أمهات لبنانيات في الامتحانات

05 يوليو 2017
مراجعة الدروس في اللحظات الأخيرة (العربي الجديد)
+ الخط -
طرق كثيرة تتحدى فيها اللبنانيات وضع المجتمع لهن في قوالب نمطية معتادة تحصر طموحاتهن بالزواج والاهتمام بالزوج والأولاد. لعلّ إحداها السعي إلى متابعة التعليم الجامعي والنجاح فيه

موسم الامتحانات في لبنان يشغل الأهل قبل التلاميذ. تجدهم يهيئون لأبنائهم الأجواء المناسبة، وقد يضغطون عليهم ويتوترون ويطالبونهم بالمستحيل. كلّ هذا يجعل الأهل، خصوصاً الأمهات، وهن الأكثر احتكاكاً يومياً بالأبناء، في وضع صعب بانتظار إعلان النتائج. لكن، ماذا لو كانت الأم نفسها تخوض امتحانات جامعية بالترافق مع امتحانات أبنائها؟ هو وضع أصعب... مع ذلك، تتحدى أمهات جامعيات لبنانيات تحدثن إلى "العربي الجديد" النظرة النمطية إلى المرأة المتزوجة التي تحصرها بالمطبخ، وفي الوقت نفسه، يجدن الكثير من الدعم من الأبناء والأزواج للوصول إلى أبعد مدى أكاديمي، ولو عدن إلى الدراسة بعد توقف طال سنوات.

لدى لبنى محمد الطويل ابنان. دافعها إلى متابعة الدراسة التقدم المعرفي والوصول إلى الدكتوراه، بالرغم من أنّها امرأة عاملة أساساً: "أرفض أن أقولب في قالب معين إلى الأبد". زوجها يدعمها، ويوفر ابناها عليها الكثير من الجهد، فهما يرتبان المنزل ويدرسان وحدهما. ولا تكترث بمن ينتقدون خطوتها الأكاديمية: "هم يعتبرون ذلك بلا نفع لكنّ كلامهم لا يؤثر بي".

الاعتناء بثلاثة أبناء صعب وحده، فكيف إذا ترافق مع وظيفة وجامعة؟ هذه هي حال أحلام ذبيان التي تزوجت باكراً وعادت إلى الجامعة بعد انقطاع. لم يقف زوجها في وجه رغبتها القوية في التعلم. أما محيطها فيشجعها باستمرار خصوصاً أنّ أشقاءها متعلمون. لا تنكر أحلام بعض المشاكل: "أفتقد القدرة على التركيز أثناء القراءة، ربما بسبب ضغط الحياة اليومية، من وظيفة، وأولاد، وزوج، وبيت، وحياة اجتماعية".

في المجمل، تحظى الأمهات الطالبات بدعم كبير من عائلاتهن يتفاوت حجمه بين تجربة وأخرى، لكنّهن يشددن على تفهّم الزوج الذي يرتقي في حالة البعض إلى توفير كلّ الظروف المناسبة لهن في سبيل النجاح الأكاديمي.

هدف مها فضل الله توظيف تحصيلها العلمي وشهاداتها العالية في تطوير أساليب التعامل مع أسرتها المكونة من أربعة أبناء. تخوض امتحاناتها هذا العام وهي حامل، لكنّ عينها على نيل شهادتها العليا التي تخدمها في مجال عملها خصوصاً في تولّي مناصب أعلى. ترغب في أن تكون مسيرتها الأكاديمية تلك مثالاً لأبنائها يشكل لديهم الوعي بأهمية العلم.

تتعامل رولا، وهي أم لابنين، مع التعليم باعتباره قضية خاصة جداً: "متابعة التعليم تعني متابعة حلمي وتحقيق ذاتي وإنماء معرفتي". لا تهتم باحتمالات زيادة راتب وظيفتها من خلال نيل الشهادات بل همها الأكبر زيادة الخبرة والتعرف على أشخاص جدد بعدما ضجرت من الروتين. لا تبالي بمن يحاول أن يثبط عزيمتها: "لو تجاوبت مع المجتمع الذي يقف ضد تقدم المرأة لما تعلمت أو عملت، ولا تزوجت أو أنجبت".

تتولّد لدى الأمهات الجامعيات قدرة على تجاهل انتقادات المحيطين بهن، خصوصاً من يحاولون تسخيف ما يقمن به باعتباره بلا نفع، فهن يعرفن الهدف تماماً ويتجهن إليه مهما كانت الصعوبات الحياتية والأكاديمية كبيرة.

بالرغم من الضغوط بين العمل والبيت والجامعة واحتمالات التقصير في المسؤوليات تجاه أحدها، تتابع ابتهال، وهي أم لطفلين "سعيدين" بكون أمهما في الجامعة، تعليمها من أجل ذاتها ومن أجل عائلتها، وتنسى كلّ التعب الذي تواجهه في هذا السبيل: "بل هو تعب حلو".

أما ميمنة مطر، وهي أم لثلاثة أبناء، فتدرس اختصاصاً إضافياً قبل به زوجها ودعمها بعد رفضه عملها. تواجه صعوبة في شعورها أنّ "كلّ شيء فوق رأسي". وبينما يعتبرها كثيرون تقوم بإنجاز مهم، فإنّ آخرين يستهجنون قرارها: "بيتك أهم، وزوجك أهم، وأولادك أهم".

صحيح أنّ أحد أهدافها كان تحسين وضعها الوظيفي في شهادة عليا، لكنّ لور رمال، وهي أم لابنين، حرّكتها دوافع مختلفة للعودة إلى الجامعة هي "سدّ حاجة تقدير الذات التي تعنيني كثيراً. وتحقيق رغبة والدي. والتساوي مع زملائي في العمل الذين سأتفوق عليهم قريباً". يبدو أنّ لور نقلت العدوى الأكاديمية إلى زوجها أيضاً إذ عاد هو أيضاً إلى الجامعة لتحصيل شهادة أعلى، وبذلك فالدعم متبادل بينهما. أصعب ما تواجهه عدا عن إهمال نفسها الذي يولّد لديها الإحباط، هو ضغط المجتمع، خصوصاً أنّها لا تتحمل الفشل: "أشعر أنّ الجميع ينتظر نتيجتي".

انتظرت رانيا فياض ذبيان حتى بات ابناها في عمر مناسب كي تعاود الالتحاق بالجامعة. تحاول التوفيق بين العائلة والعمل والدراسة. تطمح في تحصيل المؤهلات التي تتيح لها المشاركة في المؤتمرات والمحاضرات والتأليف، بالإضافة إلى تحقيق الذات والارتقاء وظيفياً. تعتبر رانيا نفسها في تحدٍّ مع ذاتها ومع الآخرين، فتريد أن تثبت للجميع أنّها قادرة وأنّ الطموح لا يقتصر على مرحلة دون غيرها، ولذلك هي دائماً متفائلة في خطواتها.

زوج ليلى قانصو، وهي أم لطفلين، مغترب، وهو ما يضعها أمام صعوبة التحضير لامتحاناتها وفي الوقت نفسه الاهتمام بالطفلين. لكنّها تحظى برعاية كبيرة من أهلها الذين يتولون الاعتناء بطفليها وبها. زوجها راضٍ عن تعليمها وبات مهتماً بما تتلقاه من دروس أو تقرأه من كتب. أما الصعوبات في حالتها فتقلبها إلى فرص: "كلما اكتسبت معرفة أكثر فهمت الواقع وما يجري من حولي أكثر، وفكرت بتروٍّ وحكمة أكبر".

المساهمون