روزهان إدريس: الجامعات الماليزية هي الأفضل

29 يوليو 2015
رئيس مركز التعلم المفتوح بماليزيا روزهان بن محمد(العربي الجديد)
+ الخط -
استطاعت دولة ماليزيا، أن تضع خطة لتطوير التعليم العالي على المستوى الوطنى، بما جعلها تصل إلى إحدى الدول 12 التي يتجه إليها طلبة الجامعات على مستوى العالم، كما أنها أصبحت تتميز بوجود 7 جامعات بها، تدرج من ضمن أفضل 700 جامعة عالميا..

ما هي العوامل التي دفعت كلاً من الحكومة والشعب الماليزي إلى اعتبار التعليم العالي من بين أهم أعمدة تحقيق التقدم الوطني، وكيف استطاعت الدولة الأسيوية في التخطيط للوصول إلى هذا النجاح الباهر.. يعطينا د.روزهان بن محمد إدريس، المحاضر في الجامعة الإسلامية الماليزية في مجال التعليم المفتوح عن بعد وتكنولوجيا التعليم، إجابات دقيقة ومفصلة عن كل ما يتعلق بالتعليم العالي في ماليزيا، وكذلك رؤية ماليزيا المعروفة وطنياً باسم رؤية 2020 والتي يتصدر الاهتمام بالفرد وتعليمه البند الأول فيها وفيما يلي نص الحوار:

* هل يمكن لكم أن تعطونا نبذة عن نظام التعليم العالي في ماليزيا؟
يمر، حالياً، نظام التعليم العالي في ماليزيا بمرحلة من التطور نحو التعليم المتمحور حول الطالب. نحن نتحرك بصورة واضحة لبناء الأسس المتينة التي يمكن من شأنها، أن تساعد في تسريع عملية التطور المطلوبة لتحقيق استراتيجية 2020. ويمكن أن نبرهن على التحسن والتطوير الحادثين في مجال التعليم العالي بنسبة وعدد الجامعات الماليزية التي تدخل القوائم المحددة لأفضل الجامعات على المستوى العالمي، حيث تربعت 7 جامعات على قوائم الـ700 جامعة الأفضل على مستوى العالم في قوائم the Global QS Ranking وعلى رأس تلك الجامعات الجامعة الأقدم والأعرق في ماليزيا، وهي الجامعة الماليزية، وهناك 5 جامعات كلها في صدارة الجامعات الآسيوية الأفضل.


* ما هي العوامل التي دفعت كلاً من الحكومة والشعب الماليزي إلى اعتبار التعليم العالي من بين أهم أعمدة تحقيق التقدم الوطني والقوة الدافعة لرؤية 2020؟
رؤية 2020 تلخص حلم كل ماليزي في أن يرى بلده يتربع على موقع متميز بين الدول المتقدمة بحلول عام 2020. تلك الرؤية التي ترجع إلى تاريخ 1991، جوهرها قائم على فكرة بناء الدولة الموحدة الواثقة من نفسها على المستوى الأخلاقي والسياسي والاقتصادي.

ولأن الرؤية لها سقف عالٍ في التوقعات والطموح الخاص بمستقبل ماليزيا، كان لابد من أن يتصدر الاهتمام بالفرد الماليزي هذه الاستراتيجية، وبالتالي كان لابد من أن يتبوأ التعليم هذه المكانة المرتفعة من الاهتمام، ولن يتأتى الرقي والازدهار إلا من خلال "تحويل المسار التعليمي" إلى وجهة جديدة تحقق التقدم، الإبداع وقادرة على تخريج أفواج من المواطنين الأكفاء القادرين المتمكنين من العمل وفق المعايير المرتفعة التي وضعتها الرؤية.

* ما هي المبادئ المميزة الفريدة في الخطة والسياسة التربوية الخاصة بقطاع التعليم العالي الماليزي، في رأيكم؟
السياسة الاستراتيجية لقطاع التعليم العالي في ماليزيا تدفعها الأهداف الوطنية والتي من بينها أن تتبوأ ماليزيا مكانة عالمية في جذب الطلاب من أنحاء العالم من خلال تحقيق جودة عالية للعملية التلعيمية، وقد وضعت هذه الأهداف في خطة عام 2007 ومازلنا نمشي على دربها، هذه الخطة هي المرحلة الثانية من الرؤية الشاملة لعام 2020 والمبادئ الاستراتيجية المعبر عنها في الخطة تتلخص في:

ـ توسيع مقاعد التعليم العالمي وتوسيع القطاع نفسه، ولكن مع تحقيق قدر كبير من العدالة الاجتماعية.
- تحسين جودة عمليتي التعليم والتعلم.
- الارتقاء بمستوى البحث العلمي والابتكار.
- تدعيم المؤسسات العاملة في مجال التعليم العالي.
- تكثيف الجهود نحو تحويل القطاع إلى قطاع "عالمي".
- غرس قيم "التعليم المستمر والتعليم مدى الحياة".
- دعم الوزارة وما تقدمه من خدمات.

- ما الذي تم إنجازه من هذه الخطة حتى الآن؟
تعتبر أكبر الإنجازات التي تمت، خلال الفترة الماضية، هي التوسع الكبير في المؤسسات الخاصة، القدرة على بناء وتأسيس أفرع للجامعات الماليزية ليتم التخديم على أطراف البلاد بصورة لائقة، مما أدى إلى رفع نسب الملتحقين من الطلبة، وكذلك العاملين في هيئات التدريس وحركتهم الأوسع الآن بين المؤسسات المختلفة ( في المركز والأطراف) ومن ناحية أخرى كان هناك تطور كبير جداً في مجال استخدام التكنولوجيا في العملية التلعيمية بالإضافة إلى تأسيس العديد من الجامعات البحثية.

ويرجع أحد الأسباب الرئيسية في هذا النجاح إلى التمسك بالمبادئ والخطة وعدم الحياد عنها إلا بما يحقق تطورها.

* تطرقتم سريعاً لفكرة "جودة التعليم"، هل يمكن أن تمدونا بفكرة عن الخطوات التي تمت للوصول إلى ذلك؟
ماليزيا مثل كثير من الدول النامية التي تنظر إلى فكرة "عولمة التعليم" بصورة لا تخلو من الريبة، العولمة سوف تزيد من حدة التنافس بين مقدمي خدمات التعليم العالي، وسوف تجعلنا في مواجهة مفتوحة مع العالم الرقمي وعالم التكنولوجيا الحديث، ومن ناحية ثالثة هناك التخوفات الخاصة بالمجال الاقتصادي وأضرار الانفتاح الكبير على اقتصاديات البلاد.

وأدى ذلك إلى اكتشاف نقاط الخلل لدينا التي لابد أن نعالجها كي نستطيع أن نصمد مع أي تنافس عالمي: هناك ضعف في المخرجات الخاصة بالبحث العلمي والتطور المؤسسي، هناك خلل في الربط بين سوق العمل والمؤسسات التعليمية، هناك خلل واضح في الجانب الاقصادي (ما يحققه القطاع لا يساوي ولا يعادل ما ينفق عليه) وعدم الاستمرارية والثبات في الدعم المالي بالإضافة إلى ضعف الأداء والمكانة.

هذه تحديات ندركها تماماً، وبالتالي كان لابد أن نفكر خارج الصندوق وأن نفتح أعيننا على كل فرصة تسمح بتطوير وتحسين القطاع، وكان من بين هذه الأمور التي قمنا بها وأفادتنا بصورة كبيرة، وهي إن قارنا أنفسنا بصدق وأمانة مع كبريات الجامعات العالمية بهدف فهم نقاط القوة والضعف التي لدينا، ومازال لدينا الكثير من العمل ومازلنا نبحث عن الحلول الأمثل للتطوير.

ولكن لأن أي عمل جاد لابد له من بداية، كانت البداية مع فكرة "تحقيق التناغم" بين المؤسسات العاملة في المجال، مما استدعى أن نطلق أيدي بعض المؤسسات من خلال تشريعات تحقق لها درجة أكبر من الاستقلالية، ومن ناحية أخرى عملنا على غرس قيم "السوق" في ذهنية القادة التربويين في القطاع، حيث يكون التركيز على المخرجات لا على المدخلات كما كان في السابق.

توصيل مثل هذه القيم والمفاهيم للجميع أمر صعب، وبالتالي نقوم، حالياً، على توثيقها وتوصيلها إلى كافة ربوع ماليزيا، نبدأ بالجامعات الماليزية العامة والوطنية ونفتح النقاش المجتمعي من خلال التجمعات الواسعة في الجامعات حول الخطة والسياسة التربوية بعد أن وزعنا نسخاً مجانية على الإداريين والقادة وهيئات التدريس كافة، هدفنا أن يتم توعية الكافة بالرؤية والخطة ومتطلباتهما.

* تحدثتم عن مجهودات الدولة للوصول إلى الطلبة الماليزيين في أطراف البلد والمناطق النائية.. كيف يتم هذا؟
نصف الطلبة الماليزيين متمركزون خارج المنطقة الوسطي للبلاد، وبالتالي لابد من أن نصل للمناطق النائية، ولكننا واقعيون، ونعرف أنه لن يتم الانخراط في التعليم العالي بدون أن يكون هناك مستوى معين ولائق من المعيشة ودخول معقولة تجعل التعليم "خياراً" في تلك المناطق. الأمر ليس سهلاً بل مركباً. 

الزيادة في المجال الصناعي على الرغم من أنها قد تبدو لا علاقة لها بالعملية التعليمية إلا أنها وثيقة الصلة، فمن ناحية يرجع الكثير من العاملين في المجال الصناعي لمقاعد التعليم للاستزادة من العلم والمهارات الضرورية، ومن ناحية أخرى يتم استثمار التوسع في المجال الصناعي ببناء العلاقات بين احتياجات السوق والقطاع التعليمي، العلاقة لو تم إدارتها بصورة عالية الكفاءة سوف تؤدي للابتكار، وتطوير مجال التدريب المهني والتقني في البلاد بما يتوافق واحتياجات سوق العمل.

* ماذا عن تطوير مهارات هيئات التدريس. تطوير البنية التحتية وطرق ووسائل التدريس المتبعة بما يحقق ما تصبون إليه من الابتكار والإبداع؟
أنا شخصياً أؤمن أن بناء العلاقات الوثيقة بين قطاع الأعمال والقطاع الأكاديمي من ناحية وبين القطاع العام والخاص من ناحية أخرى كلها أمور حيوية برفع الكفاءة بما يحقق الإبداع والابتكار، وبالتالي يكمن السؤال المحوري في: "كيف نحقق هذا؟ ما الأمور التي علينا اتباعها والخطوات التي لابد أن نمشيها؟" علينا أولاً وقبل كل شيء أن نركز على المتطلبات الحقيقية للسوق من خلال البحث العملي بهدف إيجاد الحلول وتخريج المتخصصين في المجالات المختلفة والتركيز على الأولويات الوطنية وتكثيف المجهودات للربط بين هذه القطاعات من خلال تطور تقوده الجامعة.

كما نحاول أن نحسن من المواهب والقدرات الماليزية، وأن نستثمر فيها وذلك من خلال برامج تركز على الجودة – الكفاءات المهارية وبصفة خاصة المرتبطة بقطاع الأعمال وضخ ما ينمي ويعمل على تطوير هذه الكفاءات في المناهج الموجودة والعمل على بناء نماذج للتعامل المشترك بين هذين القطاعين بما يحقق النفع عليهما معاً.

ومن ناحية أخرى نهتم بترسيخ مبدأ التعليم المستمر والتعليم مدى الحياة حتى نضمن أن المعرفة تصل للجميع بغض النظر عن ظروفهم وأن حزمة المهارات الأساسية التي يحتاجها المواطن في العصر الحديث، يتم تنميتها من خلال فرص تعليمية متاحة ومنتشرة وبصورة عالية الجودة والكفاءة في المناطق المختلفة، ولا سيما تلك المرتبطة ببيئة العمل.

* تطبق ماليزيا ما يعرف بالنظام الثنائي: فمن ناحية تفتح أبوابها على مصراعيها للطلبة الأجانب والمؤسسات الأجنبية ومن ناحية أخرى، تدعم المؤسسات العريقة الوطنية.. ما السبيل لتحقيق التوازن؟
نحن نقوم بعملية تحويل للمشهد التعليمي في ماليزيا بما يحقق التوازن بين كلٍ من القطاع العام والخاص وأحد الأهداف هو جذب الطلبة، ليس فقط المحليين ولكن من الدول المجاورةن بل ومن العالم أجمع.

كي نضمن جودة قطاع التعليم العالي لابد من أن يكون هناك مؤسسات قوية وعلى درجة عالية من الكفاءة تعمل في مجال "ترخيص واعتماد" البرامج وتكون عاملة تحت مظلة وزارة التعليم العالي. كل المؤسسات مهما كانت، هي مراقبة ومسجلة في الوزارة بما في ذلك المناهج التي تدرس، المضامين وطرق التدريس نفسها. والقطاع يعمل على تطبيق المعايير العالمية من خلال ما يعرف بمعايير الجودة وبعض المعايير الأخرى ذات العلاقة من أجل ضمان إدارة العملية التعليمية على مستويات مقبولة وعالية.

الوزارة والإدارات الأخرى، منها هيئة الجوازات – الداخلية – الخارجية كلها تعمل معاً من أجل توفير الاحتياجات كافة وتيسير دخول وانخراط الطلبة في الجامعات الماليزية، ونرى إقبالا متزايداً من مواطني الدول الآسيوية المجاورة، مما يجعلنا نقول إننا في الطريق نحو بناء مركزية للتعليم العالي في آسيا.

والتجربة، خلال الأعوام القليلة الماضية، علمتنا أن أحد أعمدة النجاح، هو التنسيق والعمل المشترك بين الجهات المختلفة وتبادل الخبرات والمهارات.

بالفعل ساعدنا هذا على أن يتم تنصيبنا كالوجهة الثانية عشرة التي يتوجه إليها الطلبة الأجانب للتعليم العالي (المصدر: يونيسكو تاريخ يوليو 2014) ونحن ملتزمون أن نتربع على مكانة أعلى من ذلك، نحن نؤمن أن واحدة من ضمن نقاط القوة التي لابد أن نستثمرها، هي حضارتنا وثقافتنا، مجتمعنا وبيئتنا التي من ناحية تستخدم اللغة الإنجليزية في العملية التعليمية في أغلب الجامعات ( اللغة الأكثر انتشاراً ) والتي تجعل تكلفة المعيشة للطلبة تكلفة معقولة ومقبولة.

* ما هي الخطوات القادمة فيما يخص التعليم الإلكتروني، وما هي الأمور التي تطموحون إلى تحقيقها؟
نطمح في بناء منصة تعليمية شاملة، يمكن أن تستفيد منها مجموعات أصحاب المصلحة كافة. بصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا التعليم نحتاج إلى تطوير مستمر في البنية التحتية وتطورها، كذلك دعم مالي أكبر في مجال بناء المحتوى الرقمي عالي الجودة، ولكن أهم من هذا وذاك نحتاج إلى تحسين وسيلة التعليم وطرق التعلم – الجانب التربوي من العملية التعليمة – وجعل هذا الجانب يتماشى ويتوافق مع التقدم العملي. ليس فقط من واجبنا أن نعد أبناءنا لما تقدمه لهم الأيام من تقنيات حديثة، لكن علينا، أيضاً، ألا ننسى تطوير هيئات التدريس والقائمين على العملية التعليمية، فالكل يحتاج لأن يتحرك سوياً نحو أسلوب التعلم المتوافق والقرن الـ 21.

اقرأ أيضا: ماليزيا وتركيا.. قبلة الطلبة العرب بعد فشل الثورات
المساهمون