واجب منزلي أم عقاب جماعي؟

16 مارس 2017
يجب التخلص من طرق التدريس القديمة(Getty)
+ الخط -
يصدق علماء النفس حين يؤكدون أن هناك مواقف يعيشها الإنسان ويشعر أنه قد عاشها من قبل، وبعيداً عن التفسير العلمي أو السيكولوجي لهذه الظاهرة التي تعرف باسم "شوهد من قبل"، فقد عشت موقف "الواجب المنزلي" عندما كنت تلميذة، ثم رأيته يتكرر حين أصبحت أماً لعدة أطفال. 

المعاناة هي نفسها وقد كنت تلميذة متفوقة، ولكني كنت أحب اللعب والقراءة منذ صغري، علاوة على عشقي لمراقبة أمي في المطبخ، ولكني كنت أعود كل يوم من المدرسة مثقلة بواجبات مدرسية كثيرة خاصة بكل مادة تستهلك كل وقتي، وتتركني مرهقة ولا وقت لدي لممارسة أي نشاط، رغم أن هذه الواجبات تكون مخصصة للتلميذات الأقل مني في المستوى الدراسي، ولكن السيئة تعم للأسف.

وهكذا كانت المعلمات يتجهن لإقرار وتعميم هذه الواجبات الثقيلة على الجميع بلا استثناء، ومنها حسبما أذكر، واجب نسخ جدول الضرب مائة مرة مثلاً، وكنت أحفظ جدول الضرب عن ظهر قلب، ولكن وفي المقابل، كان هناك عدد من التلميذات اللواتي لا يعرفن حاصل ضرب العدد 2 في نفسه، ووجدت نفسي ملزمة بنسخ الجدول، وقد كنت وقتها بطيئة في الكتابة لأني كنت أُعنى بخطي وأتجه لتعلم الخط العربي بأشكاله المختلفة.

وهكذا عهدت بمهمة نسخ جدول الضرب لشقيقتي التي تكبرني بعام، فقد كان خطها يشبه خطي كثيراً ولديها سرعة في الكتابة، والأهم من ذلك أن المعلمة لم تكن تهتم بالنظر إلى كراسة الواجب الخاصة بي، ولم تفعل ذلك ولو لمرة واحدة، وكنت أحل كل الواجبات تحسباً لأي طارئ، خاصة أن التلميذات الصغيرات في فصلي يمارسن الوشاية بأمانة يحسدن عليها.


رغم مرور السنوات والتقدم العلمي والتكنولوجي إلا أنني حين أصبحت أماً، اكتشفت أن المعلمات لا زلن يتبعن الأسلوب نفسه الذي عانيت منه، وكان يكلفني أن أتبرع بجزء من مصروفي اليومي لشقيقتي التي كانت تحل الواجبات نيابة عني، وهذا ما لم أخبركم به حتى اللحظة، ولكن هذه هي الحقيقة المريرة، ولم تكتشف أمي السر وظلت تتهمني بالإسراف وبأن حصالتي فارغة، وحصالة شقيقتي متخمة بالقطع النقدية الصغيرة، ولم يشفع لي وقوفي بين يديها في المطبخ حيث بدأت بوادر حب الطهي تظهر علي منذ الصغر فكنت الذراع اليمنى لها.

في دراسات مستفيضة عديدة حول العالم عن فائدة الواجبات المنزلية وضررها، جمع أستاذ تربية نيوزيلندي نتائج حوالي 50 ألف دراسة أجريت على ما يزيد عن 80 مليون تلميذ، وكانت هذه الدراسات كلها تدور حول العوامل التي تؤدي لنجاح العملية التعليمية، وقد جاءت الواجبات المنزلية في ذيل قائمة عوامل النجاح، خصوصاً بالنسبة لتلاميذ المرحلة الابتدائية، أما باحثون في جامعة "توبنغن" الألمانية فقد توصلوا إلى أن الحافز الداخلي لدى الطالب ودرجة اجتهاده هما اللذان يحددان معدل استفادته من الواجب المنزلي، كما أن الواجب المنزلي يتحول إلى عبء على التلميذ إن لم يكن لديه الوقت المتاح لإنجازها.

لذلك فإن الحل البسيط الذي يجب أن نتبعه كمعلمين ومربين في حال أردنا الاستفادة من الواجبات المنزلية، هو اتباع مبدأ "تعلم أن تتعلم"، ويعني أن نعلم الطفل وندربه على وضع أهداف طموحة وإنجازها خلال فترة زمنية محددة مع توفير المكافأة في حال حقق التلميذ النتيجة المطلوبة، وفي هذه الحالة ننتقل من مرحلة العقاب الجماعي للأم وأحيانا للأب الذي يقوم بمهمة حل الواجب مع الأولاد، إلى مرحلة توفير الجو الأسري المريح والذي كان يسطو عليه الواجب المنزلي ويحرم العائلة من الاجتماع إلا أمام الدفاتر المفتوحة وأقلام الحبر والرصاص.
المساهمون