مبيت في قرية سينيهي

29 ديسمبر 2016
(الكاتب البيلاروسي كوزما تشورني)
+ الخط -

عندما تكون المسيرة طويلة وصعبة لا يوجد وقت كافٍ للاستراحة. نمنا قليلا، نحو ساعتين بشكل متقطع.

في قرية سينيهي لاحظنا آثار لأقدام وحدة الجيش التي مرّت قبلنا. لعب الأولاد مع سلك الهاتف. قرب إسطبل البيت الأخير، في فناء الدار على القش، كانت هناك الخراطيش المتناثرة. حاولنا أن نعمّر بنادقنا بهذه الخراطيش لكنها لم تناسب فأبقيناها هناك.
الأسطح الثمانية من القش خُرقت بسبب الريح في قرية سينيهي.

كنا في حاجة شديدة الى النوم.

في البيت شعرتُ بقلق أهله الخائفين من الحرب ألا وهم الأطفال الاربعة وأمهم ربة البيت الفلاحة الجميلة.

صنعنا لأنفسنا أسرّة من بعض الصناديق المنخفضة في الممر البارد. معي الرفيق سكاباكوف، قائد القوات الاشقر المَرِح. هو في الأصل من مكان ما قرب بحيرات ألانيتس عند ضفاف صيد الأسماك. رتبنا القش الذي كان قد استخدم عند مبيت العسكريين السابق، وضعنا كل من ممتلكاتنا العسكرية تحت رؤوسنا وعلى الفور راودنا النعاس.

الباب في البيت الحار المفتوح. لمدة طويلة ولكن بهدوء يتجادل هناك الأطفال على "وسادة مزينة باللون الاحمر" وأخيراً حل الصمت.

قد اعتدتُ على الاصطباح المليء بالقلق. فجأة أرفع رأسي وأحاول أن أتخلّص من النعاس الصباحي. يكاد يتخلل النور الأول لليوم الجديد النافذة الصغيرة المشمسة.

"فقط خمس دقائق في السرير ثم سأيقظ سكاباكوف"، أفكّر وأحارب النعاس الشديد. شبّكت يداي تحت رأسي وضغطتهما حول أذني. فشعرت بدقدقة وألم في رأسي.

أستمع الى الحوار في البيت:
- استيقظ يا ابني، تقول المرأة.

صمت

- يا ابني، استيقظ.
- اوف يا أمي...
- هيا يا ابني.
- أريد أن أنام أكثر...
- ستنام في النهار والآن... من أستطيع أن أيقظ غيرك؟

بدأ الولد بالبكاء بصوت ناعس وبدا كأنه نام من جديد. كانت المرأة صامتة.

استيقظتُ وايقظت سكاباكوف.
دخلت البيت. كانت المرأة تخرّق القميص القديم.
- صباح الخير، قلت أنا.
- صباح النور، أجابت.
- نتشكر على المبيت، علينا أن نذهب.
- اذهبوا!
ماذا يمكنني أن أقوله أكثر؟ فأقول:
- لينم الولد اكثر بقليل، ليكبر بعد.
أشعر بأني مذنب في شيء ما.
- أها وماذا أفعل - تقول هي فجأة وبسرعة وبقوة - ماذا أستطيع أن أفعل لوحدي؟ رب البيت غائب وهو يحارب. واليوم يجب علي أن أبدأ بحصاد الشوفان وحتى بقدر قليل. عليّ أن أجد الخيل لنقل عربة حبوب الجاودار. سأخبطها بطريقة ما بالمخباط وفي المساء سأطحن الحبوب. إذا جفّت في الفرن خلال اليوم فسوف أحمّص الخبز في الصباح التالي.
- ولا يوجد حصان؟
- أخذه البولنديون الى وحدة النقل أمس الأول مع الولد.
- مع اي ولد؟
- مع ابني.
- هل هو الكبير؟
- الصغير... لو كان الكبير لما أسفت لهذه درجة. ولا أستطيع أن أيقظ الصغير لدفع البقرة الى المرعى. ولا يوجد شيء لطبخ الفطور له. أمس صباحا أخرجتُ قليلا من البطاطس الصغيرة من المزرعة وفي المساء أطعمت بها الجنود. كانوا ذاهبين في الطريق جياعا وحفاة الاقدام وشعثون في خرق. فكّرتُ أن ابني الكبير مثلهم في مكان ما...
ذهبتْ الى السرير.
- استيقظ يا ابني، لقد خرّقت منامتك القديمة لكي يكون لديك شئ وثر للفّ رِجلك. ستُنعل لابتي1 ميكولا٬ هي كبيرة عليك و سوف يكون المكان الكافي لرجلك. استيقظ يا ابني...
انحنت على السرير.
- سيخرج قريبا.
- ماذا؟
- في الأسبوع الماضي ضرب قدمه بجذع شجرة.

انحنيتُ على السرير. كان الولد نائما. كان على قدمه اليسرى جنب الاصابع الورم الابيض الملطخ بالوحل. عدتُ الى الممر. لم أجد شيئا في صناديقي إلا صرصورين. كانا كل ما لدينا من طعام – حصة الجندي - وضعتهما على المقعد في البيت.
و بعد ذلك تركت أنا سكاباكوف ذلك البيت الى الأبد.

بعد 15 دقيقة تركنا قرية سينيهي هذه.
في انتظار أمر "سِرْ" رأيته، متكئاً وفي نفس الوقت كان يسوق البقرة. وقرب البيت تقف تلك المرأة العظيمة التي هي أمّه.
وها نحن نذهب.
سوف نذهب طويلاً - عندما تكون المسيرة طويلة وشاقة لا يوجد وقت كافٍ للاستراحة.

1 "لابتي" – الحذاء التقليدي عند فلاحي أوروبا الشرقية في الماضي والمصنوع من الكرمة أو لحاء البتولا.


* Кузьма Чорны  Kuzma Chorny كاتب بيلاروسي (1900-1944)، كتب في القصة والرواية والمسرح وأدب الطفل.

**الترجمة عن البيلاروسية: أنجليكا داسيوكيفيتش  

دلالات
المساهمون