عندما تصبح الرياضة طريقاً للانتصار السياسي

08 نوفمبر 2015
الرياضة طريقاً للانتصار السياسي (فرانس برس)
+ الخط -
قد تصبح الرياضة طريقاً للانتصار السياسي، وقد تصبح الجماهير اللاعب الرئيسي لهذا الانتصار المزدوج سياسياً ورياضياً، بل اجتماعياً واقتصادياً أيضاً، فالجماهير هي اللاعب الرئيسي في أي لعبة، الدعم والمؤازرة النفسية كثيرا ما يكون لها فاعلية قد تساوي الدعم الفني للفريق أو اللاعب، وتستطيع التحكم في فوز أو خسارة الفريق بشكل مباشر، وهذا موضوع الحديث هنا حول تجربة نيلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا في النهضة الرياضية التي قام بها وحصل منتخب بلاده بعد عام واحد من تسلمه السلطة عام 1994 على كأس العالم للرغبي عام 1995.


بعد إطلاق سراحه في الثاني من فبراير/شباط عام 1990، انتخب مانديلا رئيسا لجنوب أفريقيا في إبريل/ نيسان 1994 لينهي نظام الفصل العنصري الذي كانت عليه البلاد، ليبدأ عصر الحرية.

فالعام نفسه الذي تولى فيه رئاسة البلاد، تابع مانديلا مستوى منتخب بلاده قبل كأس العالم لرياضة الرغبي عام 1995 التي أقيمت في جنوب أفريقيا، وكان المنتخب قد تلقى هزائم عدة في ذلك العام وتراجع مستواه بحدة، وعلى الرغم من اهتمام مانديلا بالجانب السياسي وانشغاله المتواصل بقيادة البلاد في تلك الفترة الهامة، إلا أنه ارتأى أن للرياضة دورا كبيرا في بناء عصر الحرية لجنوب أفريقيا، فبدأ الاهتمام في نفس العام برياضة الرغبي، وتابع بنفسه أداء الفريق الذي كان يتكون من 31 لاعبا، 23 منهم ذوو بشرة بيضاء مقابل 8 لاعبين فقط من ذوي البشرة السوداء، ولم يكن أفراد المنتخب أصحاب البشرة البيضاء يطيقون الرئيس الأسود الجديد، إلا أن مانديلا طلب مقابلة كابتن الفريق الأبيض، فرانسوا بينار، ليبشره بالأمل الذي يحمله لاعبو فريقه للبلاد، ويطلعه على العبء الكبير الواقع على فريق الرغبي بضرورة تقديم مستوى رائع والحصول على كأس العالم الذي سيُقام بعد عام واحد، بالإضافة لعمل جولات ترويجية للمنتخب الذي يستضيف البطولة على أرضه وقد كان، وما كان من بينار إلا الخروج من المقابلة حاملاً على عاتقه تلك المسؤولية ونقل تلك الرسالة لباقي أعضاء الفريق.

سخر البعض من مانديلا وتعجبوا لاهتمامه، إلا أن مانديلا لم يكن يرى في تلك البطولة حدثا رياضيا فحسب، وإنما هو تحد جديد أن يستطيع في خلال عام واحد النهوض بفريق بلاده ولنيل لقب أبطال العالم في بضعة شهور، إضافة إلى المكسب السياسي الذي كان يرمي إليه.

وإن كان قرب السلطة من جهاز الرياضة في جنوب أفريقيا سبباً وعاملاً رئيسياً في النهوض بالمنتخب، إلا أن الأمور تسير عكس ذلك في دول عربية عدة، فقرب رجال السلطة من القيادات الرياضية جعل منها أداة للتحكم في الرياضة وجعلها سلطة في يد الدولة تملي عليها الاعتبارات السياسية، ويبدو هذا وارداً في مصر، فبعض رؤساء الأندية تربطهم علاقة وثيقة بالسلطة ويتم اسغلالهم للضغط على جماهير الألتراس والذين تم استهدافهم وقتل العشرات منهم في حوادث مختلفة، منها ما تم أثناء حضورهم المباراة خلال الثلاثة أعوام الماضية، هذا بالإضافة الى تلفيق التهم ويقبع العشرات منهم داخل السجون حتى يومنا هذا.

أدى المنتخب الجنوب الأفريقي "سبرينغبوكس" أداءً هائلا خلال كأس العالم للرغبي 1995 وصعد إلى المباراة النهائية ولاقى نظيره النيوزيلاندي الذي كان يُعرف بقوته وسحقه لمنافسيه، وانتهت المباراة النهائية بفوز فريق سبرينغبوكس بكأس العالم في حضور مانديلا، مرتدياً الزي الخاص بالفريق حاملاً رقم 6، وكانت تلك اللحظة بمثابة الرهان الناجح الذي راهن عليه مانديلا وقائد الفريق فرانسوا بينار.

عندما تحدث مراسل التلفزيون إلى كابتن الفريق بينار، عقب انتهاء المبارة على أرض الملعب وأخبره أمام العالم أنهم لم يكونوا لينتصروا إلا بدعم الستين ألف مشجع الذين يؤازرون منتخب بلادهم في استاد Ellis park  بمدينة جوهانسبرغ، إلا أن بينار رد أن سبب الانتصار ليس فقط بسبب الـ 60 ألفاً، بل بسبب الـ 43 مليون جنوب أفريقي الذين كانوا يقفون خلف فريقهم، وكانت هذه حقيقة لم يغفل عنها الجميع، لاسيما أن مانديلا هو الجندي الحقيقي الذي وقف وراء ذلك الانتصار.

أما عن علاقة السلطة بالجمهور المصرية، فإنها ترى في واقع الأمر أن أي تجمع شبابي كان من كان، يُعد خطراً على الأمن القومي وتجب مكافحته، ولاسيما روابط مشجعي النوادي الرياضية، حتى وصل الأمر إلى منع الجمهور من حضور مباريات كرة القدم منذ ما يقرب من العامين.

يبدو أن مفهوم الرياضة لدى السلطة يتبلور في أن تظل كلمة "رياضة" موجودة على الساحة دون النظر حتى في أبسط مقوماتها، وهي الدعم الفني "التدريب" والدعم النفسي "الجمهور".

ولكن هل لنا أن ننظر كيف استفاد مانديلا وضرب عصفورين بحجر؟ فقد استخدم الفريق، بمساعدة الكابتن فرانسوا بينار، في إنهاء الحالة النفسية المترسخة من نظام الفصل العنصري قبل فترة عصر الحرية عام 1994 بين أصحاب البشرة البيضاء والسوداء، ودمج الاثنين معا تحت شعار "فريق واحد .. شعب واحد"، في إشارة منه لخليط لاعبي المنتخب أصحاب الألوان المختلفة، وهو الشعار الذي خاض به كأس العالم وفاز به بعد توليه مقاليد الحكم بعام واحد، وكان هذا الانتصار الحقيقي الذي خطط له.

(مصر)