مقهى الرضى

06 أكتوبر 2015
+ الخط -
في شارع البشارة في الجزء القديم من الناصرة، المسمى البلدة القديمة، يقع "مقهى الرضى" الذي ظهر في غير ما مشهد وفيلم لإيليا سليمان، لكأنه مقهى الرضى مكررًا مزيدًا.
ولا يبدو أن هذا البناء كان في أصله مقهىً، إذ يمكن ردّه ببساطة إلى بيت مشرقي حجري ذي قناطر، من تلك البيوت الدارجة في بلاد الشام. حيث طوّر السكّان خصائص معمارية تمتح من البيئة المحلية وما يناسبها من وظائف واستعمالات.
بابان متوازيان وعلى طرفيهما شبّاكان متوازيان أيضًا، البابان والشبّاكان متوّجان بأقواس حجرية، فهذا الشكل هو المعتمد في البناء المشرقي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
استطاع المقهى أن "يعيش" وأن يتجاوز النكبة والنكسة، وينجو من التهديم بحجة تحديث إسمنتي ما. لعلّ مردّ ذلك أنه واقع في البلدة القديمة، التي "نامت" منكفئة على نفسها، حين احتلّت إسرائيل المكان. وربّما أدّت القداسة الموجودة في مدينة سيدنا المسيح دورًا ما. فبناء واقعٌ في شارع يحمل اسم "البشارة" ويفضي إلى أكثر من كنيسة، تحنو عليه الأيام، فتحميه لأنّه "جار المقدّس". الرضى إذن اسم مناسبٌ لمكان نال رضىً ما.
للمقهى مصطبة تمتد على طوله، مصطبة سيصوّرها إيليا سليمان ويظهرها أدنى إلى خشبة المسرح. فالبابان مغلقان وكذا الشباّكان، المقهى مقفلٌ لأن الزمن زمن النكبة؛ زمن عام 1948.
إلا أن النصراويين جالسون فيه، يحتسون شايًا وقهوة، ويدخنون. على حضنهم بواريد رديئة، وفي عيونهم قهر الاحتلال. لكن بدلًا من الغوص في الحزن والكآبة وذرف "الدموع" المعتادة، اختار إيليا سليمان لمقهى الرضى، مشهدًا لا ينسى:

اقرأ أيضاً: كنيسة القديس يوسف في الناصرة

النصراويون جالسون واجمين، وفجأة يمرّ مسرعًا بخطى أدنى إلى خطوات الرجل الآلي، شابٌ شاردٌ من "جيش الإنقاذ"، لا يرى شيئًا أبعد من خطوه المنتظم، ولا يعرف وجهته أيضًا. دردشة بسيطة مع النصراويين، وإذ بشارد جيش الإنقاذ يجلس معهم، ليفهم: أصحيح أن النكبة وقعت؟ العسكري الشارد، لن يصدّق قبل أن تمطر هيليكوبتر إسرائيلية منشورات على الناس.

اقرأ أيضاً: جسر أفينيون - Le pont Saint-Bénézet

وصوت العسكري الإسرائيلي يصدح من المكبّر: "يا أهالي الجليل إن ساعة التحرير قد أزفت، فها هو جيش الهاغاناه الإسرائيلي يقطع دابر العصابات الآثمة التي تسمي نفسها زورًا وبهتانًا جيش التحرير. يا سكان الجليل ارموا أسلحتكم وارفعوا الألوية البيضاء. إن ساعة التحرير قد دقت، ففكوا قيود العصابات وتحرروا من نيرها، وساعدوا جيش الهاغاناه
على تثبيت دعائم السلام في هذه البقعة من فلسطين". وحدها المفارقة الممتزجة بسخرية إيليا سليمان اللاذعة، تعطي المشهد ألف معنى ومعنى.
المساهمون