أثر الصومعة وأداء الشركات والحكومات

15 أكتوبر 2015
كم فرصة أضعناها نحن العرب ؟ (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


السؤال الذي يثار هذه الأيام يتعلق بكمية الأخطاء التي ترتكبها جهات لا تتوقع منها أن تنزلق إليها؟ ما الذي يجعل شركة عالمية كبرى، مثل "فولكسفاغن"، تلجأ إلى تركيب وسيلة ذكية في سيارات الديزل التي تصنعها، لكي تمنع قراءة مقدار الغازات المنبعثة منها؟ ما الذي جعل شركة سوني تتمسك بأجهزة إلكترونية، مثل "آي باد"، وتبدع فيها، لكنها تخسر أسواق الهواتف النقالة التي باتت طابعة، وكاميرا، ومصدر معلومات، ومصدر تواصل اجتماعي، وغيرها من الوظائف المتقدمة، ما جعل "سوني" تفقد مكانتها في الصدارة لكل من "سامسونغ" الكورية و"أبل" الأميركية؟ ما هو السبب الذي يجعل استخدام التكنولوجيا من مصادر تراجع الإنتاجية في شركة ما؟

فمثلاً شركة مايكروسوفت التي اعتمدت، في نموها، على برنامج ويندوز تسعى، الآن، إلى استعادة ألقها عبر "الحوسبة الغمامية"، بعدما تراجعت موازناتها؟

وقد أعطتنا فكرة عن أهمية السؤال ومحاولة ذكية للإجابة عنه الكاتبة البريطانية، جيليان تيت، في كتابها الجديد "أثر الصومعة" (The silo Effect) الصادر هذا العام عن دار النشر سايمون أند شوستر ( Simon and Shuster) تقول الكاتبة إن تقسيم الشركات إلى دوائر منفصلة أو "مراكز كلفة" تتنافس فيما بينها، من أجل الأفكار الجديدة والأرباح العالمية قد يخلق خسائر كبيرة، بسبب تغييب المعلومات للدوائر أو الصوامع عن بعضها.

وبعدما ينفق قسم ما مبالغ طائلة وجهداً كبيراً في إنجاز فكرةٍ ما، يكتشف القائمون عليه أن صومعة أخرى قد قدمت قبلهم المشروع نفسه، من دون أن تعلم بذلك.

وكذلك، فإن نقص المعلومات قد يجعل الإدارة العليا للشركات تتخذ قراراً استراتيجياً من دون معلومات كافية، فيقع خطأ كبير، أو أن تفويض الصلاحية في شركة استثمارية أو مصرف كبير يسبب لذلك البنك خسائر كبرى، نتيجة سلوك موظف أو قسم فيها أداء عمليات مكلفة بدون استشارة أحد.

وكم شركة أو دائرة تنفق أياماً بحثاً عن معلوماتٍ، لتكتشف أنها موجودة في واحدٍ من أقسامها ولا تعلم به. ويحصل، أحياناً، أن يستخدم قسم خبيراً للمساعدة على حل مشكلة لديها لتكتشف، بعد فوات الأوان، أن داخل الشركة في قسم آخر موظف مختص في الأمور التي استخدم الخبير الخارجي لمعالجتها.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فنحن في الحياة نضيع على خبراء أجانب مبالغ طائلة، قبل أن نثق في شخص محليٍّ قد يكون أكثر عمقاً وفهماً للمشكلة من الخبير الأجنبي متواضع الإمكانات. وكم من البشر الذين لم يُستخدموا، لأنهم تخرجوا بتخصص غير مطلوب، علماً أنه كان بالإمكان تدريبهم بسهولة على أداء عملٍ، لا نجد فيه مختصين قادرين على أدائه.

وقد أدركت دوائر وشركات كبرى أنها بحاجة إلى ما تسمى "إدارة المعرفة"، لكي تقنع الجميع بتزويد الإدارة بما لديها من معلومات، وإحصاءات، وخبراء، وكفاءات يمكن الاستفادة منها عند الحاجة في دوائر أخرى، لكن المنافسة بين المدراء على نيل رضا المسؤول منعتهم من التفاعل مع إدارة المعرفة، وجعلتهم أشحاء في تقديم المعلومات المطلوبة، ما يضيع على تلك الشركة مبالغ طائلة.

اقرأ أيضاً: فيراري تطرح أسهمها للاكتتاب رغم فضيحة فولكسفاغن

وفي الحياة، تعلمنا أن عقلية الصومعة، أو انفصال المجتمع إلى فئات مختلفة، ينطوي على خسائر كبيرة للمجتمع. فخذ مثلاً الشراكات التي تنحصر بين الفئات المحددة، كيف تضيّع على نفسها فرصة الاستفادة من أفراد محسوبين على فئات أخرى.

وحتى في الزواج، فإن تقسيم المجتمع على فئات لا تتزوج إلا من بعضها يقلل من فرص التكافؤ بين الإناث والذكور في سن الزواج. ولو فتحت الأبواب للبحث عن شخصٍ مناسب خارج الفئات، لقلت نسب العنوسة والطلاق بين الجنسين من سكان ذلك البلد.

وكم فرصة أضعناها، نحن العرب، في صومعاتنا التي أسميناها أقطاراً ودولاً. فنحن، مثلاً، زرعنا الصحراء في بعض دول الخليج، فأنتجنا قمحاً مدعوماً بماء نادر، بدلاً من زراعة القمح في بلد كالسودان، والذي بات بسبب قلة الأرض المزروعة يعاني من آفة التصحر.
 
وماذا عن تنافساتنا الضيقة في إنتاج السلع والخدمات نفسها، ما قلل من أربحيتها وزاد من كلفتها وكلفة دعمه، بدلاً من التخصص على أساس الميزة النسبية. ولا ننسى الخسائر الكبرى بسبب إغلاق الحدود، ونظام الفيز ومنع دخول المواطنين العرب إلى الدول التي تحتاج ذلك.

ولا يقصد بهذا الكلام القول أن ننسى خصوصياتنا القطرية، ولا أن نتجنب التعامل مع العالم، فهذا ضرب من السذاجة غير محمود العواقب. ولكن، كان يمكن أن نعطي الأفضلية في كثير من ميادين الإنتاجية وفرص العمالة والاستثمار لبعضنا.

وربما لو فعلنا ذلك ما دارت بيننا كل هذه الحروب الطاحنة. ولكن، هل يمكن القول إن ما يجري في اليمن كان في الوسع تجنبه، لو أن اليمن وجدت دعماً في مشروعاتها وزراعتها وطرق نقلها وتطوير موانئها؟ وماذا عن ليبيا التي أمدها الله بالمساحة والشواطئ والنفط والمشروعات التي خلفها الاستعمار الإيطالي. لقد أدى انغلاقها إلى جعلها دولة مفككة، نرى آثارها اليوم في الحرب الأهلية والفقر وقرب إعلان الدولة إفلاسها.

إننا في الوقت الذي نتهم فيه إسرائيل بأنها تتبع سياسة القلعة، وبناء الأسواء والانكفاء على ذاتها، فإننا، في الوطن العربي، متهمون بانتهاج الوسائل نفسها حيال بعضنا البعض. ونحن لا ندري الكثير عن بعضنا، ونجهل أحياناً، حتى المثقفين منا، أبسط المعلومات عن البلد الآخر.

وحتى المؤسسات العربية المشتركة التي كان من المفروض أن تعمل في إطار جامعة الدول العربية، تمزقت وانكفأت كل منظمة منها على نفسها، تعمل بدون أن تأخذ بالاعتبار في ما يجري في المنظمات الأخرى، ولا تستفيد من معلوماتها.

ولولا التقرير العربي الاقتصادي الموحد الذي يصدر عن أربع مؤسسات عربية مشتركة، لما كان بينها أي جهد مشترك.

كيف نستطيع، إذن، أن نخرج من لعنة الصومعة وآثارها السلبية على إداراتنا الوطنية، حتى نرفع من كفاءة أداء الحكومات والقطاع الخاص، ما قد يكون المدخل لإعادة هيكلة البنى الوطنية. وإذا نجحنا في أن نتبنى سياسات الانفتاح على بعضنا، فإن كل الدول العربية سوف تستفيد من الطاقات البشرية والعقلية والمالية والمادية المتاحة في كل واحدة منها، ما يعظم الفوائد ويقلل الخسائر.

وعلى قادتنا في الوطن العربي أن يعلموا أن هذه القضية لم تعد مطلباً ذهنياً ومطلب رفاه، بل ضرورة حياتية، ليس لشعوبهم العربية، بل ولبقاء الأنظمة نفسها.


اقرأ أيضاً: ولاية أميركية تمهل "فولكسفاغن" 45 يوماً لإصلاح سياراتها

المساهمون