نجحت الشابة التركية رقيّة ديمير في تحقيق حلمها، وصارت الطالبة الأجنبية الأولى في جامعات قطاع غزة التي تحصل على شهادة الماجستير.
تمكّنت الطالبة التركية رقيّة حسن غازي ديمير من دخول قطاع غزة المحاصر منذ 12 عاماً، ومتابعة دراستها العليا في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة والحصول على شهادة الماجستير، وعنوان رسالتها "الإدراك الذاتي واستراتيجيات التكيّف للمرأة في المهن التي يهيمن عليها الرجال في غزة". ورقيّة تعيش منذ عامَين ونصف العام وسط الغزيين وتعاني ما يعانونه في ظلّ حصار الاحتلال الإسرائيلي. فاعتادت انقطاع الكهرباء والمياه وكذلك الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة من دون الشعور بالخوف، علماً أنّها تزوّجت من شاب غزيّ قبل عام.
تبلغ رقيّة من العمر 29 عاماً، وهي من مدينة ديار بكر جنوب شرقي تركيا، تخرّجت من مدرسة حكومية تركية، وبدأت دراستها الجامعية في جامعة إزمير، لكنّها سرعان ما تركتها إثر رفضها قرار منع الحجاب في الجامعات، وانتقلت إلى ماليزيا لتتابع دراستها في الجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور، وحازت على شهادة البكالوريوس منها في علم النفس في عام 2014. بعد ذلك، عادت إلى إسطنبول وعملت في مجال بعيد عن تخصصها، تحديداً في مجال العلاقات العامة باللغة الإنكليزية. لكنّها راحت تشعر بأنّها لم تستكمل تعليمها مثلما كانت تطمح منذ طفولتها، وقرّرت العمل على الحصول على موافقة لدراسة الماجستير في الجامعة الإسلامية بغزة، وبذلك تقوم بخطوة في اتجاه كسر الحصار المفروض على غزة، كونها طالبة أجنبية.
في خلال مناقشة رسالتها (محمد الحجار) |
تعيد رقيّة في حديث إلى "العربي الجديد" سبب دراستها في غزة إلى "أسرتي المتدينة. وزيارة غزة لطالما مثّلت حلماً كبيراً بالنسبة إليّ. ونحن في تركيا نشارك الفلسطينيين ألمهم، لذا يجب أن نكون مطّلعين على مشكلاتهم. من هنا أردت أن أعيش معنى النضال والصمود في أرض مباركة والحصول على شهادة علمية فيها". وتشير رقيّة إلى أنّه "في خلال دراستي بماليزيا وكذلك بعد عودتي إلى تركيا، رحت أتساءل عن سبب اعتماد شعوب الشرق الأوسط دراسات نفسية أعدّها باحثون غربيون بعيدون عن ثقافة المنطقة، وهو ما دفعني إلى متابعة دراسة الماجستير في المجال النفسي الاجتماعي في غزة".
صورة تذكارية مع شرطيات غزيات (محمد الحجار) |
حصلت رقيّة على "قبول من الجامعة الإسلامية في غزة، وقد أتقنت اللغة العربية، ثمّ سعيت إلى إذن رسمي من الخارجية التركية حتى أنتقل للعيش في غزة. كذلك تقدّمت من الحكومة المصرية يطلب للسماح لي بالدخول إلى غزة، لكنّني لم أعلم أنّ رحلتي من مطار القاهرة إلى مدينة غزة سوف تستغرق أياماً. هكذا بقيت أربعة أيام على الطريق، وسط انتشار الحواجز الأمنية المصرية من القاهرة حتى سيناء ثمّ معبر رفح البري". وتؤكد أنّ "اللحظات الأكثر صعوبة كانت عند الدخول إلى غزة من معبر رفح. هناك رأيت بأمّ عيني معاناة المسافرين الفلسطينيين. وقد قضيت ليلتي الأولى على الطريق، أمّا الليلة الثانية ففي أحد مساجد مدينة العريش المصرية، والليلة الثالثة وسط الصحراء. لكنّني في اليوم الرابع، لم أتمكّن من الدخول". وتشرح رقيّة: "في نقطة الشرطة المصرية عند معبر رفح، لم يُسمح لي بالدخول إلى غزة، لعدم اطلاعهم على إذن الخارجية التركية. فاضطررت إلى العودة إلى العريش وإجراء الاتصالات اللازمة. وفي السابع من سبتمبر/ أيلول من عام 2016، تمكّنت من الدخول إلى قطاع غزة الذي قبّلت أرضه فور وصولي".
في غزة، وجدت رقيّة أنّ الحياة ليست مثلما توقّعتها، "فأهل القطاع يتزوجون في حين يستشهد مواطنوهم، ويضحكون في حين يسيطر الحزن عليهم. هنا، وجدت شعباً يعرف كيف التأقلم مع الظروف الصعبة وما هو معنى السعادة وسط الألم". تضيف: "وددت دراسة الحالة النفسية في المجتمع الغزي وفهم كيف يصمد الفلسطينيون هنا أمام بطش الصهاينة، وكيف يخاف الصهاينة المدجّجون بالأسلحة من حجارة أطفال صغار". في النهاية، أعدّت رقيّة دراسة امتدّت على ثمانية شهور حول الشرطة النسائية في غزة، لمتابعة أحوالهنّ النفسية وجودة عملهنّ.
في الثامن من فبراير/ شباط الماضي، ناقشت رقيّة رسالتها التي أتت تحت عنوان "الإدراك الذاتي واستراتيجيات التكيف للمرأة في المهن التي يهيمن عليها الرجال في غزة"، وحصلت على تقدير جيّد جداً. تقول الشابة: "قارنت نتائج دراستي تلك بنحو 100 دراسة، معظمها باللغة الإنكليزية تناولت شرطيات في دول متطوّرة. فوجدت أنّ الإدراك الذاتي لدى الشرطيات الفلسطينيات في غزة أعلى بكثير ممّا هو لدى الشرطيات في مناطق أخرى من العالم، أمّا استراتيجية التكيّف عندهنّ فعالية جداً". وتوضح أنّ "الشرطية في غزة هي شرطية في الميدان وربّة منزل لم تفقد صلتها بمجتمعها، وهذا أمر خارق".