تداعيات الانسلاخ البريطاني

04 يوليو 2016
تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (Getty)
+ الخط -
أنهى الشعب البريطاني الاستفتاء التاريخي، الذي أفضى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبدأت، تبعاً لذلك، ما تُسمى عملية جردة حساب معمقة على كل الأصعدة لدراسة تداعيات الخروج على الاقتصاد البريطاني والأوروبي والعالمي.
في الجانب البريطاني، فإن الاستثمارات الأوروبية، التي تقدر بنحو 700 مليار يورو في بريطانيا والتي تمثل أكثر من نصف إجمالي الاستثمارات المباشرة، قد تتقلص بشكل كبير. يعود ذلك إلى كون كلفة المنتجات المصنعة في بريطانيا ستكون مرشحة للارتفاع في حال تم فرض رسوم جمركية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي من جهة، واستمرار تراجع الجنيه الإسترليني من جهة أخرى.
إذا أخذنا الاستثمارات الأميركية في بريطانيا مثالاً على ذلك، فإن استمرار تراجع الإسترليني، الذي يتداول اليوم قرب أدنى مستوياته في ثلاثة عقود أمام الدولار، من شأنه أن يرفع من كلف بعض الأجزاء المصنّعة في الولايات المتحدة والمُعَدَّة للتجميع والتصدير إلى دول الاتحاد في ما بعد، الأمر الذي يتسبب في تراجع أرباح الشركات الأميركية وتقلص استثماراتها في بريطانيا.
إضافة إلى ذلك، ستفقد بريطانيا ميزة حصولها على تسهيلات ائتمانية بسعر فائدة قريب من الصفر عندما كانت في الاتحاد، إذ إن خروجها من الاتحاد، سيجبرها على الاقتراض بأسعار فائدة أعلى، الأمر الذي سيرفع من كلفة الاقتراض.
ولا يمكن إغفال المزايا التي كانت تجنيها بريطانيا من خلال تبادلها التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي في سوق حرة موحدة لا تتضمن رسوماً جمركية على منتجاتها، مما ساهم في إزالة كل عوائق الاستيراد والتصدير من وإلى الاتحاد الأوروبي. مع خروج بريطانيا من الاتحاد، فإن العلاقات التجارية بين الطرفين سيشوبها الكثير من الغموض، حول ما إذا سيتم فرض أية رسوم جمركية على سلع كلا الطرفين، وهو ما يعني أن بريطانيا ستفقد ميزة قيام الاتحاد الأوروبي بالتفاوض بالنيابة عنها، كما كان في السابق، بهدف تصدير منتجاتها حسب قوانين الاتحاد الميسرة.
وبالمثل، فإن خروج بريطانيا سيعمل على الأرجح على تراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني أمام العملات الرئيسية الأخرى، وستفقد بريطانيا ميزة قوة وثبات عملتها على مدى عقود مضت، والتي كان يرى فيها المستثمرون ملاذاً آمناً لاستثماراتهم. كما أن تراجع الإسترليني من شأنه، أيضاً، أن يجعل مستوردات بريطانيا من الخارج أكثر كلفة وسيفقدها الكثير من قوتها الشرائية.
أما بالنسبة إلى وجهة النظر التي تتبنى خروج بريطانيا، فهي تسعى بشكل أساسي إلى وضع حد لموجات الهجرة إلى هذا البلد والتي كانت تأتي بغزارة من مواطني دول الاتحاد الأكثر فقراً، والمنضمة حديثاً إلى الاتحاد، مثل رومانيا وبولندا وليتوانيا، إضافة إلى توقعات كبيرة بانضمام دول أخرى أكثر فقراً، في المستقبل المنظور، مثل صربيا وألبانيا.
في المقابل، فإن العديد من الآثار الاقتصادية السلبية قد تلحق الضرر بالاتحاد الأوروبي خصوصاً إذا علمنا أن ثقل الاقتصاد البريطاني على الساحة الأوروبية والعالمية، وغزارة مساهمتها للاتحاد تقدر بنحو 11 مليار يورو سنوياً، فيما تتجاوز أرقام التبادل التجاري مع الاتحاد 60 مليار يورو سنوياً.
علاوة على ذلك، هناك قلق متنام يراود الكثيرين من أن خروج بريطانيا قد يلحق الضرر بسعر صرف اليورو، الأمر الذي سيفقد العملة الكثير من قوتها الشرائية ويجعل مستوردات الاتحاد أكثر كلفة بما أن السلع العالمية، وفي مقدمتها النفط الخام، مقومة بالدولار، الذي سيصبح أكثر قوة أمام اليورو الضعيف.
أمام كل هذه التحديات، فمن غير المتوقع أن يقف كل من بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي مكتوفي الأيدي، إذ بدأنا نسمع من الآن بخطط وإجراءات سيتم اتخاذها من قبلهما من أجل امتصاص القلق العالمي المتزايد.
أما على جانب الاقتصاد العربي، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يدفع بعض الصناديق الاستثمارية الأوروبية إلى تقليص مخصصاتها للأسواق الناشئة، والتي قد تتضمن بيع أسهم بعض الشركات في البورصات الخليجية، خاصة في حال تهاوت أسعار النفط بشكل كبير.
وتتركز المخاطر الرئيسية، التي تهدد دول مجلس التعاون الخليجي جراء الخروج، في حدوث تباطؤ اقتصادي في منطقة اليورو مما قد يدفع أسعار النفط للتراجع وتقليص الإيرادات النفطية لهذه الدول التي تشكل نحو 91% من مجمل إيراداتها.
مقابل ذلك، قد يصب ضعف الإسترليني واليورو في صالح ميزان المعاملات الجارية للاقتصادات، التي تعتمد على الاستيراد المكثف، مثل الأردن ومصر وتونس، إضافة إلى أن كلفة الاقتراض لهذه الدول، والمقومة باليورو، ستتقلص مع هبوط أسعار صرف العملة الأوروبية.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون