الاستغلال العمالي في تونس

01 ديسمبر 2014
القدرة الشرائية تتأكل في ظل انخفاض الرواتب(فتحي بلعيد/فرنس برس)
+ الخط -
حوالي 70% من التونسيين، يعيشون ظروفاً اقتصاديّة صعبة، ويعانون من أزمات في العمل، وفق الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ إن العامل التونسي أصبحَ محصوراً بين الحاجة إلى العمل وشروط التوظيف السيئة. كون متوسط ساعات العمل أصبح اليوم يتجاوز أكثر من 12 ساعة يوميّاً. أما المشكلة الأساسية فتتعلق بتراجع عدد من المؤسسات عن ابرام عقود توظيفية، وتغاضيها عن تأمين تغطيات صحية أو ضمانات اجتماعية للعمال. هكذا، بات الراتب الشهري للتونسيين، بمختلف مستوياتهم التعليميّة، لا يكفي لتسديد مصاريف الحياة المختلفة، كنفقات المنزل والعلاج مثلاً. 

رواتب متدنية
تجمعت كل هذه الظروف، لتنفجر ارتفاعاً في معدّل الإضرابات في القطاع الخاص، وفي المؤسسات العامة ذات الصبغة التجارية والصناعية، بنسبة 4% في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2013.
إذ ستجد صحافياً في تونس، يحمل شهادة جامعيّة عالية، ويتقاضى أقل من 200 دينار شهرياً، ولا يتمتع بأية تغطية اجتماعية أو صحيَّة، ويعمل خارج المنظومة الشغلية القانونية. وقد تجد أيضاً عامل بناء، يتقاضى يومياً 15 ديناراً مقابل 10 ساعات عمل، وأيضاً دون أي ضمانات اجتماعية ولا صحية. وتجد عاملة نظافة، تقضي أكثر من 12 ساعة يومياً في عمل مستمر، مقابل 240 ديناراً شهرياً، وأيضاً دون أية ضمانات من أيّ نوع.
وأكد عبد الرزاق، شاب يعمل في البلدية، أن راتبه الشهري لا يتجاوز 280 ديناراً، كما من أنّه دون أيّة ضمانات صحية من مخاطر النفايات اليومية، من ودون امتيازات مقابل خدمته ساعات العمل الليلي، أو الساعات الإضافيّة. ولفت عبد الرزاق إلى أنَّ وضعه الاجتماعي الاقتصادي متردّ جداً، وأنه غير قادر على شراء أبسط أساسيات الحياة اليومية، وخصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار.
من جهة أخرى، اشتكى خميس، العامل في مقهى شعبي، من ضعف راتبه الشهري. حيث قال بأنّه يتقاضى 18 ديناراً مقابل 12 ساعة عمل يومياً. قال بأنه غير قادر على مواجهة مصاريف الحياة اليومية، نتيجة التزاماته العائلية الكثيرة، ومشاغله المتعددة.
السيدة شهلة هي الأخرى اشتكت من وضعيتها الشغلية المزرية، كعاملة تتعرض إلى معاملة يوميّة "استغلالية" وفق تعبيرها. ولفتت إلى أنها تتعرض للإهانات في حال نسيت أداء واجب معين في العمل. علماً أن شهلة تعمل أكثر من 10 ساعات يومياً في تنظيف أدراج العمارات، وذلك من أجل راتب شهري يقدر بحوالي 280 ديناراً فقط ، وطبعاً من دون أية ضمانات اجتماعية أو صحية.
المعينات المنزليات هن الأكثر تعرضاً للاستغلال. إذ شرحت السيدة ساسية، بأنها كادت تبكي من فرط استغلالها من قبل مرؤوسيها في العمل. وأكدت ساسية أنها لم تذق طعم حرية الثورة التونسية، لأنها مازالت تشعر أنها تحت الظلم. ولفتت إلى أنها لا تتقاضى أكثر من 10 دينارات يومياً، لقاء عمل مرهق ومستحيل من الساعة الخامسة صباحاً إلى الساعة الخامسة مساءً. طبعاً من دون أية عقود قانونية ولا ضمانات اجتماعية أو صحية.
وتقف الحكومة التونسية صامتة أمام تجاوزات أصحاب المؤسسات، في ظل انعدام الإرادة السياسية، والازدواجية في تطبيق القوانين المتعلقة بالعمل والحقوق والضمانات الصحية. حيث يسود التراخي في تحقيق هذه المطالب، والصرامة حين يتعلق الأمر بمناقشة أوضاع العمل من ناحية أخرى.
واعتبر النقابي بالاتحاد العام التونسي للشغل، قيس بن يحمد، "إنَّ سياسة الاستغلال لموظفي وعمال القطاع العام والخاص، ليست وليدة الثورة". وشرح أنها "سياسة حكومية قديمة، بدأت مع عهد بورقيبة، لتترسخ أكثر مع نظام زين العابدين بن علي. ويأتي ذلك في إطار انفلات تام في تطبيق قانون العمل، ووجود ضعف فادح في إدارة عجلة الدولة، وتوافر إرادة سياسية استغلالية للعمال".
وقد أكد بن يحمد، "أن الاتحاد طالب في العديد من المناسبات بمراجعة سياسة الأجور، وخصوصاً الحد الأدنى المحدد بـ 300 دينار تونسي. ولكن كل المطالب قوبلت بالرفض غير المبرر بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص، والعمال الزراعيين والعمال المؤقتين". وقد أضاف بن يحمد، "أنَّ الاتحاد يحاول حماية العمال المؤقتين في القطاع الخاص، من ظروف العمل الكارثية، سواء من حيث قيمة الرواتب أو من حيث الضمانات الاجتماعيّة المعدومة".
أمَّا الخبير الاقتصادي معز الجودي، فأكد أن الرواتب الشهرية للتونسيين، لا تتماشى مع القدرة الشرائية للمواطن. خصوصاً مع موجة ارتفاع الأسعار، وقرارات رفع الدعم الحكومي على أغلب المواد الاستهلاكية. وقال الجودي "أن الوضعية الشغلية للعاملين في القطاع الخاص تعتبر كارثية، من ناحية ساعات العمل والراتب الشهري، الذي لا يمثل إلا 25 % من طاقة العامل. إضافة إلى عقلية أصحاب المؤسسات، من حيث الاحتساب الدقيق لساعات العمل، والحرمان من الضمانات الاجتماعيّة والمنح الموسميّة. مما يؤدّي إلى تدهور الوضعية الشغلية للعامل التونسي، وارتفاع نسبة الفقر.
المساهمون