"حالات المرأة": تجاوز عقدة الدور الثانوي

20 يونيو 2018
أوسفالدو غواياسمين/ الإكوادور
+ الخط -

كثيراً ما أخفى تخصّص الباحثة الفرنسية نتالي هاينيش (1955) في سوسيولوجيا الفن انشغالات أخرى، وربما كان لنجاح أعمال ضمن هذا التخصّص مثل "النخبة الفنية"، و"براديغم الفن المعاصر"، و"ما يفعله الفن بعلم الاجتماع" دورٌ في تهميش بقية منشوراتها، ومن بينها كتاب "حالات المرأة: الهوية المؤنثة في التخييل الأدبي الغربي" الذي صدر مؤخراً عن منشورات "غاليمار"، وهو في الحقيقة عودة إلى عمل قديم صدر في 1997، مع توسيع مادّته، فبعد أن التقطت أبرز ملامح المرأة من بعض الروايات المشهورة ها هي تتقصى هذه الصورة في 150 رواية من مختلف آداب أوروبا وعلى مدى قرنين ونصف من التأليف الروائي.

بين 1997 و2018، حدثت أشياء كثيرة بحسب هاينيش في الهوية الأنثوية، وليس المقصود هنا تحوّلات داخل النصوص، فتلك مجرّد انعكاس لتغيّر عميق في تمثّل المرأة لنفسها والصورة التي تنتجها وتفرضها في محيطها، وخصوصاً مع تراكم "مدوّنة نسوية" نظرية كثيراً ما تتجسّد في منظمات ومشاريع إعلامية وغير ذلك. إذن فإن هذه العودة إنما هي مراجعة ضرورية.

ينطلق العمل من تصنيف إحصائي عن الأدوار التي لعبتها المرأة في الروايات، منها المكرّسة مثل الأم، والعشيقة، والزوجة الخائنة. بمرور الزمن تظهر على اللائحة أدوار جديدة، لا تتردّد في كثير من الأعمال ولكنها تشكّل فئات مهمة، مثل المرأة ذات المسار المهني الخاص في مجالات أكاديمية أو رياضية أو سياسية، والمرأة المتحرّرة جنسياً. ترى هاينيش هنا، أن التخييل الروائي هو أكثر نوع فنّي ساهم في جعل هذه النماذج متداولة في المجتمعات.

بحذر، تنتقل هاينيش من تعليقاتها على الروايات إلى استنتاجاتها، حيث تشير إلى أن الـ 150 رواية، وهو عدد ضخم بالنسبة لعيّنات دراسة أدبية، هو في الحقيقة عدد ضئيل لا يمكّن من تقديم قراءات موسّعة وجازمة حول المسارات التاريخية والأدبية، وهي هنا تستعيد خلفيتها السوسيولوجية كما تستفيد منها حين تدرس مؤثرات من خارج الأدب على الروايات مثل الخيارات ذات الخلفية المادية أو الإيديولوجية للناشرين، والتي تخضع للثقافة السائدة وعادة ما تكون محرّكاتها أبعد ما تكون عن الأدب مثل السائد في وسائل الإعلام والتوجّهات السياسية لبلد دون آخر.

هذه العناصر ورغم أنها تقع تماماً خارج النصوص فإن أثرها قد يكون أكبر من أي تأثير أدبي أو نظري قادم من الدراسات النسوية، فصورة المرأة التي أنتجها الأدب الروسي خلال القرن العشرين تختلف تماماً عن صورة المرأة في الرواية الأميركية خلال نفس الفترة.

لعلّ أبرز إضافة تقدّمها هاينيش وهي تقرأ مسار تحوّلات صورة المرأة على مدى زمني طويل، هو اقتراحها لمفهوم "عقدة الدور الثانوي"، حيث ترى أن هناك وعياً مزدوجاً بذلك؛ الأول يقع في الحياة العامة (مجال بحث عالم الاجتماع)، والثاني يقع في النصوص (مجال اشتغال المؤلفين)، وهي بذلك تشير إلى خصوصية في دراستها، إذ إن لها قدماً في كل مستوى، بحكم تخصّصها من جهة و من أخرى كونها قارئة شغوفة بالأدب، كما يؤكّد عملها الضخم.

المساهمون