لأكثر من عشرين دقيقة، ووالدة الأسير الفلسطيني المصاب بالسرطان سامي أبو دياك من بلدة سيلة الظهر جنوب جنين شمال الضفة الغربية، تحاول جاهدة أن تشعره بوجودها ووجود أشقائه وشقيقاته إلى جانبه، خلال زيارته في السجن يوم الخميس، لكن دون جدوى، فقد كان فاقد الوعي بصورة شبه كاملة، ولم يقوَ حتى على رفع رأسه لينظر إليهم.
وتصف والدة الأسير سامي أبو دياك، حالة ابنها الصعبة، حينما شاهدته خلال زيارته في ما يسمى "مستشفى سجن الرملة"، وتقول لـ"العربي الجديد": "تم إحضاره على كرسي متحرك مع شقيقه الأسير سامر الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد ومعتقل منذ عام 2005، لم يشعر بي نهائياً، احتضنته وهمست في أذنيه، وكنت أُمنّي نفسي أن يعرفني لكنه لم يفعل، لأنه كان منهكاً جداً، ووجهه شاحباً"، وبحسرة تقول: "لقد خسرنا شاباً يافعاً قوياً سرقت منه سجون الاحتلال الإسرائيلي أجمل أيامه، ونهش السرطان جسده، لأجد نفسي أتحدث مع هيكل عظمي!".
حاولت الأم أن تفهم من ابنها الأسير سامر معلومات أكثر عن حقيقة الوضع الصحي لأخيه سامي، فأوضح لها أن الأطباء الإسرائيليين- وهم في الحقيقة سجانون كما تقول الأم-، أبلغوه أن جسد سامي لم يعد يستجيب مطلقاً لأية أدوية، وأنهم يجدون صعوبة بالغة في حقنه بإبرة المغذي، حيث أن شرايينه قد فقدت حيويتها كلياً وجريان الدم بها ضعيف للغاية، وسامي لا يشرب الماء، ولا يقوى على الحديث، وإن احتاج شيئاً ما وهذا أمر نادر الحدوث، فهو يحرك رأسه.
وقالت إن "التراجع في وضعه الصحي كبير جداً، وهو أمر فارق عندما زرته قبل أسبوعين، كنت حينها أراه من خلف الزجاج، وعندما زرته اليوم وجهاً لوجه، وجدت أن سامي يموت! لقد تركوه وحيداً يصارع الموت، كان هناك فرص كثيرة لإنقاذ حياته، لكنهم أضاعوها، شكراً لكل من تضامن معنا ورفع صوته عالياً ومن رفع صورة سامي، لكن ماذا يفيدنا ذلك، إن لم تكن هناك نتيجة".
وكان الأسير أحمد أبو خضر ممثل الأسرى في معتقل "عيادة سجن الرملة" قد نشر أمس الأربعاء، رسالة وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة عنها، قال فيها: "إنها رسالتي الأخيرة للعالم الخارجي بشأن أخي وصديقي ورفيق عمري الأخ سامي أبو دياك الذي يصارع الموت، وهو في ساعاته وأيامه الأخيرة، وبحسب التقارير الطبية (لمصلحة سجون الاحتلال) ولمستشفى (أساف هروفيه) لا يوجد أمل ولا يوجد أي علاج له وهو ينتظر رحمة الله".
وتساءل "هل يوجد مسؤول واحد أو في الفصائل أو بأبناء الشعب الفلسطيني أن يرحم هذا الفدائي الذي ضحى بأجمل سني عمره من أجل حرية وطنه وشعبه؟ هل يوجد من يرحمه وهو يقضي ساعاته وأيامه الأخيرة في جوار والدته ووالده وأهله، وليس وهو مكبل اليدين والقدمين ويرقد على سرير يسمى سريراً، بل هو عبارة عن لوح من الصاج".
وتابع الأسير أبو خضر: "ولكن نقول لكم إذا لحق المناضل والفدائي سامي أبو دياك بركب الشهداء الذين سبقوه من هذا القسم من إخوانه بسام السايح، محمد أبو هدوان، جمعة إسماعيل، وكل الأسرى الشهداء، سنبقى نلعنكم إلى يوم الدين، وسيأتي يوم نقسم بالله العظيم ونقسم بشرفنا ودمنا ونضالنا سيأتي يوم نحاسبكم أمام رب العالمين".
وتطرق أبو خضر لسامر شقيق سامي، قائلاً: "تخيلوا أن سامر أخ الأسير سامي أبو دياك يشاهده يصارع الموت أمامه وهو لا حول ولا قوة لديه، وأنا أشعر بالأخ سامر أنه يعاني ويموت كل ثانية وكل دقيقة، ومع ذلك فإن سامر موجود في هذا المكان من أجل خدمة الأسرى المرضى جميعاً، وهو كل يوم يعد وجبة الفطور والغداء والعشاء لإخوانه الأسرى المرضى، ولكن هذه الوجبات متبلة بدموع الألم والحزن على معاناة شقيقه ومعاناة المرضى الآخرين".
وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية أكدت أن رئيسها قدري أبو بكر اجتمع، اليوم الخميس، مع نائب رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي في فلسطين أوليفر كاسوت بشأن متابعة الوضع الصحي الصعب والخطير للأسير أبو دياك، وعدة قضايا أخرى تتعلق بالأسرى داخل سجون الاحتلال.
وأكد أبو بكر على سوء الحالة الصحية الحرجة للأسير أبو دياك وعلى ما تعرض له من سياسة إهمال طبي ممنهج من قبل إدارة السجون الإسرائيلية والتي أوصلته حافة الموت، ما يدلل على أن هناك جريمة قتل طبي مكتملة الأركان تمارس بحق أبو دياك.
من جانبه، قال نائب رئيس بعثة الصليب الأحمر: "إننا نتابع باهتمام عالٍ قضية أبو دياك من خلال زيارتنا له، وعبر المراسلات مع إدارة السجون، إضافة إلى أن الصليب الأحمر قام بترتيب زيارة عائلية للأسير وذويه وجهاً لوجه في عيادة سجن الرملة اليوم الخميس".
والأسير أبو دياك لم يكن يعاني من أية أمراض قبل اعتقاله، وعام 2015 تبين أنه يعاني من انسداد في الأمعاء الغليظة، والذي نتج عن ورم سرطاني كما ظهر لاحقاً، ثم أجريت له عملية جراحية عاجلة، وبعد إعادته للسجن من المستشفى تبينت إصابته بتلوث وتسمم نتيجة لعدم نظافة المعتقل، وأجريت له عدة عمليات جراحية دون فائدة، لإصابته بفشل كلوي ورئوي حاد، وخضع للعلاج، لكنه لم يتابع طبياً، وبدأ يعاني ثانية من انتشار الكتل السرطانية وكانت الاستجابة للعلاج محدودة.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال الأسبوعين الماضيين تفاقمت حالة الأسير أبو دياك وبات معرضاً للموت بأية لحظة، وجرى نقله عدة مرات لمشفى "أساف هروفيه"، بسبب إصابته بنزيف بالدم، حيث وصلت نسبته إلى 4، وانخفاض منسوب السكر إلى 20، ونقصان حاد بالوزن حيث وصل وزنه إلى قرابة 40 كغم.