البي بي سي: مراهقون أفغان يبنون حياة جديدة بألمانيا

21 مايو 2016
لم تكن رحلة اللجوء إلى أوروبا سهلة أو ممتعة(Getty)
+ الخط -
بعدما خاضوا تجارب ملحمية أثناء رحلاتهم المروعة التي شقوا أثناءها أراضي آسيا وأوروبا، وصل عدد من المراهقين الأفغان إلى ألمانيا وبالتحديد إلى الجزء الريفي من شرق ألمانيا على نهر "مولديMulde" حيث يقضون أوقاتهم هذه الأيام في أمور لم تمر بخلدهم ولا حتى بأحلامهم من بينها تعلم فنون التجديف وممارسة الرياضة.

لم تكن رحلة هؤلاء المراهقين سهلة ولا ممتعة بعدما تركوا الأهل والوالدين هناك وراءهم  وقرروا خوض التجربة بأنفسهم، وأن يدخلوا بلداً أوروبياً يجربوا حظهم فيه.

محاولاتهم للتأقلم والاندماج مازالت تحبو، لغتهم مازالت غير متقنة ولكن في نهاية الأمر بدأت أمورهم في التحسن ويمكن استشراف هذا من خلال الابتسامات التي تعلو ثغورهم أثناء حكيهم لقصصهم، فهؤلاء الشباب الذين فارقوا أهاليهم وقاموا بمغامرة ترك ديارهم بمفردهم يبدو عليهم السعادة وشيء من الاستقرار. هم إنما جزء صغير من ظاهرة كبيرة امتدت خلال السنوات القليلة الماضية لتغطي معظم القارة الأوروبية.

بحسب عدد من هيئات الإغاثة هناك على الأقل 20 ألفاً من هؤلاء الشباب والأطفال "فاقدي الرفقة" قاموا باللجوء إلى أوروبا وفي حقيقة الأمر هناك احتمالات بأن تكون الأعداد أكبر من هذا.

 

بدون أهاليهم

وصلت نسبة الأطفال والشباب (من هم دون سن الثامنة عشرة) في ألمانيا خلال شهري يناير وفبراير من 2016 إلى 31% من إجمالي 120 ألفــــاً من طالبي اللجوء وذلك بحسب هيئة "إنقاذ الطفولة"، ويعتبرون من أكثر الفئات عرضة للمخاطر، لأنهم دخلوا الأراضي الأوروبية بدون رفقة من أي من أهاليهم.  

يقـــــــــول حــــجة الله (14 عامـــــاً) الذي استطاع أن يثبت قدمه "متى سوف نعود لأفغانستان أمر غير معروف"، في حين يرد "خشراو" (16 عاماً) مسرعاَ: "إنها المرة الأولى التي أحس فيها بالأمان".

بدأ الأفغان والسوريون في التوافد على مدرسة "Paul Guenther" في مدينة غينثان منذ شهر فبراير. لم يتم إخبار المدرسة إلا قبلها بفترة قصيرة جداً، حيث اضطرت إدارة المدرسة إلى فتح فصل لتدريس اللغة الألمانية كلغة ثانية لللاجئين أكانوا من هؤلاء الذين توافدوا إلى البلاد بمفردهم أو الذين دخلوها بصحبة أهاليهم من السوريين والأفغان.  

المعلم "توماس سالفيلد" الذي كان يعمل مترجماً دخل سلك التدريس منذ فبراير، والهدف هو مساعدة الطلبة في أن يتقنوا اللغة الألمانية بأسرع وقت ممكن حتى يتمكنوا من متابعة الدروس الأخرى. "الأمر صعب وفيه تحدٍّ" بحسب المدرس "سالفيلد" ولكنه يبدو مصمماً على إنجاز المهمة كما يبدو على الطلبة التقدم بصورة سريعة، ويضيف سالفيلد "الطلبة عندي مثل الأسفنجة، ولديهم دافعية عالية جداً".

 


"أنا مثل والدهم"  

يعبر حجة الله عن سعادته لكونه الآن منتظماً في العملية التعليمية وذلك لأنه لم ينخرط في أي مدرسة أيام ما كان في أفغانستان.

بالرغم من كونه مسؤولاً عن عدد من الفصول التي بها طلبة متنوعو الخلفية الثقافية والقدرات وحتى مختلفي المراحل السنية إلا أنه متمسك بعزيمته بأن يقدم لهؤلاء الوافدين كل الإمكانيات المتاحة لبدء حياة كريمة. "هم يعتبرونني مثل والدهم" كان وصفه لعلاقته مع هؤلاء اللاجئين فاقدي صحبة الأهل.  

في فترة الفسحة، يختلط الوافدون مع غيرهم في أغلب الأحيان، فهم لم يمر عليهم أكثر من بضعة أسابيع في هذا المجتمع الريفي النائي الذي لم يعايش مثل هذا التدفق للأجانب من قبل.

 

مشاعر عدائية

أما في المدن القريبة مثل مدينة "لايبسيج" الكبيرة هناك مشاعر عدائية ضد اللاجئين، تقول لورا شلوسسر (16) هي مشاعر لا تفهمها، فهي لم تتعامل بصورة كبيرة مع اللاجئين حتى اللحظة ولكنها لا تفهم لماذا يكون للآخرين مشاعر عدائية ضد اللاجئين الذين لم يدخلوا ألمانيا لاعتقاد لديهم أنها بلاد جميلة ولكن لأنهم كانوا مضطرين بسبب الحرب والأزمات، بالرغم من أن المدينة الصغيرة بل المتناهية الصغير "غيثان" استقبلت اللاجئين بالترحاب والدفء إلا أن هذا لا يعني أبداً أن كل سكانها من مؤيدي المستشارة الألمانية "ميركل".

يقول كلاوس ديتر اوجوستين، الذي يدير محلاً صغيراً لبيع الأحذية مع زوجته، أنه يرى أن خطوة فتح الحدود ليدخلها أكثر من مئة ألف دفعة واحدة بصورة غير مخططة أمراً خاطئاً.


في نهاية يومهم المشمس جلس الشباب الأفغان على خضرة الحديقة العامة ولعبوا سوياً بأوراق اللعب، استمعوا للموسيقى والأغاني الأفغانية وفي بعض الأحيان يدخلون على الإنترنت لمحادثة أحد من أفراد العائلة.  

لديهم كامل الحرية للذهاب إلى المدينة ولكن اليوروهات العشر التي يتلقونها من الإدارة المحلية أسبوعياً لا تكفيهم كثيراً، هذا بالإضافة إلى سبع يوروهات إضافية يتم صرفها لكل "بيت" بهدف تشجيع الفاعليات الثقافية.

قرر "ديتليف روديه" في ديسمبر الماضي التوقف عن القيام بوظيفته الاعتيادية وهي وظيفة الصحافة وذلك للعناية بهؤلاء الشباب، يرى"ديتليف" أنه من المفترض أن تكون الدولة أكثر كرماً مع هؤلاء الوافدين، "نحن علينا مساعدة هؤلاء الشباب، نحن نستطيع مساعدتهم، نحن أغنياء ولا تنقصنا الأموال".

مثل المدرسة في مدينة "غيثان" لم يتح لـ"ديتلف روديه" متسع من الوقت كي يحضر لمهمته الجديدة، فقد عهدت إليه مهمة تدريب هؤلاء الشباب ولكنه لم يدرب أحداً من قبل سوى أبنائه، هو من كبار المتحمسين لسياسة ميركل، فهو يدرك تماماً أن ما قامت به "ميركل" كان انتحاراً سياسياً بكل المعاني ولكنه يرى أن هذه السياسة كانت صائبة وأنها قامت بما كان يجب القيام به".

 أما بالنسبة للوقت الراهن، يمكن القول أن الشباب الأفغاني في مأمن يتم العناية بهم ومن المأمول أن ينجحوا في عملية الدمج في هذا المجتمع المتناهي الصغر في إحدى أركان ألمانيا الهادئة.

 

* نشر في البي بي سي في  9 مايو 2016

 

ترجمة: منى يونس

 

المساهمون