الجامعات العربية.. أين الخلل؟

24 مايو 2015
+ الخط -
تتشابه إلى حد كبير مشكلات التعليم العالي في جامعاتنا العربية من المحيط إلى الخليج، فالمشكلات متقاربة مع بعض الاختلافات، وتركيزنا على مشكلات التعليم الجامعي لا يعني إنكار الجهد المبذول؛ فالأمر أعمق من ذلك بكثير، ومع كل الجهد المبذول من قبل العاملين في الجامعات إلا أننا لا نستطيع إنكار أن المشكلات تنخر في أساس التعليم الجامعي ويحتاج لمجهودات كبيرة للخروج من الأزمة.
وإذا حاولنا أن نقترب وبعمق يمكننا أن نلحظ أن أهم المشكلات على الإطلاق تتمحور حول الأسلوب الموروث جيلاً بعد جيل أسلوب "التعليم التلقيني"، وكون وسيلة تقويم الطالب الوحيدة هي مجموع درجاته في الامتحانات المتتالية، ومن ثم يصبح دوره الأوحد هو حفظ مجموعة من المذكرات وأحيانا الأسئلة والمسائل حفظا عن ظهر قلب، هذه المنظومة التي تعتمد بالأساس على مهارة الحفظ ولا تلتفت لتنمية مهارات التفكير والابتكار والتساؤل والبحث؛ والمشكل أنه حتى لو حاولت إحدى الجامعات أن تتبع أسلوبا مختلفا، فإنها ستواجه برفض عنيف من الطلبة وأهاليهم وستواجه أيضا بكل محاولات الالتفاف لأنها تستقبل الطالب الذي اعتاد أن يتلقى المعلومات الجاهزة سابقة التعليب من الوالدين أو من المدرس الخصوصي ليقذفها بعد ذلك على صفحات كراسة الإجابة، ولمَ لا ينساها وقد كان سلبيا في تلقيها، ولم لا ينساها وهو لم يجد من يوجهه للربط بين هذه المعلومة وبين تطبيقاتها في الحياة، والخلاصة أن أزمتنا الكبرى في نظامنا التعليمي هي في مجتمع يقيم الطالب وفقا لدرجاته في الامتحانات التي تقيس القدرة على الحفظ، ونتائج هذه الامتحانات هي التي تحدد مصير الطلاب ومن ثم يتكالب الطلاب وأهاليهم قبلهم من أجل تحقيق هذا الهدف بأي وسيلة مشروعة كانت أم غير مشروعة.
هذا بالإضافة إلى مشكلة الأعداد المتزايدة من الطلاب والتي تفوق القدرة الاستيعابية لكليات منهكة أصلا بضعف الموازنات الجامعية ويضاف لهذا ضعف رواتب أعضاء هيئة التدريس مما يضطرهم للجوء للدروس الخصوصية والاعتماد على دخل الكتب والمذكرات الجامعية أو اللهاث في أكثر من عمل لضمان دخل لائق لهم ولأسرهم، ولا يقتصر الأمر على هذا فلا توجد منظومة متكاملة لتطوير قدرات وكفاءة أعضاء هيئة التدريس وهذا لا ينفي وجود مجموعة كبيرة من الدورات التدريبية ولكنها غير فعالة بالدرجة المطلوبة، وتتضاعف الأزمة بغياب منظومة فعالة للثواب والعقاب لأعضاء هيئة التدريس.
هناك جهود كبيرة من الإدارات المتتابعة للجامعات لمحاولة الحد من هذه السلبيات مثل المجهودات الإصلاحية للجان المناهج ولجان الاعتماد والجودة ولجان التدريب والتطوير، ولكن هذه الجهود لم تحقق إلا نسبة قليلة من العائد المنشود منها، فهي أشبه بترقيع الثوب المهلهل أو بجرعة مسكنات لمرض عضال؛ فنحن نحتاج لثورة تعليمية في كل المراحل نعيد فيها الاعتبار للتعليم النشط والتعاوني والابتكار وتنمية العقل الناقد ولن تحدث هذه الثورة إلا بتغيير البنى والهياكل القانونية وما يستتبعه هذا من تطوير حقيقي لأعضاء هيئة التدريس ودعمهم ماديا ليتمكنوا من التفرغ كلية للجهود التعليمية والبحثية، ويتزامن هذا مع تغيير جذري في منظومة تقييم الطلاب. وفي النهاية لا بد من أن تتضافر الجهود حتي يسود منطق تقييم الطالب عن طريق تقييم قدرته على التفكير والإبداع.
دلالات
المساهمون