في موازاة ذلك، تسود أجواء حذر في الأوساط السياسية والشعبية من أن الحرب الإسرائيلية في لبنان اليوم، بدعم سعودي وأميركي، باتت أقرب من أي يوم مضى، لا سيما في ظل استبعاد احتمال الحرب الأهلية، نظراً لعدم وجود طرف عسكري داخلي قادر على الوقوف في وجه حزب الله، ما يجعل الحرب الإسرائيلية هي المرجحة بدعم سعودي وأميركي، في ظل التحالف السعودي الإسرائيلي شبه المعلن، والرغبة المشتركة لدى الأطراف الثلاثة في مواجهة إيران ووكلائها في المنطقة.
وقد سارعت إيران، عبر مستشار رئيس البرلمان الإيراني حسين أمير عبداللهيان، إلى الرد على الحريري، إذ وصف استقالته بالقرار المتسرع، معتبراً أنها ستنعكس سلباً على المنطقة وسيستفيد منها أعداؤها، وكان مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام قد ذكر أن استقالة الحريري جاءت بعد تنسيق مع كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بهدف إثارة توتر المنطقة. ورأى هو الآخر أن قرار الاستقالة ليس حكيماً، وأنها لن تحمل خيراً للبنان، كما تهدف لإيجاد العداء ضد محور المقاومة، مضيفاً كذلك أنها تأتي بعد هزيمة أميركا وتراجع داعش في المنطقة.
في موازاة ذلك، انقسمت الآراء الصادرة عن القوى السياسية اللبنانية بين من دعم خطوة الحريري صراحة (القوات اللبنانية) وبين من أكد أنه فوجئ (حزب الكتائب اللبناني)، فيما أجّلت قوى أخرى حسم موقفها، فيما كان بارزاً ترويج القوى المحسوبة على حزب الله، على غرار رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، لخضوع الحريري لإقامة جبرية، في الوقت الذي عمد فيه تلفزيون المنار التابع لحزب الله إلى نشر خبر مفاده أن الحريري أعلن استقالته من مكان مجهول قبل أن ذكر الرياض كمقر له، وذلك بالتزامن مع انتشار صور تقارن بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الذي يتخذ من الرياض مقراً له وبين وضع سعد الحريري الجديد.
أوجه عدة للمواجهة
ولم يكتف الحريري، والذي طبع اسمه على مراحل عدم الاستقرار في لبنان، مع استقالته أمس من حكومته الثانية (18 ديسمبر/ كانون الأول 2016 - 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017"، أمس السبت، بإعلان الاستقالة، بل هاجم إيران و"حزب الله" بشكل مُباشر وأعلن عن "أن يد إيران ستقطع في العالم العربي".
كذلك ظهر الحريري أمس كأنه قد اكتشف للمرة الأولى حزب الله وبعد أقل من عام على توليه رئاسة الوزراء للمرة الثانية، بقوله "للأسف وجدت (إيران) من أبنائنا من يضع يده في يدها بل ويعلن صراحة ولاءه لها والسعي لخطف لبنان من محيطه العربي والدولي بما يمثله من قيم ومثل، وأقصد في ذلك حزب الله الذراع الإيراني، ليس في لبنان فحسب بل في البلدان العربية"، على الرغم من أن الحريري اختار العودة إلى رئاسة الحكومة العام الماضي بعد انتخاب مرشح "حزب الله" للرئاسة ميشال عون، وبعد أن أسقط حزب الله وحلفاؤه حكومته الأولى (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 - 12 يناير/ كانون الثاني 2011).
كذلك برّر الحريري استقالته بوجود "أجواء مشابهة للمرحلة السابقة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري" و"استشعاره بخطر على حياته"، فضلاً عن تسريبات عدة عن إحباط مخطط لاغتياله نفته قوى الأمن الداخلي في وقت لاحق. وقد ربطت مصادر سياسية عربية تحدثت لـ"العربي الجديد" بين حديث الحريري عن مخاوف أمنية وبين وقائع اللقاء الذي جمع الحريري بمستشار المرشد الإيراني للشؤون الخارجية علي ولايتي، أول من أمس الجمعة. وتقول المصادر إن ولايتي "نقل للحريري رغبة إيرانية بسماع موقف واضح منه بشأن الخلاف الإيراني السعودي، وبلغ الأمر حد تخييره بين المحورين في المواجهة المُتوقع ارتفاع حدتها بين الطرفين". وهو ما اعتبره الحريري تهديداً استوجب العودة إلى السعودية بعد يومين فقط على زيارتها. ليُترجم الحريري في خطابه، وفي فك الارتباط مع "حزب الله" عبر الحكومة، تصريحات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، عن نية المملكة "تطيير الحزب".
وأشارت المصادر السياسية نفسها التي تحدثت مع "العربي الجديد" إلى أن "الحريري تلقّى رسالة قاسية من الإيرانيين تشبه رسالة (رئيس الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان في ذلك الحين) رستم غزالة لوالده، فأبلغه السعوديون بوضوح أنه عليه الاستقالة".
ويزيد الواقع السياسي الداخلي تعقيداً تلاقي الخطوات السياسية السعودية مع العقوبات المالية المُتلاحقة التي تُعدّها الإدارة الأميركية لتجفيف تمويل الحزب المُنخرط في معارك سورية واليمن والعراق. كذلك لا تبدو إسرائيل بعيدة عن أجواء التصعيد من خلال التلويح بعدم قبول تحول لبنان وسورية إلى جبهة شمالية موحّدة ضدها، ومواصلة قصف مواقع حدودية بين لبنان وسورية ينشط فيها "حزب الله".
وبعد خطوة الاستقالة، تتجه الأنظار لمعرفة الخطوة التصعيدية المقبلة، في وقت تبدو فيه جميع السيناريوهات الواردة، خصوصاً بعد أن عمدت الرياض على مدى الأسابيع الماضية، إلى حشد حلفائها في لبنان خلف الحريري، عبر سلسلة زيارات قاموا بها، بما في ذلك ما تسرب عن وجود وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي في السعودية، في حين أشارت معلومات أخرى إلى عودته أمس إلى لبنان قادماً من إيطاليا وليس السعودية. مع العلم أن الخلاف بين الحريري وريفي كان على إدارة الصراع الداخلي مع حزب الله، واتهام ريفي للحريري بتقديم التنازلات المتكررة للحزب.
ومع ارتفاع الخشية من ملء الفراغ السياسي الذي أنتجته استقالة الحكومة عبر الشارع أو عبر الأعمال الأمنية من قبل أي من أطراف الأزمة، تتعدد الاحتمالات المطروحة، بما في ذلك إمكانية أن يتخذ التصعيد بعداً إضافياً من قبل الرياض - الحريري، كأن يؤلف الحريري حكومة منفى، أو أن يختار الحزب وحلفاؤه المضي في مواجهة سياسية من خلال تسمية شخصية سنية محسوبة عليهم لرئاسة الحكومة، أو تكليف الحريري بتصريف الأعمال لمدة غير مُحددة بانتظار اكتمال عوامل التسوية أو التصعيد الإقليميين.
عون محرج
وأحرج قرار الحريري رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي تكلل العام الأول من عهده باستقالة أولى الحكومات فيه، وبعد أقل من سنة واحدة على تشكيلها. كذلك أحرج مُختلف القوى السياسية التي وافقت مع الحريري على خيار ربط النزاع مع "حزب الله".
وقد حاول عون شراء الوقت، من خلال الإعلان أمس أنه "ينتظر عودة الحريري إلى بيروت للاطلاع على ظروف الاستقالة وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه". ويحاول عون اليوم التوفيق بين موقعه كرئيس للجمهورية ودوره باعتباره الحليف السياسي الأول والأقوى لـ"حزب الله" في لبنان، علماً أن عون لم يوفر مُناسبة بعد انتخابه رئيساً إلا واستفاد منها للتأكيد على أهمية وجود سلاح الحزب. وهو ما يفسر الموقف الذي اتخذه رئيس التيار الوطني الحرّ، وزير الخارجية جبران باسيل، صهر عون، إذ طلب من محازبي التيّار التزام الصمت. وطلب في تعميم إلى المسؤولين في "التيار الوطني الحر" والوزراء والنواب والقياديين ضرورة التزام الصمت وعدم التعليق على الاستقالة في الوقت الراهن.
في موازاة ذلك، برزت دعوة رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والذي غرّد عبر تويتر قائلاً "بصراحة فإنّ لبنان أكثر من صغير وضعيف كي يتحمل الأعباء الاقتصادية والسياسية لهذه الاستقالة. كنت وسأبقى من دعاة الحوار بين السعودية وايران". كذلك علّق على حديث الحريري بالخشية على حياته قائلاً "ومهما كانت الصعوبات فإن التضحية من أجل الحد الأدنى من الوفاق والحوار يجب أن تكون الأساس من أجل لبنان. أما حياة المرء فمرهونة بالأقدار"، قبل أن يضيف "ألم تسمعوا بالآية الكريمة "يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة".
وكانت قد برزت محاولة استيعاب محلية للتصعيد السعودي والأميركي ضد "حزب الله"، كاللقاء الذي جمع الحريري برئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قبل أسبوعين. وإن بقيت تفاصيل اللقاء غير مُعلنة، إلا أن التاريخ القريب يُسجل أدواراً محورية لبري وجنبلاط في ترجيح كفة الأطراف السياسية من خلال تبني أو رفض مشاريعها. وسبق أن حاول الرجلان أداء دور وسطي بعد إقالة حكومة الحريري الأولى وفرض "حزب الله" تسمية نجيب ميقاتي رئيساً من بعده.