يمثل الإعلان عن عقد أول لقاء رسمي أمام وسائل الإعلام بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، نقطة تحول جديدة في المشهد السياسي المصري وعلاقات القاهرة الخارجية، ليس فقط على مستوى العلاقة المباشرة القائمة والمتطورة مع إسرائيل، بل أيضاً على مستوى الجهود التي يبذلها السيسي لتقديم نفسه للمجتمع الدولي – وبصفة خاصة الولايات المتحدة وأوروبا - كعرّاب لتوطيد ركائز التطبيع بين العرب وإسرائيل، ولاعب إقليمي مهم لتحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية على طريق مصالحة فلسطينية إسرائيلية برعاية أممية أميركية.
وسبق أن أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن السيسي التقى نتنياهو في قمة مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في العقبة في يناير/ كانون الثاني 2016، بحضور وزير الخارجية الأميركي في ذلك الحين جون كيري. ولم تنفِ الحكومات الثلاث المعلومات المسربة عن تلك القمة، بل إن الرئاسة المصرية أصدرت حين الكشف عنها بياناً يكاد يؤكدها ضمنياً ويلمح إلى أنها أتت "في إطار المساعي المصرية لإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية".
واكتفى الطرفان الرسميان بإصدار بيانين عن اللقاء تضمن حديثاً عاماً عن مساعي استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل بهدف التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، إلا أن مصدراً مصرياً في نيويورك قال لـ"العربي الجديد" إن ثلاث قضايا رئيسية شغلت معظم وقت اللقاء.
أولاها مساعي نتنياهو والسيسي لضم عدد أكبر من الدول العربية إلى السلام مع إسرائيل –وبصفة خاصة السعودية - لا سيما بعدما أصبح بينها وبين إسرائيل علاقات مباشرة بالتنسيق في خليج تيران بالاشتراك مع مصر. أما القضية الثانية فهي تتعلق بآفاق التعاون الإسرائيلي مع الحكومة التي ستفرزها الانتخابات الفلسطينية العامة التي ستشارك فيها حماس وفتح، تطبيقاً لاتفاقيات التقارب بينهما ومستقبل قيادة فتح والسلطة الفلسطينية، ارتباطاً بتجدد طرح القيادي الفتحاوي المفصول من فتح محمد دحلان كبديل للرئيس محمود عباس ومجموعته. أما القضية الثالثة فهي تطوير التنسيق الأمني والاستخباراتي في مواجهة تنظيم داعش.
أما في ما يتعلق بالقضية الثانية، فقد ذكر المصدر أن رؤى الطرفين متفقة على ضرورة توحيد السلطة الفلسطينية، لكن البنود التفصيلية تثير خلافات ومخاوف إسرائيلية، فنتنياهو ليس موافقاً على أن تستخدم "حماس" الانتخابات المتفق عليها لتقنين وضعها في السلطة. كما أنه يبدو متعجلاً لوصول دحلان إلى السلطة الفعلية، وهو ما لا يناسب مخططات مصر. فعلى الرغم من خلافات سلطة السيسي مع عدد من القادة حول عباس، إلا أن الأخير لا تزال له كلمة مسموعة في دول كبرى بالمنطقة، خصوصاً في السعودية، وهو ما يضطر السيسي إلى عدم التفكير جدياً في إزاحته بسرعة.
وتبقى القضية الثالثة الخاصة بمكافحة الإرهاب في سيناء والأراضي الفلسطينية برسم التعاون الحاصل حالياً بين الطرفين، إذ حضر اللقاء قادة الاستخبارات المختصين بالملف في الدولتين. وأشار المصدر إلى أن "هناك اتفاقاً على أن تؤدي مصر دور الوسيط المعلوماتي بين إسرائيل وحماس في ما يتعلق بتحركات عناصر تنظيم داعش في سيناء وقطاع غزة، فضلاً عن تطوير التنسيق العسكري في هذا الشأن".
وبحسب المصادر، فإن "حرص السيسي لأول مرة على الإعلان عن لقائه بنتنياهو، في ظل رغبة نتنياهو الدائمة في الإعلان عن لقاءات بهذا المستوى وبهذه الأجندة، يوضح تغير قناعة السيسي وتبدد تخوفه من الضغوط الشعبية، خصوصاً أنه استطاع عبور أزمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، والتي كان معروفاً أنه سيتم استخدامها لإدخال السعودية طرفاً في العلاقات الأمنية والسياسية القائمة بين مصر والأردن وإسرائيل، في ظل تحركات حركة حماس لإعادة تموضعها الإقليمي والانفصال عن الأجندة الكلاسيكية لتيار الإسلام السياسي وسحب البساط من تحت أقدام الجيل القديم من السلطة الفلسطينية". وهو ما يشكل – بحسب رؤية تلك المصادر - بعض عناصر "صفقة القرن" التي أطلق عليها السيسي هذا الاسم خلال زيارته الماضية إلى واشنطن.
وأشارت المصادر إلى أن الفرصة أصبحت سانحة الآن أكثر من أي وقت مضى لتحقيق رغبة نتنياهو ومستشاره إسحق مولخو، بعقد قمة إقليمية في شرم الشيخ أو مدينة مصرية أخرى بحضور مصري إسرائيلي أردني فلسطيني، مرجحة أن تجرى تلك القمة أو أن يتم تبادل الزيارات بين السيسي ونتنياهو العام المقبل.
وأولى السيسي أهمية قصوى للدوائر اليهودية في زياراته المتكررة إلى نيويورك، وشكل رجال الأعمال الأميركيون اليهود وقادة المنظمات اليهودية معظم المدعوين للقاء عقده السيسي أمس الأول، ووجه فيه رسائل تطمينية عدة لواشنطن بشأن تنفيذ قانون العمل الأهلي الجديد ودعم الشراكة مع المستثمرين الأميركيين.
وأبرزت الرئاسة المصرية في بيانها عن اللقاء تلقي السيسي "إشادات بالخطوات التي اتخذتها مصر للحفاظ على التراث اليهودي". وفي سياق تحليل الأهداف المحتملة للسيسي، شدد المصدر الحكومي نفسه على أنه "لا توجد أي موانع قانونية لإرجاء تشكيل الهيئة التي من المقرر أن تبدأ إجراءات الانتخابات الرئاسية في فبراير/ شباط المقبل، لكن السيسي على ما يبدو ينتظر إشارات صريحة من واشنطن حول ما إذا كانت تكتفي بما يؤديه من أدوار إقليمية لتغض البصر عن مسألة التحول الديمقراطي".
وبحسب المصدر، فإن تلك المسألة "لم تعد أمراً ملحاً بين كثير من المنظمات اليهودية التي يلتقي ممثلوها باستمرار، والمعروفة بقربها من الحزب الجمهوري، وهو ما يشجع السيسي على حملها لمساعدته في إقناع مزيد من المسؤولين والدوائر في واشنطن". واستطرد المصدر الحكومي قائلاً: "ليس من المنتظر بالتأكيد أن تخرج واشنطن ببيانات ترحّب بتعديل دستوري أو بإرجاء الاستحقاق الرئاسي، لكن ما يرغب به السيسي ألا يفاجأ بعد اتخاذ قرار بهذا الشكل بقرار أميركي بتخفيض المساعدات أو استمرار تعليقها، وهو ما يتطلب منه عملاً كبيراً لحشد مؤيدين له في واشنطن، والمنظمات اليهودية هي الأقرب لأداء هذا الدور".