع هذا الحزب وتبادل الاتهامات مع رئيسته.

وجاءت استقالة مديرة الديوان الرئاسي، سلمى اللومي، لتشير إلى بذل آخر الجهود للملمة هذه الشظايا، إذ اعتبرت في تدوينة على صفحتها الرسمية في "فيسبوك" أن "الوضع الاجتماعي والاقتصادي خصوصاً السياسي اليوم دفعها للاستقالة والتفرغ لهدف مصيري لتونس وهو المساهمة في تجميع العائلة الوسطية التقدمية وتوحيدها ووضع حد لتشتتها وانقسامها قبل فوات الأوان". وكانت العديد من الأخبار أكدت منذ أيام التحاق اللومي بشق "نداء تونس" المنافس للسبسي الابن، وإمكانية توليها رئاسته في انتظار تجميع الشقين في مرحلة أولى ثم بحث تحقيق هذا الهدف الكبير في تأسيس كتلة حزبية كبيرة منافسة لحركة "النهضة"، أثبتت كل التجارب إلى حد الآن أنها مجرد طموحات لا غير.