تحل اليوم الذكرى الرابعة والأربعين لحرب أكتوبر/ تشرين الأول العام 1973، النصر العسكري المصري الوحيد في القرن العشرين، والتي استبقها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بمراسم احتفالية، أول من أمس، شملت زيارة قبر الجندي المجهول، وضريحي الرئيسين الراحلين أنور السادات وجمال عبد الناصر، وإلقاء كلمة متلفزة ركزت على "السلام كهدف أسمى للحرب"، عقد بعدها اجتماعاً مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكامل تشكيله.
الصورة الرسمية للمجلس العسكري، والتي وزعتها وزارة الدفاع على الصحف عقب الاجتماع، خلا الصف الأول منها للمرة الأولى، في مثل هذه المناسبة، من "أبناء جيل أكتوبر"، وهم القادة الذين شاركوا في الحرب، والذين كانوا يشغلون قيادة معظم الأسلحة العامة والتخصصية خلال عهدي الرئيسين المخلوع حسني مبارك، والمعزول محمد مرسي، وخلال فترة عام ونصف العام التي تولى فيها المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
فللمرة الأولى تحل ذكرى نصر أكتوبر، فيما تخلو المناصب القيادية بالجيش المصري من أي عنصر شارك في تلك الحرب، وذلك على خلفية التغييرات التي أجراها السيسي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بإبعاد القائد السابق للدفاع الجوي، الفريق عبد المنعم التراس، والذي أحيل إلى التقاعد بقرار من السيسي عن عمر 64 سنة. وكان التراس آخر عضو في المجلس العسكري شارك في قتال إسرائيل، ويحمل ميدالية حرب "6 أكتوبر"، والتي كان معظم أعضاء المجلس العسكري ممن يحملونها منذ 4 أعوام فقط. إلا أن التغييرات المتعاقبة التي أجراها الرئيس المصري، فتحت الباب أمام القيادات من جيل السيسي ووزير دفاعه، صدقي صبحي، والجيل الذي يليه، وقد تخرجوا جميعاً بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل فعلياً. وتقتصر الخبرة العسكرية الميدانية للسيسي وجميع أعضاء المجلس العسكري المصري حالياً، على المشاركة في حرب الخليج، أو في دورات القوات متعددة الجنسيات. كما أن معظمهم، لا سيما السيسي وصبحي ورئيس الأركان، محمود حجازي (صهر السيسي)، حازوا على درجاتهم العلمية العسكرية الأساسية في الولايات المتحدة خلال فترة التسعينيات، التي شهدت ازدهار التعاون العسكري بين القاهرة وواشنطن كجزء من المساعدة الأميركية العسكرية لمصر. كما يضم المجلس العسكري حالياً قائدين لم يدخلا الجيش المصري إلّا بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، هما قائد الدفاع الجوي، اللواء علي محمد علي فهمي، وقائد القوات البحرية، اللواء أحمد خالد حسن. ولم يعد هناك قائد عسكري مصري أكثر خبرة من السيسي نفسه، لا سيما بعد الإطاحة بالتراس، ومن قبله باقي أبناء جيله. وعلى الرغم من أن حجازي أكبر سناً من السيسي إلا أنه ليس أكثر خبرة، فهو تخرج معه في دورته نفسها، كما تلقى السيسي دورات أكثر عدداً وكفاءة من حجازي.
وتوضح مصادر قريبة من المؤسسة العسكرية أن السيسي كان "ينوي منذ اليوم الأول لخلعه البزة العسكرية، القيام بحركة التغيير الواسعة هذه في المجلس العسكري، لكن بعض القيادات نصحته بالتريث وعدم إجرائها مرة واحدة، بل على مراحل ولأكثر من عام، حتى لا تثير قلاقل أو اتفاقات ضده بين عدد من القيادات المتضررة"، مشيرة إلى أن "الدافع المباشر للتغيير هو اعتقاد السيسي، شأنه شأن جميع العسكريين المصريين، بضرورة أن يكون القائد العام أكثر خبرة من باقي القيادات، وأن يكون رئيس الجمهورية من خلفية عسكرية وأكثر خبرة من قيادات المجلس العسكري لتسهل السيطرة عليهم". وتضيف المصادر أن "معظم المعارضين لترشح السيسي لرئاسة الجمهورية من داخل المجلس العسكري كانوا أكبر منه سناً، أو أكثر خبرة في الأسلحة القتالية، نظراً لأن طبيعتهم الشخصية والمهنية كانت بعيدة عن العمل السياسي". وكانت مصادر مطلعة على الشؤون العسكرية المصرية قد ذكرت في تصريحات سابقة، لـ"العربي الجديد"، أن التراس، آخر ممثلي جيل أكتوبر الذين أطيح بهم، كان موضع مقارنة دائمة داخل الجيش بالسيسي وحجازي من حيث الخبرة القتالية والكفاءة العسكرية، كما كان أقوى المرشحين لتولي رئاسة أركان القوات المسلحة مرتين: الأولى عندما أطاح مرسي بالمشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان من القيادة العامة ورئاسة أركان الجيش في 12 أغسطس/ آب 2012. لكن مرسي عيّن السيسي وصبحي بدلاً منهما على التوالي، وأوكل قيادة سلاح الدفاع الجوي للتراس الذي كان آنذاك مديراً لكلية الدفاع الجوي، على الرغم من أنه كان معروفاً بخبرته الواسعة وقربه من القيادة.
أما المرة الثانية، فكانت عندما عقد السيسي عزمه على تولي رئاسة الجمهورية مطلع عام 2014. ولم يكن أحد داخل المجلس العسكري يتوقع أن يختار السيسي صهره حجازي رئيساً للأركان باعتباره مديراً للاستخبارات الحربية، وهو جهاز نوعي وليس قتالياً. وفي ذلك الوقت، كانت كل المؤشرات تصب في صالح تصعيد صبحي وزيراً للدفاع والتراس رئيساً للأركان، ليس باعتباره القائد الأقدم بين أقرانه وحسب، بل أيضاً لخبرته القتالية الميدانية، إلّا أن السيسي، وبعد اتصالات مع باقي أعضاء المجلس العسكري، قام في مارس/ آذار 2014، بتصعيد صهره لرئاسة الأركان متجاوزاً كلاً من التراس، واللواء أحمد وصفي، الذي كان يتولى قيادة الجيش الثاني الميداني، واللواء محمد فريد حجازي الذي كان يعتبر الرجل الثالث في المجلس العسكري خلال فترة توليه إدارة البلاد، ويتمتع بخبرة ميدانية كقائد سابق للجيش الثاني الميداني ثم الحرس الجمهوري (الذي كان يتولاه طنطاوي قبل اختياره وزيراً) بالإضافة إلى خبرة إدارية طويلة. ومن بين القيادات الأكبر سناً من الرئيس المصري، ما زال السيسي يحتفظ بحجازي كأمين عام لوزارة الدفاع وأمين سر المجلس العسكري، نظراً لوقوفه بجانبه منذ 2012 ومساعدته في تهيئة المجلس لقراراته المتلاحقة بتصعيد حجازي والإطاحة بوصفي ثم التراس، ولا سيما أن حجازي والسيسي يوصفان كاثنين من الأتباع المخلصين لوزير الدفاع الأسبق، حسين طنطاوي. كما يحتفظ السيسي حتى الآن باللواء ممدوح شاهين، كمساعد لوزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية ومستشار غير معلن للشؤون القانونية في رئاسة الجمهورية، نظراً لخبرته الطويلة في هذا المجال وقدرته المعروفة على التواصل مع الأجهزة القضائية والقانونية، فضلاً عن استحالة تحوله إلى منافس على المناصب القيادية في وزارة الدفاع أو الجيش بسبب تخصصه الفني المكتبي وعدم ممارسته العمل العسكري منذ عقود.