لا تتوقف معاناة الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان عند الفقر والعوز المادي، فبعضهم يواجه أزمة أكبر وهي عدم الاعتراف بوجوده من الأساس.
ويفتقد أطفال كثر الأوراقَ الثبوتية، وتقدّر أعدادهم بنحو 650 ألفاً، لعدم تسجيلهم في البلاد، تارة لرفض وزارة الداخلية تسجيلهم، وتارة لأن أسرهم دخلت البلاد بطرق غير شرعية، إلى جانب أسباب أخرى.
النزوح السوري، الذي بدأ مع اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد، لم يمثل أزمة للبنان في البداية، وفق رئيس الحكومة حينها، نجيب ميقاتي. ومع مطلع 2014، بدأت الحكومة تظهر قلقها إزاء زيادة أعداد النازحين. وفي 2015 شهدت المساعدات الدولية تراجعا ما شكّل أزمة حقيقية ما تزال مستمرة حتى اليوم.
ومع اتفاق معظم الأقطاب اللبنانية على ضرورة منع دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان لأسباب أمنية واقتصادية في المرتبة الأولى، مطلع عام 2015، غير أن هذا القرار لم يحل دون دخول بعضهم خلسة، لكن ولاداتهم الجديدة لم تسجل رسمياً بين 2011 حتى 2017، لوجود أسرهم غير الشرعي داخل البلاد.
وشرعت السلطات اللبنانية منذ خمسة أشهر، بقبول تسجيلهم في سجل الأجانب بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وفق ما قال الباحث السياسي والمتخصص في شؤون النازحين، زياد الصايغ، لـ"الأناضول".
تفاوت الأرقام وأخطاء من الدولة
حسب آخر دراسات للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يصل عدد اللاجئين السوريين إلى مليون و150 ألف نازح. في حين تقدّر الدولة اللبنانية عددهم بمليون ونصف المليون سوري، مع هامش خطأ بنحو 350 ألف شخص، زيادة أو نقصانا.
وفي مهب الأرقام غير الواضحة، تأكد وجود 150 ألفاً من الأطفال غير مسجلين في الدوائر الرسمية، وبدأ تسجيلهم منذ 5 أشهر، بحسب الصايغ، في حين تقدّر دراسة أخرى عددهم بنحو 650 ألفاً.
ويجنب تسجيل المواليد الجدد دخولهم في خانة "مكتومي القيد"، ويحملون بطاقات صادرة عن سجل الأجانب في وزارة الداخلية إلى حين عودتهم إلى بلادهم.
ولفت الصايغ إلى "خطأ الحكومة اللبنانية حين لم تميّز بين النازح السوري والعامل الموجود أصلاً منذ زمن، لذا عليها النظر جيداً في تلك النقطة"، معتبراً أن "الخطأ الأكبر حين دعت معظم الجهات السياسية والحزبية السوريين إلى القدوم للبنان كملاذ آمن لهم، وها هي ترفضهم وتدعوهم إلى العودة في أقرب فرصة".
الوضع الاقتصادي
يُعتبر وزير الدولة لشؤون النازحين في لبنان، معين المرعبي، من أكثر الشخصيات السياسية التي ساندت الثورة السورية ووقفت إلى جانب النازحين، لكن عودتهم اليوم أصبحت ضرورية بالنسبة له، لأسباب اقتصادية بحتة، خاصة مع تزايد البطالة التي يشهدها لبنان بسبب وجود مليوني نازح سوري وفلسطيني وعراقي.
وأضاف المرعبي، في حديث لـ"الأناضول"، أنّ "عدم توفّر البنى التحتية الجيدة في الأصل قبل النزوح، ساهم في ذلك"، معتبراً أن السياسيين لم يدركوا أن الوضع في سورية سيطول إلى هذا الحد.
واعتبر أنّ مهمته اليوم تصنيف الوجود السوري في لبنان، "فليس كل سوري نازحا، هنالك التاجر والطالب والمقيم، إلى جانب ذلك هناك ضرورة لتسجيل كل طفل بلا أوراق رسمية".
وأوضح أن الرقم التقريبي الذي بحوزته لعدد الأطفال غير المسجلين في الدوائر الرسمية، هو 650 ألف طفل، وذلك بالاستناد إلى دراسة غير رسمية اعتمدت الفارق بين عدد الأطفال المسجلين وغير المسجلين في المدارس، لكنه يبقى غير دقيق.
وفتح المجال أمام البالغين بتسوية أوضاعهم، يحصر الرقم الدقيق لعدد النازحين المفترض عودتهم، في تاريخ لم يحدد بعد، بحسب المرعبي.
تراجع المساعدات بنسبة 49 في المائة
تزامناً مع صدور قرار وقف استقبال النازحين السوريين إلى لبنان، تراجعت تقديمات الدول المانحة بنسبة 49 في المائة، الأمر الذي "يعني أن ناقوس الخطر بدأ يُقرع ويهدد بحالة فوضى، في بلد يبلغ عدد سكانه 3 ملايين ونصف المليون نسمة، إلى جانب مليون و900 ألف سوري، بينهم مليون ونصف المليون نازح"، بحسب الباحث زياد صايغ.
مراسل الأناضول، زار مخيّم "كترمايا" للاجئين (في قضاء الشوف وسط جبل لبنان)، الذي يضم 300 لاجئ، بينهم 15 عائلة لم تستطع تسجيل أطفالها. أغلب تلك الأسر رفضت التحدّث أو ذكر اسمها، لأن معظم الآباء تركوا سورية هرباً من الخدمة الإلزامية في الجيش. إلى جانب آخرين إقامتهم غير شرعية في لبنان ويخافون الملاحقة.
النساء كنّ أكثر جرأة، فتحدثت خضرا العلي (28 عاماً)، شارحة وضعها المأساوي بسبب عدم السماح لزوجها بتسجيل ابنتيه (الأولى عمرها عامان والثانية عام واحد)؛ كونه لا يحمل إقامة شرعية.
جارتها في الغرفة المجاورة، هدى القصير، قالت إن ابنتها دخلت عامها الثالث، وهي دون أوراق رسمية، كون الدولة اللبنانية أوقفت تسجيلهم منذ سنتين، مشيرة إلى أنه عندما سمحت وزارة الداخلية بذلك منذ 5 أشهر لم يستطع زوجها تسجيلها، لعدم وجود إقامة شرعية لهم، ولم يجد الشخص الذي يقبل كفالته.
باسل القاسم يعيش في دوامة، بعدما أعطته السفارة البريطانية ولزوجته تأشيرة هجرة، كون أهله يمتلكون الجنسية، لكن المشكلة مع طفلته (عامان) غير المسجّلة. وأضاف أنه لا يمكنه السفر مع زوجته وتركها وحدها في المخيّم، ويعيش في دوامة منتظراً الحل من السماء.
(الأناضول)