نقابات سورية:فصول من قتل المجتمع يرويها غسان النجار 2/2

أنس أزرق

50FDB18D-D036-40E9-966A-28896A712969
أنس أزرق
09 مارس 2024
المهندس ياسين النجار..نقابات سورية: صوت الحرية المقموع(الجزء الثاني)
+ الخط -

لم ينفذ نظام الأسد أياً من مطالب النقابات المهنية التي التزمت بتأخير الإضراب العام لمدة شهرين بناء على وعود رئيس الوزراء آنذاك عبد الرؤوف الكسم وبناء على حوارات أطلقها النظام عبر لجنة زارت حلب وعقدت اجتماعات مع مختلف الشرائح الاجتماعية. على العكس من ذلك، فقد اشتدت القبضة الأمنية العسكرية على مدينة حلب وإدلب وعموم المناطق التي شهدت حراكا مؤيدا للإخوان المسلمين عبر أجهزة الأمن والفصائل البعثية المسلحة، ثم دخلت القوات الخاصة التي كانت بقيادة اللواء علي حيدر وسرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد إلى المدينة وأعلن منع التجول من المغرب حتى الصباح، وبعد ذلك تم تعزيز هذه القوات بجنود الفرقة الثالثة بقيادة اللواء شفيق فياض، وتم تفتيش المدينة أكثر من مرة وارتكاب عدة مجازر فيها، وأولها مجزرة باب الحديد، حيث انطلقت تظاهرة من أمام مسجد أسامة بن زيد في منطقة اقيول في 7 آذار/ مارس 1980، وقامت الوحدات الخاصة بإطلاق النار عليها، ما أوقع حوالي خمسين قتيلاً من المتظاهرين السلميين.

علي حيدر قائد القوات الخاصة التي ارتكبت مجزرة باب الحديد اذار/ مارس 1980
علي حيدر قائد القوات الخاصة التي ارتكبت مجزرة باب الحديد في آذار/ مارس 1980

استمر تفتيش المدينة طيلة شهر نيسان/ إبريل وتمت مطاردة خلايا "الطليعة المقاتلة" و"الإخوان" واعتقال أي معارض ولو كان من غير المنتمين للتيار الإسلامي، وكثرت حوادث القتل والاعتقال والضرب والسرقات والاغتصاب، وجمع شفيق فياض أبناء المدينة وهددهم بالقتل ما لم يسلموا أعضاء "الإخوان المسلمين". 
كانت نقابة المحامين في دمشق وحلب برئاسة نقيبها صباح الركابي أول نقابة تتحرك ضد تسلط النظام فأصدرت قرارات ترفض الأحكام العرفية وممارسة التعذيب وحذرت المحامين من عقوبات مسلكية إن هم شاركوا بأنشطة غير قانونية. تبعتها في ذلك نقابة المهندسين (فرع حلب)، التي أصدرت بيانا شبيها ببيان المحامين، وفي 28 فبراير/ شباط 1980 أصدر المؤتمر العام لنقابة المهندسين بيانا يؤكد على المطالب ذاتها

حافظ الاسد يكرم شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة التي اجتاحت حلب عام 1980
حافظ الاسد يكرم شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة التي اجتاحت حلب عام 1980

لم يترك النظام قادة العمل النقابي أحرارا بل حرص على اعتقالهم منذ اليوم الأول من الإضراب العام ثم حولهم إلى دمشق مع باقي زملائهم المهنيين ليبدأ اعتقالهم، والذي تراوحت مدته بين 7 سنوات لسبعة محامين و9 سنوات لثلاثة محامين رفضوا التوقيع على طلب الإفراج عنهم، وهم نقيب محامي حلب سليم عقيل وعبد المجيد منجونة وثريا عبد الكريم و12 عاما للمهندسين. عن ظروف اعتقال القادة النقابيين يتحدث ضيفنا غسان النجار، أمين سر نقابة مهندسي حلب في فترة الثمانينيات في الحلقة الثانية.

* ماذا حصل في 31  اذار/ مارس؟
دعت النقابات العلمية وقوى سياسية واجتماعية للإضراب العام، وأذكر أنني كنت في نقابة المهندسين يوم 31 مارس، حيث اجتمع المهندسون للاعتصام في النقابة، وحاصرت قوات الأمن مبنى النقابة وبدأت برمي بعض أصابع الديناميت باتجاهنا.
غادرت إلى منزلي عند الظهيرة، وما إن دخلت المنزل حتى رن جرس المنزل ففتح أحد أفراد عائلتي الباب لأنه رأى بعض أقاربنا، ولكن تبين أن الأمن برفقتهم، وأخذوني لرئيس فرع الأمن السياسي في حلب العقيد نديم عكاش، وقد أصبح لاحقا وزيرا للتموين. دخلنا مبنى المخابرات السياسية في حي السليمانية، وبعد قليل بدأ وصول زملائنا النقابيين من المهندسين والمحامين، وأخبرنا عكاش بأن المطلوب هو إرسالنا إلى دمشق.
 

* أنتم كنقابات مهنية، هل كنتم تؤيدون الحراك الذي كان يحصل في حلب؟ 
بالتأكيد، كنا مع النشاط الشعبي والإضراب الذي بدأ في المدينة. لم نكن طبعاً نؤيد الاغتيالات التي كانت تنفذها الطليعة المقاتلة، وقد جاءتني رسالة من زعيمها عدنان عقلة، وهو مهندس، يطلب فيها اللقاء، ورفضت ذلك لأنني مؤمن بالعمل النقابي.
 

* كيف كانت السلطات تعلل اعتقالكم؟
لم تكن السلطات توجه إلينا أي تهمة ولم يتم التحقيق معنا ولم نحاكم، كانوا يركزون على أن الإرهابيين يستثمرون مطالبنا وأنهم يخافون علينا منهم. أنا أضربت عن الطعام أكثر من مرة مطالبا بالمحاكمة.
 

* ما الذي حصل في حلب؟
عمت المظاهرات المدينة، ولا سيما في 8 مارس ذكرى وصول البعث إلى السلطة في سورية. كانت المظاهرات كبيرة وكانت حتى دوريات الأمن تخشاهم وأغلقت المحلات التجارية وتعطلت المدارس والوظائف لمدة أسبوعين. دخلت الفرقة الثالثة المدينة يوم 1 إبريل/ نيسان وفتشت كل أحياء المدينة وأسواقها أكثر من مرة.

حي المشارقة في حلب بعد هدمه عام 1980
حي المشارقة في حلب بعد هدمه عام 1980

* كم عدد الذين اعتُقلوا من نقابة المهندسين ومن النقابات العلمية؟ 
اعتُقل من نقابة المهندسين في حلب رئيس النقابة خير الدين حقي، وهو بالمناسبة ليس إسلاميا وإنما كان يساريا، وقبل أن يكون نقيبا للمهندسين كان وزيرا للصناعة في الحكومة التي ترأسها اللواء أمين الحافظ عام 1963، واعتقلتُ أنا بصفتي أمين سر النقابة، ومن أعضاء مجلس إدارة النقابة اعتقل الدكتور نبيل سالم والدكتور جلال خانجي وعبد الهادي أخرس وعبد المجيد شالة، الذي أفرج عنه قبل أن يموت بأسبوع بسرطان المعدة عام 1989.
 

* ومن نقابة محامي حلب؟
أيضا اعتقل حوالي عشرة محامين من حلب، ومنهم رئيس نقابة محامي حلب سليم عقيل، وكان من ذوي الاتجاه الليبرالي، والمحامي عبد المجيد منجونة، الذي كان ناصريا، وكان وزيرا في إحدى حكومات عهد حافظ الأسد.
 

* لذلك نقم الأسد على عقيل ومنجونة وذكرهما دون أن يسميهما في خطابه الذي هاجم فيه النقابات، وقال إن "أحدهم وضعناه في إحدى الوزارات وعندما كان وزيرا كانت السلطة شرعية وعندما خرج من الوزارة أصبحت غير شرعية ويريد إسقاطها"، وكان يقصد بذلك منجونة. كما أشار الأسد إلى عقيل قائلاً: "والآخر وضعناه في مجلس الشعب وعندما كان نائبا كانت السلطة شرعية" ولذلك كانوا بحسب الأسد "أفاعي سامة"، ويجب استعمال "العنف الثوري" معهم. 
هذا صحيح.اعتُقل أيضا بعض محامي دمشق وبعض أعضاء النقابات العلمية الأخرى، وتأخر اعتقال أعضاء نقابة المهندسين في دمشق لأن السلطات حاولت السيطرة على النقابة واستصدار قرارات مناوئة للقرارات السابقة، ولكنها فشلت فتم اعتقال المهندسين النقابيين من دمشق.
 

* ماذا حصل عندما ذهبتم إلى دمشق؟
اقتادونا إلى سجن الشيخ حسن، حيث بقينا مع كل زملائنا النقابيين من أنحاء سورية حوالي عامين فيه، وبعدها نقلنا إلى سجن القلعة في دمشق وبعد ذلك تم نقلنا الى سجن عدرا في ريف دمشق.
 

*متى أفرج عنكم؟ ولماذا؟
أفرج عنا على دفعات، أولا تم الإفراج عن المحامين قبلنا عام 1987 بسبب رفض اتحاد المحامين العرب أي تعاون مع نقابة المحامين السوريين ما دام هناك محامون معتقلون، فأفرج الأسد عن المحامين المعتقلين ما عدا ثلاثة منهم تم الإفراج عنهم عام 1989، وهم عقيل ومنجونة وعبد الكريم، ولاحقا بسبب ضغوطات منظمات العفو الدولية وحقوق الإنسان. أنا شخصيا كان لي إخوة في أوروبا وقد عملوا على استصدار بيانات من منظمات، وفي المقدمة "العفو الدولية" (أمنستي)، وبعد زيارة الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران إلى دمشق عام 1992، رغب الأسد بإظهار نوع من الانفتاح الخارجي وإيصال رسائل للغرب، فأفرج عنا نحن النقابيين، وأصدر عفوا وأطلق سراح حوالي ألفي معتقل من معتقلي الرأي والسياسة. 

لماذا أفرج الأسد عن المحامين قبلكم مع أن دورهم في حراك النقابات القانونية كان الأقوى بحكم مهنتهم وهي ترتبط بالحريات والدستور والدفاع عن المظلومين؟
كان موقف اتحاد المحامين العرب قويا، ولا سيما من خلال أمينه العام فاروق أبو عيسى ونقيب محامي مصر أحمد الخوجة.
 

* ما هو تأثير احداث حلب الثمانينيات على الثورة السورية؟
بعد أحداث حلب وحماة، سيطر الأسد على البلاد تماما وبدأ يؤسس لعبادة شخصه، فكان الأطفال يرددون في المدارس "قائدنا للأبد، الأمين حافظ الأسد"، وكان الشعب خائفا مذلولا، وكان الاعتقال يحصل على الشبهة ولا سيما في الوسط المحافظ، ولكن الشعوب تستيقظ ولو طال نومها، وهذا ما حصل عام 2011. الحمد لله كنت أول من دعا للثورة في عام 2011، حيث أصدرت بيانا في أول يوم من الشهر الثاني عام 2011 دعوت فيه الشعب ليوم غضب في 5 شباط/ فبراير، وطالبت النظام بحل مجلس الشعب المزور وإقالة الحكومة الفاسدة وإصدار قانون التعددية الحزبية وقانون العفو العام وعودة المهجرين والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وقلت لأصحاب السلطة في سورية وفي المقدمة بشار الأسد والأجهزة الأمنية إنكم لن تستطيعوا تغيير مسار التاريخ، ولا أن تنطحوا المريخ.

سليم عقيل نقيب محامي حلب عام 1980، أحد معتقلي حركة النقابات
سليم عقيل نقيب محامي حلب عام 1980، أحد معتقلي حركة النقابات

فاروق أبو عيسى وجيسي جاكسون

يرصد خالد عقيل سيرة والده نقيب محامي حلب سليم عقيل ونضاله النقابي وفترة سجنه بين عامي 1980- 1989 في كتابه المعنون "إرث ثورة". يروي خالد كيفية تعرف والده إلى حافظ الأسد بعد استلام الأخير السلطة في سورية، حيث زار مدينة حلب، وكانت تلك الزيارة الوحيدة للأسد الأب للعاصمة الاقتصادية لسورية، وأقام في فندق بارون والتقى وفوداً شعبية، ومنها وفد نقابة المحامين، الذي طالب الأسد بإطلاق سراح ستة محامين معتقلين، فتجاوب الأسد وأطلق سراحهم فوراً. اجتمع الأسد بوفد المحاربين القدماء، فطلب العميد المتقاعد عادل ميري أن يكون مجلس الشعب المزمع الإعلان عنه منتخباً، ولم يقبل الأسد بحجة أن الظرف لا يساعد، فطلب ميري أن يعين أعضاء مجلس النقابات المنتخبين، وقبل الأسد بذلك، وبذا أصبح عقيل عضوا في مجلس الشعب. لم يفرج الأسد عن ثلاثة محامين، عقيل ومنجونة وعبد الكريم، فأصر الأمين العام لاتحاد المحامين العرب فاروق أبو عيسى على الأسد مذكراً إياه بأنه استجاب لطلب القس الأسود جيسي جاكسون وأطلق سراح طيار أميركي كان يقصف شعبنا فكيف لا يستجيب "لرجل نوبي أسود يطلب منه إطلاق سراح مواطن سوري اختلف معك سياسياً؟".

ذات صلة

الصورة
أبو خديجة يسعى للعودة إلى الملاعب رغم الغياب الطويل (العربي الجديد/Getty)

رياضة

روى لاعب منتخب فلسطين الأول لكرة القدم أحمد أبو خديجة (28)، الذي تحرّر من سجون الاحتلال في 31 أكتوبر الماضي بعد 20 شهراً من الاعتقال، تجربته في المعتقل.

الصورة
مكتب نقابة محامي حلب 1972 (العربي الجديد)

سياسة

نتابع في الحلقة الثانية اعتقال أعضاء في نقابات سورية عام 1980 وجهود الإفراج عنهم حيث تم إطلاق سراح المحامين عام 1987 باستثناء ثلاثة منهم
الصورة
إطلاق الذاكرة السورية (حسين بيضون)

منوعات

أطلق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أمس الاثنين، منصة الذاكرة السورية التي وثّقت وجمعت مئات آلاف المواد منذ انطلاق الثورة السورية
الصورة
مظاهرة ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر مئات السوريين، اليوم الجمعة، وسط مدينة إدلب شمال غربي سورية، حاملين شعارات تطالب بتنحي قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، والإفراج عن المعتقلين