سنوات الحرب الطويلة التي عاشتها سورية وما زالت أرهقت المواطنين الذين يجبرهم القصف على النزوح والعيش في المخيمات. معاناة النزوح هذه وانعدام الأمان والجوع هي ما يتمنى كثيرون الخلاص منه في العام الجديد
في مخيّمات الشمال السوري قرب الحدود السورية التركية، وفي مناطق وعرة، انتشرت مخيمات النازحين على خلال الأعوام الماضية منذ انطلاق الثورة عام 2011. وتضم عدداً كبيراً من النازحين والمهجرين الذين يأملون أن يكون العام الجديد أفضل من الذي سبقه، ويتوقف القصف والنزوح والعيش في خيمة تغرقها الأمطار وتجرفها السيول ويقاسي فيها الأطفال البرد في ظل غياب وسائل التدفئة والملابس الشتوية.
تقول أم محمد التي أتمت عامها السابع والثلاثين، وهي أم لستة أطفال، إن زوجها أجبر على ترك وظيفته بعدما كان يعمل في الشركة السورية للشبكات في حمص، لتعيش عائلتها ظروفاً مأساوية بعد حصار ريف حمص الشمالي. وبعد التهجير من ريف حمص، تعيش الآن مع أقاربها في بيت واحد مكون من ثلاث غرف تقطنه عائلتان إضافة إلى عائلتها.
تقول لـ "العربي الجديد": "نزحت مرات عدة حين كنت أقيم في ريف حمص، وقد قصف بيتنا سبع مرات. وعلى الرغم من ذلك، كنا نغلق الفجوات الناتجة عن القذائف بالشوادر والأكياس البلاستيكية و نتابع حياتنا. أيام الحصار، عشنا أوضاعاً مأساوية جداً لدرجة أن أطفالنا أصيبوا بسوء التغذية من جراء قلة الطعام. وعند التهجير لم يكن لدينا خيار سوى مغادرة الريف الشمالي إلى إدلب، فزوجي مطلوب للأمن. بالتالي، فإن بقاءه، على الرغم من التسوية، يعني اعتقاله. اليوم، نعيش في إدلب ونقيم جميعاً في غرفة واحدة. لا قدرة لدينا على دفع بدل إيجار منزل مستقل ولم نتمكن من الوصول إلى مخيم قد يكون مناسباً لنا. لن أقول إن العودة إلى بيتي وحياتي هي أكثر شيء أتمناه في العام الجديد. أريد أن أحظى وزوجي وأطفالي بمكان أفضل. أريد رؤية أولادي سعداء. أتمنى أن يحصلوا على دفاتر مدرسية وأقلام جميلة يحبونها".
اقــرأ أيضاً
ومن ريف حمص إلى ريف إدلب الجنوبي، يتشارك النازحون المشاعر نفسها. البيت الذي يبعث الطمأنينة لم يعد موجوداً. وباتت ظروف الحياة أسوأ، حتى الشبّان المعروفون بالاندفاع والرغبة في البدء من جديد أرهقتهم هذه الظروف. من بين هؤلاء الشاب الثلاثيني محمد جلول، وهو من بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي. تزوج قبل عامين وكان يعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى عمله في الزراعة. نزح من بلدته في نهاية يوليو/ تموز عام 2019 ، قبل سيطرة قوات النظام عليها.
الشاب الذي يعمل حالياً في إحدى المنظمات الإنسانية، يتجول كثيراً بين المخيمات ويشعر بالتعب من جراء ما يراه يومياً من معاناة النازحين. يقول لـ "العربي الجديد": "العمل بهذا المجال متعب ومرهق. مشاهد المعاناة التي نراها بين النازحين تخفف ما نحن فيه مع أننا نازحون أيضاً. لكن من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته. الأطفال هنا في المخيمات مرضى والكثير منهم ليس لديهم أحذية تقيهم البرد. الواقع قد يصعب وصفه بكلمات قليلة لأن المشاهد محزنة، ونعيش كل يوم مأساة حقيقية. كل ما أرجوه في العام الجديد أن يكون أفضل من الأعوام المأساوية التي شردت أهالي إدلب وأرغمتهم على النزوح. أتمنى أن يجد أطفال المخيمات السعادة ومنازل لهم ويعودوا إلى مدارسهم. بالنسبة إلي، أفضل ما يمكن أن يتحقق
هو أن أعود إلى بلدتي وأرضي لأعتني بأشجار الزيتون وأعيش بسلام".
أما خضر العزو (31 عاماً)، فكان يعمل قبل انطلاق الثورة السورية متعهداً للبناء، وكان يملك نحو مائة خلية نحل توفر له مصدر دخل جيد في ريف حمص. ويقول العزو لـ "العربي الجديد": "بعد عام 2012، التحقتُ بالثورة السورية وعملت في المجال الإعلامي بشكل تطوعي، ولوحقت من قبل فروع أمنية عدة في مدينة حمص بتهمة التخابر مع أجهزة استخبارات عالمية. وتعرضت لكثير من المشاكل خلال الثورة، أهمها فقدان باب رزقي أي تربية النحل، بسبب القصف والاشتباكات في المكان الذي كنت أربي النحل فيه، ما جعلني أعاني من ضائقة مادية حقيقية. عملت في مجال التصوير مع شبكات إعلامية سورية، وتزوجت في عام 2015، وطفلتي الأولى توفيت بعد ولادتها بنحو 15 يوماً، بسبب الوضع الطبي السيئ في ريف حمص. بعدها، رزقت بأسعد وآلاء، وهجرت من ريف حمص الشمالي ولم أحمل معي شيئاً من أغراضي. سرق بيتي بالكامل بعد خروجي من الدار الكبيرة في ريف حمص، وأعمل حالياً في المخيمات على توثيق أوضاع النازحين السيئة".
اقــرأ أيضاً
ويوضح العزو أن كل ما يتمنى تحقيقه هذا العام هو أن "يلتئم شمل أسرتي ويعم السلام سورية، وتنتهي معاناة الأطفال في المخيمات. وبعد رؤيتي طفل مريض يعاني في المخيمات، أتذكر معاناة طفلتي الأولى وكيفية وفاتها. لا أريد أن تتكرر المأساة مع أي عائلة هنا في هذه المخيمات".
أما خديجة علي، التي تركت بيتها في رأس العين برفقة زوجها الكبير في السن، فقد ضاقت بها الأحوال حتى وصلت مع أطفالها الثلاثة إلى مخيم "واشوكاني" قرب بلدة توينة في ريف الحسكة شمال شرقي سورية. كان همها الوحيد العناية بأطفالها. تشكو من البرد وصعوبات الحياة كنازحة مع ثلاثة أطفال. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن حياة النزوح أقسى مما تخيلت عندما تركت بيتها، هي التي تعيش حياة تشرد، حتى أن أطفالها محرومون من أدنى الاحتياجات في المخيم وزوجها بعيد عنها. يحاول إيجاد عمل عند أقرباء له، كي يتمكن من إخراج عائلته من المخيم. دائماً ما تحلم بالعودة إلى بيتها وتنعم بشيء من الأمان وترخي رأسها على جدار فيه وترتاح وأولادها وزوجها إلى جانبها.
تقول أم محمد التي أتمت عامها السابع والثلاثين، وهي أم لستة أطفال، إن زوجها أجبر على ترك وظيفته بعدما كان يعمل في الشركة السورية للشبكات في حمص، لتعيش عائلتها ظروفاً مأساوية بعد حصار ريف حمص الشمالي. وبعد التهجير من ريف حمص، تعيش الآن مع أقاربها في بيت واحد مكون من ثلاث غرف تقطنه عائلتان إضافة إلى عائلتها.
تقول لـ "العربي الجديد": "نزحت مرات عدة حين كنت أقيم في ريف حمص، وقد قصف بيتنا سبع مرات. وعلى الرغم من ذلك، كنا نغلق الفجوات الناتجة عن القذائف بالشوادر والأكياس البلاستيكية و نتابع حياتنا. أيام الحصار، عشنا أوضاعاً مأساوية جداً لدرجة أن أطفالنا أصيبوا بسوء التغذية من جراء قلة الطعام. وعند التهجير لم يكن لدينا خيار سوى مغادرة الريف الشمالي إلى إدلب، فزوجي مطلوب للأمن. بالتالي، فإن بقاءه، على الرغم من التسوية، يعني اعتقاله. اليوم، نعيش في إدلب ونقيم جميعاً في غرفة واحدة. لا قدرة لدينا على دفع بدل إيجار منزل مستقل ولم نتمكن من الوصول إلى مخيم قد يكون مناسباً لنا. لن أقول إن العودة إلى بيتي وحياتي هي أكثر شيء أتمناه في العام الجديد. أريد أن أحظى وزوجي وأطفالي بمكان أفضل. أريد رؤية أولادي سعداء. أتمنى أن يحصلوا على دفاتر مدرسية وأقلام جميلة يحبونها".
ومن ريف حمص إلى ريف إدلب الجنوبي، يتشارك النازحون المشاعر نفسها. البيت الذي يبعث الطمأنينة لم يعد موجوداً. وباتت ظروف الحياة أسوأ، حتى الشبّان المعروفون بالاندفاع والرغبة في البدء من جديد أرهقتهم هذه الظروف. من بين هؤلاء الشاب الثلاثيني محمد جلول، وهو من بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي. تزوج قبل عامين وكان يعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى عمله في الزراعة. نزح من بلدته في نهاية يوليو/ تموز عام 2019 ، قبل سيطرة قوات النظام عليها.
الشاب الذي يعمل حالياً في إحدى المنظمات الإنسانية، يتجول كثيراً بين المخيمات ويشعر بالتعب من جراء ما يراه يومياً من معاناة النازحين. يقول لـ "العربي الجديد": "العمل بهذا المجال متعب ومرهق. مشاهد المعاناة التي نراها بين النازحين تخفف ما نحن فيه مع أننا نازحون أيضاً. لكن من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته. الأطفال هنا في المخيمات مرضى والكثير منهم ليس لديهم أحذية تقيهم البرد. الواقع قد يصعب وصفه بكلمات قليلة لأن المشاهد محزنة، ونعيش كل يوم مأساة حقيقية. كل ما أرجوه في العام الجديد أن يكون أفضل من الأعوام المأساوية التي شردت أهالي إدلب وأرغمتهم على النزوح. أتمنى أن يجد أطفال المخيمات السعادة ومنازل لهم ويعودوا إلى مدارسهم. بالنسبة إلي، أفضل ما يمكن أن يتحقق
هو أن أعود إلى بلدتي وأرضي لأعتني بأشجار الزيتون وأعيش بسلام".
أما خضر العزو (31 عاماً)، فكان يعمل قبل انطلاق الثورة السورية متعهداً للبناء، وكان يملك نحو مائة خلية نحل توفر له مصدر دخل جيد في ريف حمص. ويقول العزو لـ "العربي الجديد": "بعد عام 2012، التحقتُ بالثورة السورية وعملت في المجال الإعلامي بشكل تطوعي، ولوحقت من قبل فروع أمنية عدة في مدينة حمص بتهمة التخابر مع أجهزة استخبارات عالمية. وتعرضت لكثير من المشاكل خلال الثورة، أهمها فقدان باب رزقي أي تربية النحل، بسبب القصف والاشتباكات في المكان الذي كنت أربي النحل فيه، ما جعلني أعاني من ضائقة مادية حقيقية. عملت في مجال التصوير مع شبكات إعلامية سورية، وتزوجت في عام 2015، وطفلتي الأولى توفيت بعد ولادتها بنحو 15 يوماً، بسبب الوضع الطبي السيئ في ريف حمص. بعدها، رزقت بأسعد وآلاء، وهجرت من ريف حمص الشمالي ولم أحمل معي شيئاً من أغراضي. سرق بيتي بالكامل بعد خروجي من الدار الكبيرة في ريف حمص، وأعمل حالياً في المخيمات على توثيق أوضاع النازحين السيئة".
ويوضح العزو أن كل ما يتمنى تحقيقه هذا العام هو أن "يلتئم شمل أسرتي ويعم السلام سورية، وتنتهي معاناة الأطفال في المخيمات. وبعد رؤيتي طفل مريض يعاني في المخيمات، أتذكر معاناة طفلتي الأولى وكيفية وفاتها. لا أريد أن تتكرر المأساة مع أي عائلة هنا في هذه المخيمات".
أما خديجة علي، التي تركت بيتها في رأس العين برفقة زوجها الكبير في السن، فقد ضاقت بها الأحوال حتى وصلت مع أطفالها الثلاثة إلى مخيم "واشوكاني" قرب بلدة توينة في ريف الحسكة شمال شرقي سورية. كان همها الوحيد العناية بأطفالها. تشكو من البرد وصعوبات الحياة كنازحة مع ثلاثة أطفال. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن حياة النزوح أقسى مما تخيلت عندما تركت بيتها، هي التي تعيش حياة تشرد، حتى أن أطفالها محرومون من أدنى الاحتياجات في المخيم وزوجها بعيد عنها. يحاول إيجاد عمل عند أقرباء له، كي يتمكن من إخراج عائلته من المخيم. دائماً ما تحلم بالعودة إلى بيتها وتنعم بشيء من الأمان وترخي رأسها على جدار فيه وترتاح وأولادها وزوجها إلى جانبها.