30 فلسطينياً بلا مأوى بعد هدم الاحتلال منازلهم

19 ديسمبر 2024
خلال هدم قوات الاحتلال منزل عائلة الرويضي بحي البستان، 13 نوفمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني عائلة عمر الرويضي من فقدان منازلهم في حي البستان بالقدس بعد هدمها من قبل بلدية الاحتلال، مما زاد من معاناتهم الاقتصادية بسبب ارتفاع تكاليف الإيجار.
- يواجه حي البستان تهديدًا بالاقتلاع لصالح مشروع "حديقة الملك"، مما يهدد 1500 نسمة، وسط استياء الناشطين من عدم التزام السلطات بتعهداتها.
- أصدرت لجنة حي البستان بيانًا تعلن فيه مقاطعة بلدية الاحتلال، داعية المجتمع الدولي للتدخل لوقف الهدم، بينما تتواصل عمليات الهدم في مناطق أخرى.

لم يعد لعائلة المواطن المقدسي عمر الرويضي وأربعة من أشقائه من حي البستان جنوب المسجد الأقصى مكان يأوون إليه، علما أن عددهم نحو ثلاثين نسمة، من بينهم اثنا عشر قاصراً، بعد أن هدمت طواقم بلدية الاحتلال في القدس منزله ومنازل أشقائه من بين أحد عشر منزلا ومنشأة هدمتها في السادس عشر من الشهر الجاري، بذريعة البناء غير المرخص.

‎أمضت عائلة المواطن عمر الرويضي الساعات الثماني والأربعين الماضية على أنقاض منزلها وقد تحلقت حول موقد نار وسط برد الليل القارس في انتظار أن يجدوا منازل يستأجرونها لتضيف عليهم أعباء اقتصادية مضاعفة بسبب ارتفاع إيجارات السكن في القدس، التي تبلغ في معدلها العام الشهري نحو أربعة آلاف شيكل (نحو 1200 دولار).

‎يجلس الرويضي مع ابنه بجانب أنقاض منزله ومنازل أربعة من أشقائه هدمتها جرافات البلدية، ويتحدث بألم لـ"العربي الجديد" عن معاناة عائلته في بناء منزله، وصراع قضائي مع بلدية الاحتلال في القدس منذ العام 2004، وما تكبده من نفقات ورسوم بعشرات الآلاف لمحاميه ولمهندس البلدية، وفي النهاية، يُهدم المنزل على حين غرة ومن دون سابق إنذار، ليجد نفسه وعائلته وأشقاءه الأربعة في العراء من دون مأوى.

انضم الرويضي إلى مقدسي آخر في الحي هو فخري أبو ذياب، الذي هدمت بلدية الاحتلال منزله في شهر فبراير/ شباط من مطلع العام الجاري، وتحول إلى نازح داخل بلدته سلوان ومدينته القدس يبحث عن مسكن، وأمضى خلال ذلك إقامته الليلية في أحد فنادق المدينة إلى أن يجد مأوى دائماً له.

خطر الاقتلاع من حي البستان يهدد ما يقرب من ألف وخمسمائة نسمة من ساكنيه، لصالح تنفيذ مشروع حديقة الملك أو الحديقة التوراتية

بدوره، يقول الناشط مراد أبو شافع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "خطر الاقتلاع من حي البستان يهدد ما يقرب من ألف وخمسمائة نسمة من ساكنيه، لصالح تنفيذ مشروع حديقة الملك أو الحديقة التوراتية التي تعتزم سلطات الاحتلال إقامتها على أنقاض منازل المقدسيين". ويضيف أبو شافع: "لم يحترموا ما تعهدوا والتزموا به بشأن متابعة إجراءات التخطيط التي شرع بها الأهالي على مدى سنوات، وتداولتها محاكم الاحتلال في النظر والفحص، أتوا وهدموا كل ما بنيناه، ولا يجد أصحاب المنازل المهدمة مأوى لهم سوى خيام أقاموها على أنقاض منازلهم". 

 لجنة حي البستان: مقاطعة بلدية الاحتلال

كان للجنة حي البستان بعد ما جرى من عمليات هدم منازل ومنشآت في حيهم موقف صارم من بلدية الاحتلال التي نكثت بوعودها. اللجنة أصدرت بياناً وصلت نسخة منه إلى "العربي الجديد"، قالت فيه: "في ظل الأحداث المأساوية التي شهدها حيّنا، حيث قامت سلطات البلدية بهدم أكثر من 25 مبنى ومنشأة منذ بداية العام، نعلن نحن أهالي الحي عن توقفنا الكامل عن أي مفاوضات مع بلدية الاحتلال". وأضاف البيان: "لقد أقدمت البلدية على تنفيذ هذا الهدم في الوقت الذي كانت تدّعي فيه التواصل مع محامينا من أجل الوصول إلى حلول مرضية، لكن هذه الخطوات تثبت أن نياتها بعيدة كل البعد عن حسن النية، حيث تستخدم أسلوب التهديد والضغط أداةً لتحقيق مشاريعها على حساب أهالي الحي، إن هدم البيوت يزيد الأمور تعقيداً، ويزيد أهالي الحي تشدداً برفض المخطط والتمسك بأراضيهم مهما كانت الظروف".

وختم البيان بالقول: "نؤكد رفضنا القاطع أي مشروع يُفرض علينا تحت التهديد والهدم والنار، ونشدد على أن حقوقنا في السكن والعيش الكريم غير قابلة للمساومة، نهيب بالمجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والإنسانية إلى التدخل الفوري لإيقاف هذه الاعتداءات، ومحاسبة من يقف وراء هذه الجرائم".

حكاية ونموذج

يقع حيّ البستان بسلوان في وادي كدرون (وادي النار)، بين حي وادي حلوة والحديقة الوطنيّة لمحيط أسوار القدس غربًا، وبين الجزء القديم من سلوان (سلوان الوسطى) شرقًا. واستخدم سكان سلوان الوادي حتى عام 1967 لزرع أشجار الفاكهة. ويفيد المخطط العمراني (ع.م/9) المخصص لبلورة العلاقة بين الصيانة والتطوير في حوض البلدة القديمة بأنّ وادي البستان مُعرّف بأنه منطقة مفتوحة يُمنع البناء فيها، ولم يجر في المخطط ضمّ أي منازل باستثناء مبان معدودة كانت قائمة فيه أثناء تصديقه عام 1976. 

ووفقاً لمركز بيتسيلم الإسرائيلي، فقد صُدّقت على مدار السنوات الماضية خرائط هيكليّة لبعض أجزاء سلوان، إلا أنها لم توفر منطقة لازمة لتوسّع الحيّ ولم تزد من حقوق البناء فيه. ومع تعاظم الاكتظاظ في سلوان، بدأ سكانه بالبناء في الوادي مُجبَرين. ويوجد اليوم في البستان أكثر من 90 منزلاً سكنيًّا شُيّدت من دون ترخيص، غالبيّتها بدأ تشييدها في الثمانينيات. ويقطن الحيّ نحو ألف شخص يعانون من كونه غير معترف به رسميًّا، ويواجهون أوامر هدم صدرت ضدّ بيوتهم جراء ذلك. ولا يقوى السكان، أيضًا، على توسيع منازلهم وتشييد أخرى على أراضيهم أو إقامة بنى تحتيّة لائقة ومبانٍ عامّة.

‏‎في عام 1995، نشرت لجنة التوجيه الإسرائيلية لتطوير السياحة في القدس، التي أقيمت عشية احتفالات ثلاثة آلاف عام على المدينة، مخططًا شاملا لإقامة "متحف أثريّ مفتوح" في "وادي الملك".

 وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، أمر مهندس المدينة أوري شطريت "بهدم البناء غير القانونيّ في وادي الملك"، من أجل الحفاظ على المنطقة "منطقةً عامّةً مفتوحةً"، كما جرى تعريفها في المخطط ع.م/9 الصادر عام 1976. في مطلع عام 2005، بدأت بلديّة القدس بتوزيع أوامر هدم على سكان البستان، وقامت البلدية خلال العام نفسه بهدم بيوت تابعة لعائلتين في الحيّ. 

‏‎استعان السكان بخدمات مخططة إسرائيليّة، وفي عام 2006، قدّموا اقتراحًا لخريطة هيكليّة لحيّهم. ورغم أنّ المخطط جُهّز بالتنسيق مع سلطات التخطيط، إلا أنّ لجنة التخطيط اللوائية رفضته عام 2009، بادّعاء ضرورة الحفاظ على المنطقة مفتوحة. ويأتي هذا نتيجة لموقع المنطقة المهم و"حساسيّتها المنظريّة" و"قيمها التاريخيّة والثقافيّة".

‏‎في عام 2009، اقترحت بلديّة القدس على سكان الحيّ ترك منازلهم طواعيّة إلى بيت حنينا الواقعة في الجزء الشماليّ من شرق القدس، إلا أنّ السكان رفضوا هذا المقترح. وفي مطلع 2010، قدّمت البلديّة مخططاً جديداً يشمل إقامة متنزّه سياحيّ اسمه "حديقة الملك" في وادي البستان، ليكون استمرارًا مباشرًا للحديقة الوطنيّة لمحيط أسوار القدس، وما يشبه توسيعًا لها. 

وورد في كُتيّب عشية الإعلان عن الحديقة وصف للرؤية المتمثلة في "تحويل حديقة الملك إلى حديقة مزهرة إلى جانب حيّ سكنيّ تنشط فيه المطاعم وورش الفنانين وحوانيت التذكارات والفنون المحليّة وغيرها (...)". وجاء في المخطط أنّه يجب هدم المباني القائمة غربيّ الحيّ (22 منها على الأقل) من أجل تطوير الحديقة، فيما سيجرى تأهيل المباني التي في شرق الحيّ (نحو 66 مبنًى)، وسيجرى توسيع حقوق البناء في هذه المنطقة. 

ومن المفترض بهذا التوسيع أنّ يُمكّن السكان الذين سيُنقلون من غرب الحيّ من بناء منازلهم الجديدة فوق المباني القائمة في القسم الشرقيّ، أو على أراض خصوصيّة إلى جانبها، لكنّ المخطط لا يذكر كيفية حدوث هذا الأمر على أرض الواقع.  بالتزامن مع ما جرى في حي البستان، نفذت سلطات الاحتلال عمليات هدم أخرى في حي الفهيدات من اراضي بلدة عناتا شمال شرق القدس، طاولت ستة منازل ومنشآت، من قبل ما يسمى بالإدارة المدنية التي بات الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش يشرف عليها ويتولى إصدار تعليمات الهدم لمنازل الفلسطينيين في الضفة الغربية، خاصة في منطقة ج، وهو الذي أعلن أمس أنه لن يسمح للفلسطينيين بقطع التواصل بين ما أسماه المستوطنات في الجنوب والشمال من خلال أعمال البناء التي يقومون بها. وتابع: "لن نسمح للعرب بالفصل بين غوش عتصيون والقدس، ولن نسمح لهم بإقامة دولة فلسطينية تُعرّض وجودنا هنا للخطر"، وفق ادعائه.

‏‎وفي 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعلن سموتريتش الاستيلاء على 24 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية وضمها باعتبارها "أراضي دولة"، بهدف توسيع عدد من المستعمرات، في خطوة توصف بأنها الأكبر منذ عقود. بدورها، كانت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أعلنت قبل أيام أن الوزير في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش يعمل فعليًا على ضم الضفة الغربية، مشيرة إلى أن هناك زيادة ملحوظة في عمليات هدم البناء الفلسطيني بحجة "البناء غير القانوني"، حيث نُفذت 642 عملية هدم منذ بداية عام 2024 مقارنة بـ306 عمليات في عام 2023.