أدوات قمع تافهة

02 ديسمبر 2014
الواقع هو في تكبيل الحقوق (فرانس برس)
+ الخط -
يوماً بعد آخر، تضيق حرية الرأي في البلاد العربية.

فلا القمع توقف، ولا الثورات نجحت في إنهائه. ولا تبدّل شيء في الدول التي لم تشهد أيّ ثورة أو تحرك. فالكلّ يتجاهل التقارير الحقوقية، ويشكك في مصداقيتها. بينما الواقع هو ما يحصل داخل السجون، وفي التهجير والنفي والإقامة الجبرية، والتضييق على الإعلام، وتكبيل الحقوق. وهو واقع بعيد عن أيّ تسييس، ولو نبع من سياسة معينة في أساسه.

ولعلّ من المناسب التذكير أنّ كلّ بلد عربي، وفي أيّ مرحلة من مراحله، لديه، على الأقل، العشرات من سجناء الرأي. بينما تتفوق الكثير من البلدان العربية على نفسها حتى، في هذا النوع من القضايا. وتضم سجونها المئات والآلاف من أصحاب الرأي المخالف للنظام.

يعرف الجمهور ذلك تماماً. ويعرف أيضاً أنّ الأنظمة تلفق اتهامات لأصحاب الرأي، معظمها مهين يحاول عزل المتهم عن أيّ تعاطف شعبي معه. ومن تلك اتهامات بالعمالة للعدو، واتهامات بالإساءة للرموز الدينية، وصولاً إلى اتهامات بالفساد بمختلف أشكاله.

في المقابل، لا يُحاكم المسؤولون رغم ما يرتكبونه. هم نبهاء بالتأكيد في إخفاء ما يرتكبون مهما كان مشيناً. فأجهزة الدولة تجنّد لصالحهم. والقضاء نفسه يدور في فلكهم.

أمّا إذا وصلوا للمحكمة، فليس السبب أنّهم مجرمون مذنبون، فهذا هو دأبهم طوال عمرهم السياسي، وعمر من ورثوا "المهنة" عنه. إنّما بسبب تغيّر ما في موازين القوى، أرسل فيه "الثوار" الجدد "ثواراً" قدامى إلى حفرة الانتقام.

في السجون نفسها يحصل تمييز كبير أيضاً. فبينما يستفيد أصحاب أوضاع معينة من امتيازاتهم، مهما كانت، يُعاقب آخرون بنفس درجة امتيازات أولئك.

والأغرب من ذلك، أنّ كلّ مواطن عربي لديه حقيقة ثابتة في لا وعيه، أنّ القضاء ليس سوى جزء من النظام السياسي. أي أنّ القضاء نفسه بالنسبة له، لا يمكن له بأيّ شكل من الأشكال، أن يخرج من ظلّ أهواء النظام السياسي ومسؤوليه. وما مبدأ فصل السلطات، وحرية القضاء، سوى شكل من أشكال التوجيه المنسلخ عن الواقع، في كتب التربية المدنية لتلاميذ التعليم الأساسي.

يلعب البعض على هامش الحرّيات المزعومة الموزعة يميناً ويساراً. يستفيد إلى حين، وينجح في بناء إمارته الخاصة، تحت لواء أحد المسؤولين. وينتشر الأمر في مختلف القطاعات، وأبرزها الجمعيات "الحقوقية"، والمؤسسات "الإعلامية".

لكنّ مفتاح اللعبة دائماً في أيد محددة. وهناك من هو أكبر منها بدورها. وهكذا وصولاً إلى المفتاح الأعظم الذي يتساوى الجميع لديه مهما كان اختلافهم. فهم مجرد أدوات تافهة في ملكه.
المساهمون