دخلت قوات من البشمركة الكردية إلى مدينة عين العرب السورية، عبر قرية تل الشعير، في محافظة حلب. ورافقت تلك القوات، البالغ عددها حوالى 150 عنصراً، عربات مدرعة ودبابات وسيارات رباعية الدفع مزودة برشاشات ثقيلة وقواعد إطلاق صواريخ من نوع كاتيوشا. كما أعلن العقيد في الجيش الحر، عبد الجبار العكيدي، عن عبور حوالى 200 مقاتل من الجيش السوري الحر إلى مدينة عين العرب، في حين ذكر المرصد السوري وناشطون أكراد عن عبور 50 مقاتلاً فقط من الجيش الحر إلى المدينة.
ويأتي ذلك وسط حالة من الضبابية عن عدد عناصر البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق، التي ستنضم للمشاركة في الأعمال العسكرية الدائرة في مدينة عين العرب منذ حوالى أربعين يوماً، إضافة إلى تساؤلات عن مدى قدرة تلك القوات، التي ستنضم إليها كتائب من الجيش الحر، في وقت لاحق.
وصول هذه القوات لن يُسهم في حسم المعركة ضد تنظيم "داعش"، بل يمكن أن يساعد على صمود المدينة لأطول وقت ممكن. فتلك التعزيزات، التي بدأت بالوصول إلى عين العرب، قابلها جلب تنظيم "الدولة الإسلامية" تعزيزات جديدة من المقاتلين والأسلحة الثقيلة من مدينة الرقة، المعقل الأساسي له في سورية، في محاولة لخلق حالة من التوازن على الأرض مع وصول تعزيزات للمقاتلين الأكراد في المدينة، وأيضاً في محاولة للسيطرة على المدينة في أسرع وقت قبل أن يستكمل الأكراد التعزيزات العسكرية واستلام زمام المبادرة العسكرية على الأرض.
وهنا تبرز مسألة قدرة التعزيزات العسكرية للأكراد على فرض وضع عسكري جديد على الجبهات، قد يساهم في فك الحصار عن المدينة، وذلك بالتزامن مع تكثيف طائرات التحالف الدولي غاراتها على مواقع مفترضة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في المدينة ومحيطها. لكن مع استماتة مقاتلي "داعش" في القتال، على الرغم من القصف الجوي العنيف، الذي يتعرضون له من قبل طائرات التحالف، فإن زمام المبادرة العسكرية لا يزال بيدهم، إذ استطاع التنظيم قصف محيط معبر مرشد بنار، الذي يصل بين مدينة عين العرب وتركيا، بقذائف الهاون.
ولا بد من الإشارة إلى أنه في حالة الهجوم العسكري، يجب أن تكون قوة المهاجم ثلاثة أضعاف القوة المدافعة على الأرض، وهذا هو السبب في صمود المقاتلين الأكراد وفصائل الجيش السوري الحر المتواجدة في المدينة قبل هجوم التنظيم عليها. ويتواجد في مدينة عين العرب ما لا يقل عن خمسة آلاف مقاتل، بحسب احصائيات غير مؤكدة، وهذا الأمر في العلم العسكري يحتاج إلى حوالى خمسة عشر ألف مقاتل من أجل القضاء عليهم أو السيطرة على مواقعهم. في المقابل لا يتجاوز عدد مقاتلي تنظيم "داعش" بضعة آلاف بحسب ناشطين سوريين، وهذا هو السبب الذي حال دون سيطرة التنظيم على المدينة إلى الآن.
كما يؤدي مستوى التدريب والخبرة القتالية والروح المعنوية للمقاتلين دوراً في التأثير على مجريات المعركة. ففي حالة مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإنهم يعتبرون الأمر "جهاداً مقدساً ضد الملحدين، وطريقاً للجنة عبر الاستشهاد في معارك تثبيت حكم الخلافة" من جهة، كما أنها محاولة لصرف الأنظار عن الهجمات الأخرى، التي يشنها مقاتلو التنظيم على مواقع أخرى في سورية والعراق من جهة ثانية.
أما في حالة المقاتلين الأكراد، فإن الأمر يتجاوز ذلك إلى قضية حياة أو موت بالنسبة إليهم، كون مدينة عين العرب تشكل المركز الرئيسي لأولى محاولاتهم لفرض إدارة للحكم الذاتي للأكراد في سورية. كما أنها المعقل الرئيسي لحزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني. وهذا الأمر يمثل بالنسبة إليهم، في حال سيطر تنظيم "داعش" على مدينة عين العرب، ضربة قوية لمشروع إقامة كانتون كردي أو حتى الاستمرار في حالة الإدارة الذاتية، مما يعني فشلاً ذريعاً للمشروع الكردي في سورية.
مستوى التنسيق
سبقت مرحلة الاتفاق ووصول أولى طلائع قوات البشمركة والجيش السوري الحر إلى مدينة عين العرب، خلافات كثيرة بدءا من رفض الخطوة، ومن ثم انتقلت الخلافات إلى آلية الوصول إلى القوات وطبيعة العمل العسكري، الذي ستضطلع به على الأرض. لكن اللافت، في الفترة التي رافقت وصول تلك القوات، هو تصريحات مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، المسيطر على مدينة عين العرب عبر جناحه العسكري "وحدات حماية الشعب الكردي"، إذ أعلن المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز الأحزاب الكردية السورية، نواف خليل، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، أن "وحدات حماية الشعب" هي التي تملك القرار في الشؤون العسكرية على الأرض.
تشير تصريحات نواف إلى حالة التخبط، التي يعيشها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بعد صول تعزيزات البشمركة والجيش الحر إلى المدينة، إذ إن الأكراد في عين العرب كانوا يسعون إلى عدم إشراك أي طرف في المعارك الدائرة في عين العرب، بهدف محاولة استدراج كل الدعم العسكري والمالي الغربي فقط لـ "وحدات حماية الشعب".
هذا التصور الراسخ في ذهن العقل الجمعي لدى الأكراد، ولا سيما في عين العرب، عبر محاولة تكرار تجربة تقديم الدعم العسكري واللوجستي، الذي حصل عليه إقليم كردستان العراق، غداة وصول تنظيم الدولة إلى عاصمة الإقليم، أربيل، يوحي بأن الأكراد لم يستطيعوا الفصل بين الحالة الكردية في العراق، ونظيرتها في سورية. رغم أن الحالتين مختلفتان بشكل كبير إلى حد ما.
وفي حال بقي الأكراد في عين العرب مصممين على عدم إعطاء أي دور أو محاولة تهميش للبشمركة، أو حتى لفصائل الجيش الحر في المعارك الدائرة في أزقة وشوارع المدينة، والعمل على استجلاب الدعم الدولي لصالحهم ووفق أجنداتهم الخاصة، فإن ذلك قد يسهم في إطالة أمد المعركة في عين العرب أو قد يبدد الجهود، لتبقى المدينة عرضة للسقوط بيد تنظيم "الدولة الإسلامية".