جيش الاحتلال الافتراضي: معارك على الحائط الأزرق

21 ابريل 2016
(عمل كاريكاتوري لـ رودريغو / البرتغال)
+ الخط -

ربّما لا نبالغ إن قلنا إنّ موقع فيسبوك يكاد يكون دولةً كبيرة، يفوق عدد "سكّانها" نصف مليار شخص من أنحاء العالم. وكونه "دولةً" افتراضيةً، بات، بالنسبة إلى كثيرٍ من الدول الحقيقية، يشكّل خطراً، وتخصّص من أجله أموال طائلة بهدف السيطرة عليه.

تولي "إسرائيل" جهوداً لضبط الفضاء المفتوح في الشبكة العنكبوتية، والخوض في غمار معارك على ساحات فيسبوك، وتجنّد هيئات مدنية لمحاربة "الإرهاب الإسلامي" على الشبكة. يقول الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عاموس يدلين: "دولة فيسبوك هي الأكثر خطراً في الشرق الأوسط".

في مؤتمر "سايبر تك" الدولي الذي عُقد في تل أبيب، قبل أكثر من أسبوعين، استعرض يدلين -رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- التهديدات التي يواجهها الكيان الصهيوني في صراعه ضد معركة نزع الشرعية، قائلاً: "تمتلك دولة فيسبوك القوة والتأثير أكثر من قوة الجيوش العسكرية، وإسرائيل اليوم لا تخشى من تهديد عسكري على أراضيها، وإنما تهديد استراتيجي".

في هذا السياق، أعلن وزير الأمن الداخلي، جلعاد إردان، تخصيص ميزانية 100 مليون شيقل لتطوير آليات المواجهة في ساحات فيسبوك. وقال إردان صراحة، خلال مشاركته في المؤتمر: "لا بدّ من صياغة تفاهمات لوضع خطوط حمراء على الأحاديث والحوارات المتداولة في شبكة الإنترنت".

وعن الصراع اليومي في الفضاء الإلكتروني، يقول: "لا شك في أن إتاحة حرية الحوار عبر شبكات التواصل الاجتماعي أمر مهم للغاية. فشركات عملاقة عابرة للحدود، كغوغل وفيسبوك، ليست مجرد شركات، بل هي أقوى من دول حقيقية، وهي ليست جمعيات خيرية، بل تجارية ربحية تجني المليارات، لذا يجب الحد من الفضاء المفتوح وإفساح المجال لمراقبة الإرهاب الإسلامي عبر وضع خطوط حمراء.. ومن غير المقبول استمرار الوضع على ما هو عليه الآن".

مع انطلاق الانتفاضات العربية، قبل خمس سنوات، أدرك الإسرائيليون باكراً مدى أهمية شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها في قيادة رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة؛ حيث يُبدي الكيان اهتماماً كبيراً بالجانب الإلكتروني في منطقة تحوّلت إلى مجمر لنار ملتهبة.

بهذا الصدد، نقلت صحيفة "معاريف" عن المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، قوله: "فعّلنا حساب تويتر قبل خمس سنوات ولدينا اليوم نحو 125 ألف متابع، أما فيسبوك فقد دشنّا صفحة قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، وتضم الآن ما يقارب 855 ألف صديق، وهذه الأرقام نقطة في بحر الملايين من المسلمين في الشرق الأوسط".

يضيف أدرعي ضاحكاً: "وتفادياً لنفور رواد صفحاتنا، قررنا ألا نسمي الصفحات باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، بل باسمي الشخصي لضمان تفاعل أكبر، فالجمهور يفضل التعامل مع شخص وليس مع جيش العدو.. وكم هو ممتع توجيه اللعنات لشخص بدل من منظمة الجيش".

أظهر أدرعي قدراً كبيراً من النجاح في مهمته في إيجاد قناة تواصل مع شباب العالم العربي، ويتولى بنفسه إدارة هذا المشروع بهدف تعزيز وجود صهيوني إلكتروني في العالم العربي، كما أنه يتقن اللغة العربية بطلاقة ودرسها أكاديمياً.

هكذا، يستغل هذه المنصة لإيصال رسائل رسمية حول الأحداث الأمنية ونشر الصور ومقاطع الفيديو والمعايدات والتبريكات للعرب والمسلمين لتلميع صورة جيش الاحتلال.

من جهة أخرى، عيّن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل ست سنوات، أوفير جندلمان كمتحث باسمه باللغة العربية للتواصل مع وسائل الإعلام العربية وشبكات التواصل الاجتماعي. وتنقل صحيفة "معاريف" عن جندلمان قوله: "في الصفحة الرئيسية لرئيس الوزراء على موقع فيسبوك، والتي أديرها باللغة العربية، ثمة 260 ألف معجب، وفي تويتر هناك 18 ألف متابع، وبالمجمل هناك 400 ألف شخص نستطيع التأثير عليهم بشكل مباشر عبر هذه الصفحات".

ولكن على الرغم من نجاح جندلمان في أداء مهامه، إلا أنه لم يصل إلى مستوى أدرعي في معارك الحائط الأزرق، لأنه - حسب خبراء -  يهودي أكثر مما ينبغي، وملامحه غربية على عكس أدرعي.

ليس بالأسلحة الحربية وحدها تُخاض الحروب، وبإمكان الخصوم دق طبول الحرب وامتطاء ظهر الحائط الأزرق في ساحات الافتراض لدرء المخاطر المحدقة وتحقيق أهداف أمنية دفاعية، عبر تأسيس "جيوش إلكترونية" لخوض الحروب بأساليب عصرية. فدولة فيسبوك، أحدثت ثورة في ثورة الاتصال المعاصرة تكرس لها الدول ميزانيات ضخمة.

(سورية)



المساهمون